الجزائر - 08- La guerre de libération

فرنسا التي "كسبت معركة".. وخسرت حربا!




فرنسا التي
إثارة هادئة.. لقضايا شائكة
صدر أخيرا للدكتور بوعلام بن حمودة، الوزير والأمين العام الأسبق لجبهة التحرير الوطني، كتابا بعنوان "الثورة الجزائرية ما ينبغي أن يعرف" (*).

والكتاب ـ كما يشير العنوان ـ بمثابة دليل للثورة الجزائرية، جمع فيه المؤلف معلومات هامة وجديدة من مصادر وطنية وأجنبية، وهو بذلك يفيد عامة القراء المتعطشين لمعرفة وقائع هذه الملحمة التاريخية، كما يفيد الباحثين وذوي الاهتمام الخاص الذين يجدون فيه وسيلة عمل لا غنى عنها.

يقع هذا الدليل في أكثر من 700 صفحة، مقسمة على 27 فصلا، بالإضافة إلى مقدمة وخاتمة، ويتناول في لغة سهلة ميسرة مختلف أطوار الثورة الجزائرية من التحضير إلى النصر، معرجا على الجوانب السياسية والعسكرية والدبلوماسية، دون أن ينسى بعض القضايا الداخلية الشائكة التي استعان لمعالجتها بشهادات حية من مصادر معنية مباشرة.. لذا يعد هذا الدليل مساهمة حميدة في التعريف المبسط بالثورة الجزائرية، تعريف يعكس وجهة النظر الجزائرية، مقابل عشرات المؤلفات والشهادات التي تتناول وجهة نظر الخصم الفرنسي.

هذه النظرة التي تحاول إقناع القارئ الجزائري بأن فرنسا "كسبت المعركة"، متناسية أنها خسرت الحرب!

ورغم القيمة التاريخية لهذا الدليل، فإنه مع ذلك لا يعفي الدكتور بن حمودة من كتابة سيرته الذاتية، وتجربته في معركة التحرير وفي سجون الاحتلال، بالنظر إلى القيمة التاريخية الكبيرة لمثل هذه الشهادات الحية.

ملاحظات نقدية

معالم... في حرب الذاكرة

كتاب الدكتور بوعلام بن حمودة جدير بالتنويه، لا سيما أنه يأتي في لحظة اجتهاد الجانب الفرنسي لتشويق روايته عن حرب الجزائر على أوسع نطاق، تساعده في ذلك ـ للأسف الشديد ـ أقلام مأجورة ودور نشر وصحف جزائرية.

غير أن هذا التنويه لا يمنعنا من تثقيف هذا المجهود الكبير ببعض الملاحظات المنهجية والنقدية، بأمل تفاديها في الطبعات اللاحقة.

مثلا ينقل الكاتب إلى القارئ معلومات جديدة لا تخلو من أهمية، لكن بدون إحالات على مصادرها، فضلا عن استبدال الإحالة على المصدر بالهوامش.

وهو استبدال مخل بالغرض، وغير مألوف في الأسفار العلمية.

يضاف إلى ذلك، أن الكاتب بدا له أن يحسم في بعض المسائل الجدلية، مع اللجوء إلى المبالغة أحيانا، من الأمثلة على ذلك:

1ـ معارضة بومدين للحكومة المؤقتة:

يؤكد الكاتب (في صفحة 639) أن هيئة الأركان العامة لجيش التحرير الوطني بقيادة العقيد هواري بومدين (1)، عارضت منذ تأسيسها سنة 1960 سلطة الحكومة المؤقتة.. وربما كان ذلك صحيحا بالنوايا، لأن الأفعال لا تؤكده، بدليل أن هيئة الأركان شاركت في الجولة الأولى من مفاوضات ايفيان (20 مايو ـ 13 يونيو 1961) بعضوين فيها هما أحمد قايد وعلي منجلي.

2ـ العضو الـ 22 في اجتماع المدنية:

يؤكد الكاتب أن الياس دريش مضيف اجتماع الـ 22 في المدنية أواخر يونيو 1954 ـ حين اتخذ قرار إعلان الثورة ـ "لم يشارك لا في النقاش ولا في التصويت" (صفحة 156) هذا التأكيد جاء بدون سند. وأكثر من ذلك أن قائد المجموعة محمد بوضياف يؤكد أن المضيف شارك فعلا في التصويت(2).

