الجزائر - A la une

لبنان الذي تركوه في الجُبِّ



بقلم: عبد الحليم قنديل*
لبنان بامتياز أجمل بلد عربي قطعة من الطبيعة الرشيقة ممتدة بكامل قامتها على فضاء البحر وقد تركه إخوته العرب في قاع الجُبِّ تماما كما فعل إخوة سيدنا يوسف وجاءوا إلى أبيه يعقوب بالدم المكذوب على قميص المغدور وسولت لهم أنفسهم أمرا وتصوروا أنهم تركوا الفتى النبي الأجمل لمصائر موت تخيلوها.
وكما لم يمت سيدنا يوسف بخسة إخوته فلن يموت لبنان بإذن الله ودونما انتظار لعزيز ملكه الذي جعل سيدنا يوسف على خزائن الأرض فالبلد الأصغر الأجمل عربيا يملك خزائن بشر من نوع فريد أعلى قيمة بمراحل من خزائن ملوك البترو دولارات وقد صنع اللبنانيون عزاً لأمتهم لا ترقي إليه رقاب الذين يحاصرونهم اليوم وينتظرون خبر هلاك لبنان الذي انتصر بدماء بعض أهله على جبروت العدو الإسرائيلي ووضع أنف قوات الاحتلال في التراب وأرغمها على الانسحاب ذليلة من الجنوب اللبناني ومن دون توقيع صك اعتراف ولا تورط في اتفاقات تطبيع مدنسة.
وشرف لبنان هو تهمته عند إخوته الأغنى مالا وقد حبسوه عن لبنان رغبة في دهسه وإفقار شعبه والتلذذ بمناظر مآسيه وبدفع عربون محبة لعزيزتهم إسرائيل وكأن المطلوب هو معاقبة اللبنانيين جميعا وإلى حد الإفناء لسبب مكشوف ومعلن هو أن بعض اللبنانيين حاربوا إسرائيل وهم يريدونهم أن يحاربوا حزب الله خدمة لأمريكا وإسرائيل وكأن سلاح حزب الله هو الذي صنع أزمات لبنان الاقتصادية والمالية وليس أمراء الطوائف الفاسدين المدللين المفضلين عند ملوك البترول الذين لا يعرفون أخوة دم بل صارت عندهم ماء وأحلوا محلها من عقود أخوة المعسكر الأمريكي الإسرائيلي فأمريكا عندهم هي الرب المعبود و البيت الأبيض لا المسجد الأقصى هو أولى القبلتين والتحالف الضمني فالظاهر مع إسرائيل هو دين العصر العربي الأثيم وفيما هم لا يذكرون كلمة العروبة إلا بالتضاد مع نفوذ إيران الفارسي المتضخم فإنهم لا يذكرونها أبدا في مقام التناقض الأوجب مع إسرائيل التي تحتل وتستوطن بلدا عربيا كاملا لم يعودوا يذكرون اسمه إلا في مقام الفلس و الطين .
ولو كان هؤلاء عربا بحق لتذكروا معاداة إسرائيل قبل أو إلى جوار التناقض مع إيران فلا بأس أن يحاربوا إيران التي ارتكبت خطايا هائلة بحق أوطان عربية متكاثرة وأغراها الفراغ العربي بالتوسع والهيمنة وامتداد وتوحش النفوذ ليس بالسلاح الإيراني وحده بل بمليارات هؤلاء بالذات وقد أنفقوها على حملات تكفير الشيعة ومن قبلها على حملات تكفير دعوة القومية العربية وتفجير المشروع القومي العربي من داخله ومن خارجه ومع إجهاض المشروع القومي بعد ما جرى في مصر عقب انتصار أكتوبر 1973 لم يعد من بديل سوى مشاريع الطوائف واليمين الديني وقد دفع فيها هؤلاء مئات مليارات الدولارات لا لشيء سوى أن أمريكا تريد ومعها إسرائيل ثم كانت المفارقة فلم يستفد بحملات تكفير الشيعة العرب أكثر من إيران الخمينية التي تعتبر التشيع الديني قومية جامعة لشعوبها متعددة الأعراق وأضاف إليها هؤلاء ذخيرة جديدة ومددا مجانيا بدفع الشيعة العرب إلى أحضان طهران التي استثمرت الشيعة والمتشيعين في حروب كسب النفوذ وإدارة عمليات تفكيك ما امتدت إليه يدها من أقطار العرب في المشرق والخليج وبدعوى محاربة العدو الإسرائيلي المجمع عليه تاريخيا وشعبيا وفي ما لم تضبط أغلب جماعات التشيع لإيران متلبسة بطلقة رصاص ضد إسرائيل فإن حزب الله وحده بينها هو الذي حارب إسرائيل مرات وهذه حقيقة مادية صرفة لا يصح أن يماري فيها أحد عاقل مع التسليم طبعا بخطايا تورط فيها حزب الله في ما بعد لعل أخطرها مشاركته الطائفية في حروب دارت على أرض سوريا وتشيعه لنظام بشار وضد أشواق الشعب السوري في نيل الحرية وسفكه لدماء السوريين حتى عندما كانت ثورة الشعب السوري بكرا لا تزال وكانت سلمية تماما في مراحلها الأولى قبل أن يغزوها جراد وأوبئة جماعات التكفير والقتل التي شربت ولم ترتو بعد من دماء السوريين تماما كما فعلت وتفعل جماعة بشار فلا أحد من المتقاتلين اليوم في سوريا يستحق العطف أو التعاطف اللهم إلا الشعب السوري والوطن السوري ضحية كل الأطراف وحتى إشعار آخر ندعو الله أن يعجل بمجيئه وفرجه.
