الجزائر - A la une

في ذكرى التأميمات السيادية للمحروقات



في ذكرى التأميمات السيادية للمحروقات
بالعودة إلى ذكرى التأميمات السيادية للجزائر باستكمال استقلالها الاقتصادي خاصة على مواردها الطبيعية وعلى رأسها النفط، لا يسعنا اليوم إلا تثمين قرارات الراحل هواري بومدين وتأكيده آنداك أن الرهانات المرتبطة بأمن الدول والشعوب سيبقى متوقفا على الذهب الأسود... طبعا ظروف الأمس ليست نفسها اليوم، بل أقحمت متغيرات نوعية ومؤثرة قلبت الواقع وكرست أوضاعا أقل ما يقال عنها إنها أدخلتنا في علم "البولينولوجيا" اختصاصه الحروب والنزاعات بدل "النيرولوجيا" وهو يرعى السلم والآمان والمحبة بين الشعوب.. بالنسبة لبلادنا واقتصادنا وتنميتنا التي تعتمد على مبيعات النفط وهو أصلا نعمة في الأصل تمكنت من خلق وانجاز مشاريع عديدة ذات الخدمة العمومية رغم العوائق المختلفة وفي مقدمتها الإرث السياسي الذي كرسه دستور 1976 الذي لم يتمكن من مسايرة الطموحات السياسية المكبوثة... وعلى العكس كانت أحداث أكتوبر 1988 وما نتج عنها من انحرافات خطيرة ومهددة نقطة تحول ومراجعة، تجلى ذلك في دستور 1989 الذي جدد المسار وعوّض المصطلحات القديمة بأخرى جديدة ومتميزة... إضافة إلى ترسيم التعددية، حيث تناول هذا الدستور التدشين الجديد لعهد الانفتاح وإعادة التفكير في تثمين الطاقات والإمكانيات والاستثمارات.علاقة السيادة بالاستراتيجي ورغم الإصلاحات والتغيرات التي واكبت التحولات والتأثيرات الواضحة التي خلّفتها المحنة الأمنية وما كلفت الدولة من خسائر تجاوزت الأربعين مليار دولار، إلا أن الدولة الجزائرية لم تتسرع في خوصصة قطاع المحروقات بل فضلت الحفاظ على سيطرتها واحتكارها للنسبة الكبرى في كل الاستثمارات رغم الضغوطات الظاهرة والمخفية.. وحتى الطروحات التي روجت لها بعض الأطراف والمصادر من الداخل والخارج بالكلام عن (Dénationalisation) أو التراجع عن التأميم لم تتمكن من تحقيق مبتغاها، وهذا اعتبره المختصون سياسة ثابثة وواعية من قبل السلطة الجزاىرية.. بل وإلى اليوم نال هذا الموضوع حيزا مطولا في النقاشات البرلمانية والسياسية من أجل تحديد النهج المناسب لقطاع المحروقات في الاستثمار والاستغلال والتطوير والتحديث.. فكل ميزانياتنا العامة والمتتابعة كانت تقام وتؤسس على سعر البرميل في حدود التوقعات مثل ما وقع مع ميزانية 2016 التي اعتمدت على السعر المرجعي المقدر ب36 دولار تقريبا، مما يسمح بتغطية كل الحاجيات لتحقيق وتيرة وحجم تنمية لائق.. لكن المتغيرات التي ميزت الأسواق الدولية وخاصة وسط المحروقات أريد لها أن تمر بفترة انحطاط ونزول سعر البرميل الى ما دون الثلاثين دولار مما تسبب في خسارة ملموسة ومؤثرة على ميزانيتنا ومداخيلها من العملة الصعبة... والإيجابي فيما وقع أن الاحتياطات من الصرف لعبت دورا في التخفيف من الأزمة المالية ودفعت بالحكومة الى الاستعانة بها. ورغم كل هذا بادرت الحكومة ومعها خلية الأزمة والمشكلة من كل القطاعات إلى التفكير في الحلول والبدائل والاستعداد للظروف الصعب المقبلة عليها بلادنا.. فلقد عرفت الأسباب المباشرة وغير المباشرة لتدهور سعر البرميل والتشنج داخل "الأوبك" بسبب المواقف والنزاعات فيما بين الدول الأعضاء وتمسك بعض الدول مثل السعودية بسقف إنتاجها الذي تعدى اثنى عشر مليون برميل يوميا، اضافة إلى النزاعات الإقليمية العديدة التي أثرت على القرارات السياسية.