الجزائر - A la une

فسيفساء متنوعة تعكس الموروث الحضاري للمجتمع


فسيفساء متنوعة تعكس الموروث الحضاري للمجتمع
تعتبر المناسبات فرصة مواتية لإبراز العادات والتقاليد التي تتميز بها كل منطقة من القطر الوطني، ويتجلى ذلك في طقوس الأعراس والأفراح ابتداءً من طلب يد الفتاة من أهلها، وتنتهي بانتقالها إلى بيت الزوجية .في هذا الاستطلاع حاولت “الشعب” نقل بعض العادات والتقاليد التي تختلف من منطقة إلى أخرى، ....هو الثراء والغنى في الموروث الاجتماعي الذي تزخر به بلادنا الحبيبة والذي يعرف في السنوات الأخيرة تراجعا كبيرا إذ أصبح العرس لا يتعدى مناسبة تقام في قاعة للحفلات.............تخرج ب”برنوس الصوف” وقدمين حافيتينخديجة سلمان سيدة وجدناها ب«زنقة العرايس” بساحة الشهداء تتجول لشراء بعض مستلزمات جهاز العروس، تقدمها كهدية إلى خطيبة ابنها في مهيبة عيد الفطر، سألناها عن عادات المنطقة التي تنتمي إليها فقالت:«في مليانة وولاية عين دفلى عموما للعرس تقاليد خاصة تبدأ من بالبرنوس المصنوع من الصوف، تضعه العروس عند خروجها من منزل والدها إلى بيت زوجها، وهي مجبرة على ارتدائه رغم ارتفاع درجات الحرارة بالمنطقة، كما أنها لن تخطو خطوة واحدة إلى منزل زوجها إلا وهي حافية القدمين حتى وان اضطرت إلى المشي لمسافة طويلة ولن تستثنى من تنفيذ هذه العادة أي عروس حتى وإن جيء بها من ولاية أخرى”.وأضافت خديجة سلمان قائلة :«في هذا السياق أتذكر حادثة وقعت لابن خالتي الذي ولد وتربى بالعاصمة، وفي يوم عرسه وعند ذهاب خالته لإحضار عروسه من المدنية بالعاصمة طلبت منها الخروج من بيت والدها حافية القدمين ...لكن ذلك أثار حفيظة أهل العروس الذين رفضوا تنفيذ الطلب جملة وتفصيلا، ولولا تدخل عماته وبعض العقلاء لانتهى وتبقى العروس في بيت أهلها”.استطردت قائلة :«في الماضي كانت العروس بمجرد وصولها إلى بيت زوجها يحملها أكبر أخوة العريس ليدخلها إلى المنزل، أين تستقبلها أم العريس بالحليب والسكر، وكذا بحبات بيض عليها ان تدسوها في “عتبة الباب” كما يقال، ثم يؤتى برضيع وصل مرحلة التسنين ليحمل البرنوس وكانه يحاول نزعه عن العروس حينها، كفأل خير عليها حتى ترزق بملود ذكر ذكر في حملها الأول”، أما صباح العروسة فيحتفل به بكثير من الأبهة حيث أكدت خديجة قائلة:«من أجمل التقاليد تلك التي تميز ثاني أيام العرس أو ما يعرف ب«صباح العروسة” حيث تحضر عائلة العروس “جفنة” كسكس مقسم إلى جزئيين فوقها خروف كامل أين توزع قطع اللحم الكبيرة وتوضع بجانب كل واحدة حبة بيض مغلية، كما يزين ب«ليدراجي” الملونة، ولا يطهو أهل العريس سوى طبق الشربة فقط، وبعد وجبة الغذاء تحضر الحماة “جبتها” التي ارتدتها يوم عرسها لتلبسها العروس فوق ملابسها ثم يأتي أصغر أطفال العائلة حتى “يحزمها” وهي عادة مازالت الكثير من العائلات تحافظ عليها، في الماضي كانت العروس “تحزم” في رابع يوم من دخولها بيت الزوجية ولكن اليوم اختصر الزمن إلى اليوم الموالي من عرسها، كما أتذكر أنني في رابع يوم من زواجي أحضرت لي حماتي الدقيق لاقوم ب«فتل الطعام” الذي يطهى في العشاء، لذلك كانت العائلات في مليانة تحرص على تعلم بناتها الكثير من الأعمال المنزلية حتى تبرهن أنها فعلا سيدة بيت ممتازة،في نهاية حديثها تأسفت خديجة قائلة:«ما أخبرتكم به من تقاليد وعادات هو بعض من كثير لم يستطع الصمود أمام التغيرات الحاصلة في المجتمع، لذلك نرى اليوم أعراسنا بلا روح، أصبح التباهي والتفاخر فيها أهم ما يميزها، الأمر الذي جعل البساطة والتواضع في ربط علاقات الأسر غير موجود تماما، ولعل المشاكل التي تعرفها حياة الأزواج اليوم رغم توفر وسائل الراحة خير دليل على ذلك، فبعدما كان العروسان ينصحان بالصبر لبناء حياتهما معا صار المال هو المرجح لكفة الواحد منهما على الآخر”.”