والذين يريدون تدمير لبنان اليوم هم الذين شاركوا بمليارات الدولارات في عملية تحطيم سوريا تماما كما فعلت إيران وحزب الله إضافة للأطراف الإقليمية والدولية المتدخلة في المشهد السوري وهذه قصة دامية بتفاصيل مفزعة قد لا يكون هنا مقامها لكنها لا تبرر كل هذا التربص بلبنان ولا الامتناع الخليجي عن دعم لبنان في أزمته الاقتصادية الطاحنة ولا هذا التساوق والتطابق مع رغبات وأولويات أمريكا وإسرائيل وجعل حزب الله هو القضية وليس شقاء غالب اللبنانيين اليوم وعذابهم المتفاقم في بطولة البقاء على قيد الحياة وتردي نصف الشعب اللبناني إلى هاوية ما تحت خط الفقر وإلى حد صار العيش معه شبه مستحيل مع انهيارات يومية متسارعة في قيمة الليرة اللبنانية وتوحش فساد أمراء الطوائف الذين يحظون بمحبة ملوك البترو دولارات وبالتدفقات المالية الغزيرة الموجهة في غالبها لتجريف وتزوير غضب الشعب اللبناني وجعل بوصلته موجهة ضد سلاح حزب الله وليس ضد الإفقار وهيمنة الفاسدين السارقين وبدعوى محاربة إيران ممثلة في حليفها حزب الله ولو كان هؤلاء يفقهون ما يقولون ولو كانوا حقا يحرصون على عروبة لبنان كما يهرفون لفعلوا العكس تماما وسارعوا لنجدة لبنان وكسبوا للعروبة أرضا بالأيادي البيضاء على حساب نفوذ إيران لكنها قلوب عليها أقفالها تفضل أن تذهب بمئات مليارات الدولارات إلى خزائن أمريكا لا أن تدفع قطرة من هذه المليارات لبلد عربي في غرفة الإنعاش لا لسبب إلا لأن ذلك عين ما تريده أمريكا وتريده إسرائيل من باب أولى والأخيرة تعرف خطر قوة حزب الله المتنامية على وجودها ولا ترى خطرا أكبر منه على جبهتها الشمالية وجربت حروبا لإفناء سلاحه دونما نجاح بالمرة وتعد لحروب أخرى قريبة دونما ثقة في الفوز ويفيدها بالطبع أن يخوض حروبها الآخرون وأن تزج باللبنانيين في حرب أهلية جديدة وأن تثير دواعي الشقاق والاحتراب وتدفع بطوائف السنة والمسيحيين والدروز إلى حرب قصاص من حزب الله بالذات وتلك لعبة مفضوحة لن يقع غالب الشعب اللبناني في شراكها أبدا فقد قاسى اللبنانيون من قبل حربا أهلية طويلة لم تجلب إلا الدمار وسفك دماء 120 ألف لبناني إضافة للغزو الإسرائيلي واحتلاله لبيروت أوائل ثمانينيات القرن العشرين ولم تذهب الغمة إلا بعزيمة طلائع الشعب اللبناني وبمقاومة أطراف وطنية متعددة المشارب كان بينها ثم في مقدمتها حزب الله الذي قد يكون تورط قبل سنوات في اشتباكات محدودة في ما سمي إعلاميا باجتياح بيروت لكنه لم يكن طرفا في حرب أهلية دامت 15 سنة ليس لأن حزب الله جماعة من الملائكة أو الأطهار الأخيار بل بوعي سياسي مقاوم انحرفت بوصلته في جرائم حروب في سوريا هذا صحيح لكنه على الأرجح أو هكذا نأمل قد لا يكرر الخطايا ذاتها داخل لبنان المأزوم المحاصر المنهك اليوم بل ربما نرى ما هو أبعد أثرا فالقوة المسلحة الراجحة لحزب الله تظل عنصر ردع لأي طرف لبناني آخر قد يفكر بالتورط في إشعال حرب أهلية جديدة ثم إن التطور الملحوظ في تكوين وعقيدة الجيش اللبناني الرسمي قد يكون ضمانة سلم أخرى تقلص فرص انزلاق البلد إلى صدام أهلي واسع حتى مع تدهور الأوضاع الأمنية وظواهر الانفلات التلقائي أو المصنوع المصاحب عادة لمآسي الإفقار والتجويع المتفشية وافتعال المشاغبات الطائفية والمذهبية وكلها أساليب مكشوفة ومرفوضة عند أغلب اللبنانيين العاديين رغم قسوة المعاناة اليومية فالشعب اللبناني يملك خزائن الوعي والخبرة والتجربة وشغفه الفطري بالحياة والحرية كفيل بجعله يعبر المحنة والذين يتربصون به اليوم ويريدون دفعه لإشعال حروب مزورة لن ينجحوا أبدا في كي الوعي اللبناني ولا حرفه عن وجهة غضبة ضد الأعداء الحقيقيين في داخل لبنان ومن حوله والله متم نعمته على لبنان الأبهى عربيا ولو كره الكارهون من إخوة يوسف القدامي والجدد.
سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)