لقد صدر رقم الـ 22 عن لجنة الخمسة، وهي الأولى بالتصديق في مثل هذه المسألة التي يدرك الدكتور بن حمودة ـ قبل غيره ـ أهمية تجنب الجدال العقيم فيها.

3ـ اتهام الشهيد بشير حجاج:

الشهيد بشير حجاج مسؤول بقسمة حزب الشعب حركة الانتصار في الخروب - معقل الشهيد السعلة بشير شيحاني- قاد عمليات فاتح نوفمبر بناحيته، ووقع في الأسر ورفاقه أياما بعد ذلك.

يؤكد الكاتب اتهام الشهيد حجاج بأنه أفشى ـ تحت التعذيب ـ سر الطريق الذي سلكه مصطفى بن بولعيد في رحلته الثانية إلى ليبيا، والتي انتهت بأسره في بن قردان يوم 11 فبراير 1955، ويؤكد ذلك استنادا إلى رواية ضعيفة في هذا الموضوع: رواية العقيد الطاهر الزبيري.

يؤكد الزبيري أن حجاج كان مرشحا لمرافقة بن بولعيد في رحلته المشؤومة.. وكنا نشرنا ذلك على لسانه بصحيفة الشعب في ديسمبر 1985 (3).

وفي السنة الموالية حضرنا ملتقى تاريخيا بباتنة، تدخل خلاله رفيق الشهيد في قسمة الخروب المناضل العربي الخروبي، نافيا ذلك جملة وتفصيلا.. وقد ذكرنا ذلك على هامش شهادة العقيد الزبيري عند إعادة نشرها في كتابنا "ثوار عظماء (4) وأضفنا إلى هذا التصحيح معلومة هامة نقلا عن مجاهدين من وادي سوف، مفادها أن الوشاية ببن بولعيد بدأت من قفصة (تونس)، أثناء مروره بها في طريقه إلى ليبيا وقد عرف ذلك مجاهدو الوادي، فلقي الواشي جزاءه منهم.

ومعروف أن مرافق بن بولعيد هو المجاهد عمر المستيري، ولم نسمع في حقيقة الأمر ما يثبت رواية الزبيري من أية شهادة أو مصدر آخر.

للتذكير أن الزبيري كان بعيدا عن الأوراس، لنضاله ناحية الونزة وسوق أهراس، وكان أقرب إلى الشهيد مختار الباجي، وكان الأجدر به أن يقول لنا: لماذا لم يشركوا حجاج في الهروب معهم من سجن الكدية (قسنطينة) في نوفمبر 1955؟ علما أن الشهيد الذي ساعدهم في عملية الهروب باعتراف الشاهد نفسه، نفذ فيه حكم الإعدام بعد ذلك.

4ـ "معجزة" إذاعة اكفادو!

أكد الكاتب نقلا عن المجاهد الوزير عبد الحفيظ أمقران، أن الولاية الثالثة حولت جهاز لاسلكي عاد إلى وسيلة بث إذاعي يغطي دائرة بشاع 80 كلم! كان المجاهد أمقران قد ذكر ذلك قبل سنوات في منتدى المجاهد الذي استضاف المرحوم عبد الرحمان الأغواطي مدير الإذاعة والتلفزيون وهو من إطارات سلاح الإشارة أثناء الثورة.

رد الأغواطي بأدب على الشيخ آمقران بأن ذلك غير ممكن، لأن للبث الإذاعي تجهيزات خاصة ثقيلة نسبيا.. ولنا شاهد على ذلك بالأمس، في إذاعة الثورة بالناظور (المغرب) وفي الإذاعات المحلية اليوم!

وقبل ذلك كان الشيخ الوزير قد نشر هذه "المعجزة" في مذكراته! والغريب أن ينقلها عنه الدكتور بن حمودة!

للتذكير أن الولاية الثالثة كانت تجد صعوبة في استعمال جهز اللاسلكي العادي، ما جعلها تستعين بالولاية الأولى تارة، والثانية تارة أخرى.

جيش الاحتلال.. شاهد على نفسه في ملوزة!