الشكيمة”...لم يعد لها وجودجميلة ب التقتها “الشعب” بشارع محمد بلوزداد تتجول بين محلات الأقمشة، سألنها عن تقاليد المنطقة التي تنتمي اليها فقالت:«الكثير من التقاليد التي كانت تميز أعراس ميلة اندثرت بسبب التطور الذي اكتسح كل مجالات الحياة، ولكن الحمد لله أن بعضا منها ما زال راسخا وباقيا لأنه “البنة” التي تعطي العرس بهجته وفرحته، وأضافت قائلة:«في ميلة يبدأ العرس قبل سبعة أيام من احضار العروس أين يجتمع الأقارب كل ليلة عند أهل العريس للاحتفال بزفافه بالغناء والرقص، ولا يهم ما يقدم كطعام فكل حسب ما استطاعته، ولكن الأكيد أن الجميع يحضر معه هدية حتى وان كانت كيلو سكر أو قهوة، وقبل يوم العرس يأخذ أهل العريس إلى أهل العروس ما يسمى عندنا ب«الدفيعة” وهي كبش ودقيق وصداق العروس لتقيم عشاء تدعو اليه الأقارب والأحباب ...ينتهي عادة بالحنة التي يحتفل بها الميليون بكثير من الأبهة”. عن يوم العرس قالت جميلة ب :«مع ظهور أول شعاع من ضوء النهار تجتمع النسوة وهن من قريبات العريس لتدق على باب الأقارب والجيران بترديد أغنيات خاصة.. وفي كل مرة يطرقن فيه باب أحدهم ينادونه باسمه ولن يتركوا المكان حتى يخرج الشخص ويعطيهم مبلغا من المال، وتبقى على تلك الحال تتنقلن بين المنازل حتى ينهين مهمتهن، وعند عودتهن إلى منزل العروس يقدم ما جمعنه من مال إلى والدة العريس، وهو في الأصل نوع من المساعدة للتخفيف من مصاريف العرس المكلفة حيث دأب فيه ذبح الخرفان والثيران لتحضير الكسكسي وأطباق متنوعة من شربة، طاجين الزيتون وغيرها”، وتستطرد قائلة:« من العادات التي اندثرت في ميلة وبعض مناطق الشرق الجزائري عادة “الشكيمة” فعند إخراج العروس من بيت أهلها كانت توضع فوق الحصان ويمسك لجامه أخوها الذي يشترط على أهل العريس تنفيذ شروطه إلى غاية وصول العروس إلى بيت زوجها، كما تعتبر الزرنة التقليدية الخاصة بالمنطقة من الضروريات التي يجب احضارها في الأفراح ولكن استبدلها البعض بالشرائط الموسيقية والأقراص المضغوظة أفقد العرس حلاوته وميزته في المنطقة”.أضافت جميلة ب قائلة :«في صباح العروسة تحضر عائلة العروس ما لذّ وطاب من الطعام تدعو اليه المدعوين من الأقارب لتناول وجبة الغذاء، ثم يقدمون للعروس “التاوسة” وهذه الأخيرة من جهتها تعطيهم الهدايا التي أحضرتها معها في “الشورة” أو جهازها، لتنتهي الحفلة ب«تحزيم”العروس من طرف والد زوجها لتنال بركته ورضاه، وبعد أربعة أيام تجتمع العائلتان مرة أخرى لتطهى “الغرايف” أو “البغرير” ويقدم بالعسل إلى الضيوف”.....الحفاظ عليها مسؤولية الجميعهي بعض التقاليد التي جمعت موروث ثقافي وحضاري لشعب اختلط بكثير من الحضارات من الفنيقية، إلى رومانية، الإسلامية والتركية، ولعل التنوع الذي نجده في هذا الموروث راجع إلى القدرة الغريبة في جعل كل هذه الثقافات خليط متجانس ترسخ كأعراف وتقاليد للجزائريين في مختلف المناسبات والولائم، وان اقتصر حديثنا اليوم على منطقتين فقط فهما مثلتا جهتين مختلفتين من ربوع وطني الحبيب، ولكن الملاحظ أن الجميع يتفق حول اختزال بعض العادات والتقاليد وترك الكثير منها بسبب التطور الذي تعرفه الحياة بصفة عامة، لذلك يجب علينا أن نحافظ عليها لأنها جزء من شخصيتنا الثقافية، وبعد من أبعادنا التاريخية وامتداد غير محدود في الماضي، وبصمة تميزنا عن أي شعب آخر حاضرا ومستقبلا.




سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)