الجزائر - A la une

"قش للبيع" كم أنت مخيف عمود أفقي





مازلت أعتبر تحالفهما الأقوى على الإطلاق، إنه أكثر تحالف يمكن أن أخشاه في هذه الحياة. تحالف أمي مع ”قش للبيع” يصيبني نداؤه بالذعر كل صباح وهو يصيح بتلك النبرة المغرية ”قش للبيع، كراسا، طوابل، بيفيات، نحاس..”. تنتابني الكوابيس أحيانا أن أمي نفذت تهديدها وباعته كتبي التي كلفني جمعها سنوات طوال مذ كنت تلميذا في الإبتدائي يهديني الجميع في كل مناسبة قصة إلى أن كبرت وصرت أجوب معارض الكتاب الدولية والمحلي ، وأعود محملا بما تطاله يدي و جيبي. لأكون صادقا أنا لم أقرأ كل كتبي أشعر أحيانا أن بإمكان بعض الكتب أن تنتظرنا وبإمكان أخرى أن تكون ديكورا جميلا ”الكتب ليست أثاثاً للمنزل، وليس أجمل منها زينة”، هكذا قال هنري بيشر. عبثا أحاول إقناع أمي أن منظر الكتب المرصوصة على الرفوف التي حفرتها ذات صيف أجمل من طاقم القهوة العجيب الذي تريد وضعه مكانها مع مجموع الأواني التي استولت عليه من هدايا زفاف شقيقي، بعض الكتب يجب أن تقرأ مرة في سن الشباب ومرة في سن النضج ومرة أخرى في الشيخوخة، كالبناء الجميل الذي يجب أن يُشاهد فجراً وظهراً وتحت ضوء القمر ،وبعض الكتب نقرأها لكنها لا تتطلب الكثير من التفكير لأنها ببساطة لم تكلف كاتبها ذلك، شخصيا لو سئلت يوما عن الكتب التي أفضل سأجيب مباشرة: كتب التاريخ.. إنها الأحسن على الإطلاق فيها من الأكاذيب والمبالغات ما يجعل الحياة رائعة ”لا تمل”، أحب الروايات أيضا، يعجبني كيف يمكن لخيال البشر أن يكون جامحا كيف يمكنه وإن تشابه أحيانا ألا يتطابق. كيف يمكن لكل كاتب أن يحمل قصة لا يحملها غيره أحب قراءة الروايات الممنوعة كذلك. مهما كلفني ثمن الحصول عليها أذكر في إحدى مغامراتي مع الكتب أني سرقت، نعم سرقت، رواية. كان عليكم أن تروا مشهد صديقي و هو يفرجني بزهو على رواية سلمان رشدي ”آيات شيطانية”، حاولت إقناعه بالتي هي أحسن أن يعيرني إياها أوأن يبيعها لي، أبى فما كان مني إلا أن خطفتها من مكتبته ودسستها تحت سترتي. ندمت بعدها لأن الرواية لم تعجبني كثيرا، شعرت بالخيبة بعد كل ما سمعته عنها، أخفيتها وراء الكتب. يكفي لعنوان ”آيات شيطانية” أن يفقد أمي صوابها كما يفقدها الإنجيل والثوراة وكتب البوذية صبرها علي ”ألعب بكلش غير بالدين”، وترميني أحيانا بنظرة مشككة: لماذا تقرأ هذه الكتب، الأولى أن تقرأ القرآن. عجيب أنها لا تلاحظني أبدا وأنا أمسك مصحفا، ”قش للبيع كراسا، طوابل بيفيات نحاس..” يا فتاح يا عليم
سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)