الجزائر - A la une

قصة قصيرة
لم يكن المنظر جميلا من داخل الكهف ، كان الظلام موحشا وكان إحساسي رهيبا لأنني فقدت الطريق ولأنني وحدي ولأن قدراتي استحالت إلى عجز، رأيت الوطاويط من حولي وفوقي من خلال شعاع يتسلل من مكان بعيد، وسمعتها وهي تصدر أصواتا زادتني خوفا وثقة بضعفي. جلستُ في مكاني أتأمل خوفي، وقبعت في حيز السكون والظلام والبرد والرطوبة أفكر في تفاصيل موتي واندثاري تحت تلك الظروف التي لا تشجع الحياة ، ثم وردتني خاطرة فقلت: حتما هذا الضوء يأتي من مكان ما، من فتحة ما ، من مخرج ما!ثم حضرني سؤال غريب قلب كياني : " كيف وصلتُ إلى هنا؟ كيف وصلتُ إلى هذه النقطة من الكهف، ما الذي أتى بي هنا؟" ، ما الغرض من قدومي إلى هذا المكان الذي لا يطمئن إليه إنسان؟" ، أدركت حينها أنه عليَّ الخروج وأنَّ وجودي في الكهف خطأ، وقعت فيه ربما عن قصد أو عن غير قصد، ربما أتيت إلى هنا بغية في الاستكشاف أو التعلم أو غيرها، لكنني أدركت الآن أنه علي الخروج ، تبعتُ النور الذي ظل ينبعث من مكان ما. وكان ينعكس على الأرض الرطبة ثم يرتد على النوازل التي تهبط من سقف الكهف ثم يستقر في عيني التي ألفت الظلام حتى أن النور صار غريبا عنها هو أيضا. لولا أن نفسي التي تتوق إلى الخروج تبعت النور غير آبهة بالخفافيش، ولا بأشباح الظلام والخوف، ولا بجسدي الذي هزل وضَعُف وكاد يتلاشى تحت أسوار الكهف. أحسست هناك أنّ الأشياء تنسى، أن الانسان هناك يتوارى عن الحياة.خالجني شعور أدنى من الموت، هو شعور بالوجود بلا حياة...لكن ما إن استجمعت قوّتي الفكرية، صرت أمشي وتحدوني قوةٌ مصدرها من إحساسي بالحياة، من شعوري بضرورةالوجود، من إرادتي العازمة للخروج... تبعت النور لساعات، وكان يبدو أحيانا كالسراب في الصحراء، لا يؤدي إلى مخرج ولا ينتهي إلى نهاية...ثم يدلف الليل فينقطع البصيص، وتبدأ سمفونيات الوطاويط تعزف موسيقى الرعب، وكانت تجتاحني تلك الترددات، وكان هزالي يزيدني ضعفا، غير أنني تمالكت نفسي، فصرت أقول: أنا سيد مصيري، أنا قائد روحي...وأكررها، إلى أن أغفو ثم يأتي الصباح، فأعود إلى رحلة الخروج من الكهف، رحلة التحرر من الخوف، رحلة تكسير حواجز العجز والذل . " سأخرج، سألتقي بالناس ، سأشم الهواء ، سأجري مع الضباء، سأسابق الريح، سأقابل الحياة. الكهف ليس مكان الأحياء" ، واصلت رحلتي إلى النور لأيام .. حتى صار أنوارا، كلما اقتربت زادت ثقتي، صرت أكثر يقينا بأنني سأجد المخرج، وسيأتي الفرج قريبا. كلما اقتربتُ عادت إليّ أماراتٌ من حياتي السابقة وقَدِمت إليّ إشارات من الحياة، قبيل المخرج استقبلتني الأنوار بدفء، سمعتُ نداءات الطبيعة، سمعت أصوات الكائنات وهي تلبي نداء الحياة ، أنا الآن على بعد أمتار من المخرج، تذكرت أن لي حياةً أود عيشَها، أدركت ما فَوتُّه من جمال، لكنني الآن أشد حبا للنور، و الحياة و الطبيعة و الهواء...سأواصل التقدم ببطء لكي يمتدّ شوقي للنور للحظات.. ولكي أودع الظلام.


سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)