الجزائر - A la une

لابد من دفع فرنسا إلى تحمل مسؤولياتها تجاه ضحايا الألغام


لابد من دفع فرنسا إلى تحمل مسؤولياتها تجاه ضحايا الألغام
يطالب أستاذ التاريخ بجامعة الجزائر، الدكتور محمد لحسن زغيدي، المجتمع المدني بالاضطلاع بدوره ومسؤولياته ومهامه المستقبلية والتاريخية، في استكمال تطهير الأراضي الجزائرية من حقول الموت التي خلفها الاستعمار الفرنسي، كما يدعوه إلى الإلحاح على إدارة المحتل السابق لحملها على تحمل مسؤوليتها إزاء هذه المأساة الإنسانية وتعويض الضحايا والمتضررين منها، ونقل الحقائق المترتبة عن هذه المأساة إلى المحاكم الدولية والهيئات الأممية والتجمعات المختلفة.يقول الأستاذ زغيدي في لقاء مع "المساء"، بأن لجوء المستعمر الفرنسي إلى تلويث الأراضي الجزائرية بالألغام، "جاء كسياسة دفاعية فرنسية من أجل الحفاظ على مملكتها المسماة "الجزائر فرنسية"، وانتزاعها من يدي جبهة وجيش التحرير الوطنيين اللتين عزمتا على اختطافها منها وإرجاعها إلى سيرورتها التاريخية والطبيعة، وهي الدولة الجزائرية المستقلة.."ويضيف الدكتور زغيدي في نفس السياق بأن "فرنسا عملت على غلق الحدود، لأن تونس والمغرب بعد استقلالهما في مارس 1956، أصبحتا قاعدتين خلفيتين أساسيتين لتمويل الثورة وتمرير السلاح وتمكين المجاهدين من الإسعاف وقضاء الحاجة الملحة، فقامت فرنسا بإصدار قرار في ديسمبر 1956، أقامت بموجبه خطا مانعا وحاجزا، هو عبارة عن جدار مكهرب وملغم.. أي جدار للموت".وحسب محدثنا، فإن هذا الجدار بدأ زرعه في جانفي 1957، ليكتمل مع نهاية نفس السنة، "ولما جاء الجنرال ديغول إلى الجزائر عام 1958، من أولى الأعمال العسكرية الميدانية التي قام بها، عين الجنرال شال قائدا عاما للقوات الفرنسية، وكان من ضمن مشاريع هذا الأخير مع العمليات الكبرى، إقامة خط جديد نسبه إلى نفسه، سمي خط شال، ليصحح من خلاله الأخطاء والثغرات التي وقعت في خط موريس المنسوب إلى وزير الدفاع، لذلك، نلاحظ أن تلك الألغام بدأت تتجدد في كل مرة وفي كل اختراق ليصل عددها إلى حوالي 12 مليون لغم غداة الاستقلال، وبقيت هذه الألغام تحصد الأرواح، ليصل عدد الضحايا من المدنيين إلى 7000 ضحية منذ الاستقلال.."ويؤكد الأستاذ زغيدي أن الفضل اليوم في تطهير الأراضي الجزائرية من حقول الموت هذه، يعود إلى الجيش الوطني الشعبي الذي قام تطبيقا للمادة العاشرة من دستور 1963، بأخذ هذه المهام على عاتقه، رغم أنها تعتبر من مهام المحتل، "لأنه هو الذي زرعها وهو الذي يفترض أن يقتلعها، لاسيما أن عملية اقتلاعها مكلفة، لأن اللغم يساوي دولارا واحدا قبل زرعه، بينما تتكلف عمله نزعه 1000 دولار.."، وفي رأي أستاذ التاريخ، فإن المسؤولية الواقعة على عاتق فرنسا اليوم، قانونية وإنسانية "لأنها تعتبر الدولة المحتلة التي زرعت هذا العدو النائم والسلاح المدمر، وعليها، على الأقل، أن تقدم المساعدات التقنية في عملية القلع وتقدم الخرائط التي توجد بها هذه الحقول الفتاكة.. غير أن الإدراة الفرنسية تنصلت بعد الاستقلال عن مسؤوليتها وتركتها ثقلا على كاهل الجزائريين..".واستمرت عملية نزع الألغام من قبل عناصر الجيش الوطني الشعبي في مرحلتها الأولى، طبقا لأستاذ التاريخ، من سنة 1963 إلى 1968، حيث تمكن من تطهير العديد من الهكتارات من الأراضي واقتلاع حوالي 8 ملايين لغم، ثم جاءت المرحلة الثانية ما بعد اتفاقية أوتاوا التي تعتبر الجزائر عضوا فيها، والتي بدأ الجيش الوطني الشعبي مهمته فيها منذ عام 2003 إلى يومنا هذا، حيث تمكن من قلع حوالي مليون لغم وتطهير أكثر من 50 ألف هكتار على الناحيتين الحدوديتين الغربية والشرقية، وعلى مسافة طولية تزيد عن 1500 كلم مزروعة، منها 750 كلم في الحدود الغربية و750 كلم في الحدود الشرقية.وردا على سؤالنا حول عدم نص إتفاقيات إيفيان على مسؤولية فرنسا في تطهير الأراضي الجزائرية من الألغام، أشار الدكتور زغيدي إلى أن "هذه الاتفاقيات التاريخية كانت تبحث عن حل للاستقلال، ولا يجب أن نطلب من الذين حضروها أن يكونوا عباقرة في كل المجالات، حيث يكفيهم شرفا وعبقرية أنهم حققوا في اتفاقيات إيفيان المبادئ التي تم الإعلان عنها في أدبيات الحركة الوطنية وبيان أول نوفمبر بكل أبعادها، والمتمثلة خاصة في الحصول على استقلال تام وسيادة مطلقة ودولة حرة، من دون تواجد الفرنسيين، كما قلصت في الاتفاقيات العسكرية من 99 سنة إلى 15 سنة.. فماذا نريد من هؤلاء الأبطال الذين ركزوا جهودهم ونضالهم وكفاحهم حول أولوية كبرى، تمثلت في إخراج هذا العدو المحتل وتخليص الجزائر من مخالبه التي طالت الوطن لمدة قرن و32 سنة..".وفي سياق متصل، يعتبر الدكتور زغيدي أن "تحميل فرنسا مسؤوليتها التاريخية والإنسانية وتجريمها هو دورنا نحن"، داعيا في هذا الصدد المجتمع المدني إلى الاضطلاع بمسؤوليته وتحمل مهامه المستقبلية والتاريخية في استكمال تطهير الأراضي، وكذا تحميل إدارة المحتل السابق التي تريد أن تبين بأن الاستعمار هو أداة تحرير وتطوير، فيما هو في الحقيقة أداة تدمير وقتل وكل ما يحمله هذا المعنى من دلالات ضد الإنسانية، مسؤولية تعويض الضحايا المدنيين والمتضررين من خطوط الموت، لاسيما بعد فترة استقلال الجزائر.."، مشيرا إلى أن من الأعمال التي ينبغي أن يقوم بها المجتمع المدني في هذا الإطار، لا سيما بمناسبة إحياء الذكرى ال60 لاندلاع الثورة التحريرية المجيدة، رفع الدعاوى القضائية أمام المحاكم الدولية وهيئات الأمم المتحدة، وعرضها أمام الشخصيات السامية، وإقامة المحاكم الصورية والتجمعات التي تبين عواقب هذه المخلفات الاستعمارية، ليبين من خلالها بأن أحفاد وأبناء جيل نوفمبر هم في مستوى المهمة الموروثة من الآباء والأجداد..




سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)