ظروف ومعطيات صعبة في الأفقوأمام الأوضاع الاقتصادية والمالية العالمية المعقدة والمتشابكة وتدشين بلادنا لعهد جديد يعتمد على توسيع الاستثمار والسعي لتنويع الصادرات خارج المحروقات وهو ما بدا يظهر جليا خاصة في بناء الصناعات الجديدة وتوسيع الاستغلال الزراعي والفلاحي، ستكون بدون شك السنوات المقبلة صعبة ومكلّفة خاصة في توفير الميزانيات التي تلبي حاجيات التنمية الشاملة والتمسك بالأدوار الاجتماعية تجاه المجتمع والفئات المحتاجة. وقد تجلى للمتتبعين أن الوعي بما يجب أن يكون في ظل النقص الملاحظ للسيولة المالية بالعملة الصعبة أخد يسيطر على اجتماعات الحكومة وتوجيهات رئيس الدولة الذي قدّم ملاحظات قيمة من أجل الاجتهاد وتحرير الطاقات وتشجيع الاستثمارات الوطنية والأجنبية وفق القاعدة تسعة وأربعين وواحد وخمسين التي تحفظ سيادة الدولة على مصيرها ووجودها السيادي. ورغم انتقاد البعض لمخاوف الحكومة في هذا الاطار، إلا أن التجارب الاقليمية والدولية كافية بأن تفيدنا فيما يخدم مصلحة البلاد والتوجه التنموي.. ورغم الإخفاق الذي ميّز حصيلة البرامج التنموية المختلفة والذي تسبب في خسائر كبرى وتبديد للمال العام إلا أن التوجهات الجديدة صارت أكثر حرصا على التسيير المسؤول والناجح.. نحو توجه واقعيإن المتتبع للتوجهات الجديدة للحكومة الجزائرية ومن أعلاها الدولة تظهر لنا أن الاوضاع المقبلة ستكون مختلفة بعد مراجعة الكثير من القوانين والتشريعات خاصة مع الدستور الجديد الذي أعطى ومنح التنمية توجهات تليق بالتأقلم والانفتاح والتنويع والتفعيل لكل القطاعات والتركيز على تأكيد الديناميكية الفلاحية والصناعية والخدماتية وحتى الدبلوماسية الاقتصادية والتجارية عليها أن تنشط وتتحرك وحتمية الاسراع بالإصلاحات المالية والمصرفية التي ما تزال تشكل عائقا حسب كل التقارير الوطنية والدولية. وأمام بلادنا معركة تفاوض مقبلة مع هيئات دولية مهمة مثل المنظمة العالمية للتجارة والمجموعة الأوروبية، والانتشار جنوبا أمام منافسة شرسة بالرغم من بداية موفقة لبعض الشركات الجزائرية والأسماء التي أدركت خصوبة هذه السوق الواعدة. وعندما نتكلم عن العهد الجديد للظروف الاقتصادية والتجارية العالمية في ذكرى التأميم، لا يمكننا أن ننسى أن الاعتبار الأمني الذي يحتل مركزه المتقدم اليوم يبقى أولوية الجزائر المهددة مثل العديد من الدول مما يتطلب وعيا إضافيا ومجهودات للحفاظ على أمننا الاقتصادي الموزع على جغرافية مواردنا الطبيعية المختلفة التي تقول بشأنها التقارير الوطنية أنها تحتوي على احتياطات كافية لضمان التنمية الشاملة للأجيال الصاعدة. الجزائر وهي الدولة المحورية بمنطقة جنوب المتوسط يعتبرها المختصون موقع انطلاق الآفاق الاقتصادية بأن تكون منبع ومصدر لتزويد الأسواق الجنوبية بمختلف السلع والمنتوجات ولم لا ؟ سوقا متوسطية قادرة على التنافس.. أما مجال المحروقات وكذا تطوير الطاقات البديلة والمتجددة فإن الحكومة التي تتابع عمل اللجان التي أعدتها بالمناسبة ستقدم حصيلتها قريبا مما سيعطي لهدا القطاع آفاقا متفائلة ومثمرة وقد رصدت الدولة الجزائرية ميزانية معتبرة للاستغلال والبحث والاستثمار تفوق الستين مليار دولار..


سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)