تناول الكاتب في الفصل السابع من دليل الثورة الجزائرية، ما يعرف بقضية ملوزة، مميزا بوضوح بين هذه الأخيرة والقضية التي سبقتها وهي قضية بني يلمان...

كانت الغلبة في عرش بن يلمان ـ مؤقتا ـ للعناصر الموالية لمحمد بلونيس الذي تمركز بمشتى القصبة، باسم "الحركة الوطنية الجزائرية" بزعامة الحاج مصالي.

وتم لبلونيس ذلك، بعد التعرض لعناصر جبهة وجيش التحرير الوطني بالناحية واغتيال بعضهم. ولما حاولت الجبهة استعادة زمام الأمور بالناحية، اصطدمت برفض صريح من أغلبية العرش.

وها قرر قائد الولاية الثالثة آنذاك العقيد السعيد محمدي القيام بعملية تأديب بني يلمان.. وأسندت المهمة إلى قائد المنطقة الثانية النقيب أعراب أدّاكْ باعتبار بني يلمان تقع ضمن الناحية الأولى من المنطقة. وفي نهاية المطاف آلت مهمة تنفيذ قرار التأديب لقائد الناحية الأولى الملازم الأول عبد القادر عزيل المعروف بالبريكي (5) كان التنفيذ مساء الإثنين 27 مايو 1957 بمشتى القصبة، وتجسد في مقتل نحو 50 رجلا للردع والعبرة.

سارع جيش الاحتلال باستغلال الحادثة عسكريا ودعائيا:

ـ عسكريا بشن حملة تمشيط واسعة، تخللتها عمليات تقتيل وحرق لعرش ونوغة المقيم بملوزة وضواحيها، أشرك فيها عناصر من بني يلمان، قام بتسليحها حتى تساهم في الانتقام لذويها.

هذه الحملة الشرسة ذهب ضحيتها حوالي 200 قتيل من ملوزة، وما حولها.

دعائيا بتجميع قتلى ملوزة واستقدام أجهزة الإعلام الفرنسية والأجنبية لإشهادها على فظائع جبهة التحرير التي تقتل الشعب الذي تدعي أنها ممثله الشرعي والوحيد! وكانت هذه المسرحية الدعائية في 31 مايو 1957.

وقد نسبت الدعاية الاستعمارية هذه المجزرة في حق عرش ملوزة إلى جبهة التحرير الوطني، زاعمة أن عدد الضحايا يزيد عن 300 قتيل.

وتؤكد مصادر من الولاية الثالثة أن ثأر حركى بني يلمان تجاوز عرش ونوغة، ليمتد إلى مناطق أخرى من الولاية. ويذكر صالح مكاشر في هذا الصدد، أن هؤلاء اقترفوا سنة 1960 مجزرة في دوار افليسن (تيغزيرت ) ذهب ضحيتها نحو 80 مواطنا.

ويفيدنا المجاهد عبد العزيز وعلي (6) من المنطقة الثانية أن تقرير النقيب أعراب أدّاكْ إلى قيادة الولاية يشير إلى أن عدد القتلى من بني يلمان المعاقبين بلغ 86 قيتلا، وهو نفس الرقم الوارد في تقرير البريكي قائد الناحية الأولى ومنفذ العملية.

ومهما يكن فإن ربط الدعاية الفرنسية للحادثة ومضاعفاتها بملوزة ـ بدل بني يلمان ـ يؤكد شهادة المكان على جريمتهم النكراء التي حالوا إلصاقها بجبهة التحرير علما أن الجبهة لا تنكر تأديبها لأنصار بلونسي من بني يلمان.



(*) صدر عن دار النعمان للنشر والتوزيع، الجزائر 2012

(1) رفقة نوابه الرواد أحمد قايد وعلي منجلي ورابح زراري (عز الدين)

(2) طالع كتابنا "أحاديث مع بوضياف" دار هومة، الجزائر 2001

(3) أعداد 16 و 17 و 18 ديسمبر 1985 من الصحيفة

(4) الطبعة الأولى، دار دحلب، الجزائر 1991

(5) مساء الثلاثاء 28 مايو في روايات أخرى

(6) في كتابه أحداث ووقائع في تاريخ ثورة التحرير بالولاية الثالثة، دار الجزائر للكتب، 2011.

سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)