الجزائر - A la une

قوة الحاجة
بقلم: أحمد برقاوي*نعرّف الحاجة بأنها مطلب في النفس يدفعها لتلبيته. وباستطاعتي أن أعرف الإنسان بأنه كائن الحاجات المتعددة والساعي إلى تلبيتها.والفارق بين حاجة الحيوان غير الناطق والحيوان الناطق هو أن حاجات الأول غريزة بيولوجية صرفة وطرق تحقيقها هي الأخرى بيولوجية قابلة للتعلم من دون إضافة أو نقصان. فيما حاجات الكائن الناطق بيولوجية وثقافية وقابلة للزيادة وطرق تحقيقها لا حصر لها.فالحاجة الغريزة هي واحدة عند الحيوانين الناطق وغير الناطق: الطعام والشراب والعاطفة والهواء والبقاء. ولكن الإنسان وحده من جعل من حاجاته البيولوجية - الغريزية عالماً ثقافياً معقداً جداً ومن أساليب تلبيتها ما لا يخطر على بال. وليس هذا فحسب بل إن آثار عدم القدرة على تلبية الحاجات وهو الحرمان يخلق لدى الإنسان طرقاً عدة بعضها أقرب إلى الطرق الشريرة إن لم تكن هي الشر نفسه.غير الإنسان بوصفه كائن الحاجات خلق عبر تطوره الطويل حاجات لم تعد مرتبطة بحاجاته الطبيعية وهي ليست مجرد حاجات روحية فقط بل حاجات مادية أيضاً كما خلق السبل الكثيرة لتلبية هذه الحاجات والأخطر من ذلك هو ما تولد عن الحرمان وما يتولد عنه من أنماط سلوك.أوردت كل هذا الكلام المعروف لأصل إلى لُب المشكلة الخطيرة التي تعاني منها أغلب المجتمعات في العالم ومجتمعاتنا العربية على وجه الخصوص ألا وهي مشكلة الهوة التي تفصل بين الحاجات والقدرة على تلبيتها. ولا شك في أن هناك فروقاً بين حاجات الناس وفقاً لنمط حياتها ومستوى ثقافتها.وكذا الأمر هناك اختلاف في حاجات مجتمع أوروبي عن حاجات مجتمع عربي وإذا ما توقفنا عند العرب فإننا نقول بكل اطمئنان لصحة ما نقول: إن أم المشكلات في الوطن العربي تكمن في طبيعة الحاجات وتطورها عند الفرد العربي وعجزه عن تلبيتها بدءاً من حاجات العمل والمتعة والحق وانتهاءً بحاجات الأمن والحريّة. وهذا التناقض إن شئت أحد أهم الشروط التي أنجبت الربيع العربي.فلقد أرجع الشباب في العديد من الدول العربية عجزهم عن تلبية حاجاتهم في العمل والرفاه والحق والتمتع بمنجزات الثورة العلمية - التكنوإلكترونية إلى السُلَطات الحاكمة وحملوها مسؤولية ما هي عليه دولهم من بطالة وفقر وأسر وانسداد آفاق تلبية الحاجات. وهي عملياً تحمل مسؤولية الحيلولة دون تلبية الحاجات.والحق أن عدم تلبية الحاجات يؤدي إلى الشعور بالحرمان واستمرار الشعور بالحرمان يؤدي إلى نوع من الإحباط واستمرار الإحباط يفضي إلى الاكتئاب بكل أشكاله والاكتئاب بدوره يفقد الإنسان معنى الحياة على الأرض ويفجر لديه غريزة التمرد والثورة.وتزداد الخطورة عندما تشاهد الأكثرية التي تعاني من الحرمان الناتج عن العجز في تلبية الحاجات أقلية مرتبطة بالسلطة بهذا الشكل أو ذاك متخمة من تلبية الحاجات إلى الحد اللا معقول. فيتولد لديها الحقد الطبقي ويختلط بالأحقاد الأخرى وتصل عندها غريزة التدمير ذروتها.وهكذا فإن شبه القانون التاريخي - الاجتماعي هذا هو فاعل على أنحاء مختلفة وفق مستوى تطور المجتمعات من جهة ووفق درجة التناقض بين الحاجات وتلبيتها من جهة ثانية. ألا فاعلموا.
سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)