كاريـــــــــــــــــــــــculture عن بلاوي الهواري

حظيت في الأيام القليلة الماضية بشرف الالتقاء بقامة فنية نادرة.. مبدع أقل ما يمكن أن يقال عنه إنه رائد من الرواد القلائل للأغنية الجزائرية قاطبة، رغم أن هواه وهراني واسمه ضارب في هويّة بلاد سيدي الهواري..كان بلاوي الهواري، أنيقا كما دوما، شيبة الرأس زادته وقارا، وجهه المتماسك بشاربه الرقيق المصفّف بعناية نجوم سينما السبعينات، ينسيك أن عمره يلمس عتبة العقد التاسع من العمر..ستّ وثمانون سنة من العمر ولا يزال بلاوي على قيد الإبداع، وقيد التواضع الكبير أيضا..كنت أظنّ وأنا أقترب منه مساء الأربعاء الماضي، على هامش القبض عليه من طرف الإعلامي أحمد بن صبان الذي نجح في استنطاق ذاكرته ببرنامجه التلفزيوني الناجح "أنتم أيضا". كنت أظنّ أنّ جينة العظمة عند شيخ وهران ستكسر جينة فضولي، وكنت أنتظر من عرّاب الأغنية الجزائرية الحديثة، بسمة دبلوماسية وردّ تحيّة مقتضب، على أكثر تقدير، لكن بسمته اللامنتهية احتوت توجّسي وتواضعه النادر الذي قابلني به أشعرني أني ألتقي بشاب حديث التوغّل في عالم الفن وليس مع رجل أعطى أكثر من سبعين سنة من عمره لجمهوره، وفرش الطريق لآلاف المبدعين الذي أثثوا أمس ويؤثثون اليوم الساحة الفنية الجزائرية..تحدّث الشيخ بلاوي معي؛ بكثير من الحب وبعض الثقل في نطق بعض الحروف، ظننت ذلك راجعا إلى عامل السنّ، قبل أن أكتشف من مقربين من الشيخ أنّ الأمر ليس جديدا على لسانه وبأنّ الأمر لازمه منذ الصغر وكان سببا في خروجه من المدرسة مكسور الخاطر بعد استفزاز صبر طفولته من طرف المعلّم وزملائه في الدراسة، لكن المعجزة في لسان الشيخ بلاوي، أنه ينطلق بلا أية عثرة عندما يتعلّق الأمر بالغناء!!كان الشيخ يقاطعني بلطف كلما وصفته بـ"الأول".. يضع رأسه خجلا ويجيبني بابتسامة تواضع كلما طلبت منه تأكيد معلوماتي أو نفيها..نعم، الشيخ بلاوي هو أول من  عزف على آلة الأكورديون في المغرب العربي، وأول من أسّس جوقا للأغنية الوهرانية وأول جزائري تذاع أغانيه في راديو شمال إفريقيا سنة 1943 وأول من لحنّ للأستاذ الكبير أحمد وهبي وكثير من الفنانين النجوم الذين أدخلهم بألحانه إلى الساحة الفنية الجزائرية وأول من مزج الموسيقى الجزائرية الأصيلة مع الموسيقى الشرقية والموسيقى الغربية.. ورغم كل هذا المسار المثقل بالريادة، لم يخلع الشيخ برنوس التواضع ولم تسقط من وجهه حمرة الحياء..ربي يطوّل في عمرك يا فارس الأغنية الجزائرية.. يا شيخ بلاوي.يكتبه : رشدي رضوان