الجزائر - A la une

عندما يتكلم الخليفة!
من الصعب أن نعرف كيف ستنتهي قضية الخليفة المفتوحة هذه الأيام أمام مجلس قضاء البليدة، ومن الصعب أيضا التنبؤ بالأحكام التي ستصدرها ضد من صار يعرف بالفتى الذهبي، الذي سقط بين عشية وضحاها من القمة إلى أسفل الدركات. فبعد أن كان يجالس رئيس الجمهورية ويرتشف معه القهوة ويتبادلان الحديث ويضرب به المثل في النجاح في عالم الأعمال، يسقط اليوم في الهاوية وتأكله رطوبة السجون وأوساخها. لكن يبدو أن السجن كان بالنسبة لرفيق خليفة أكبر مدرسة علمته معنى الحياة، أكسبته تجربته المريرة ثقة في النفس وإدراكا لألاعيب الحياة والناس.هؤلاء الذين كانوا يرعون في كفيه ويقتاتون من فضلات موائده، يصنعون منه اليوم مجرما أخطر من مدني مزراق وبن حجر وبن عيشة والعيادة وغيرهم من أمراء الدم والسبي والدمار.وقف الخليفة أمس أمام القضاة واثقا من نفسه، مطلعا أحسن اطلاع على ملفه وعلى التهم المنسوبة إليه، ووضع للقضاة “حجرة في السباط”، بألا يتكلم ولا يرد على أقوال وما نسب إليه من تهم إلا في حضور من أدلوا بها، وهو يعرف أن هناك أناسا فوق القضاء وفوق العقاب. بل ذهب إلى حد التهكم من تهمة استيراد محطة تصفية مياه فاسدة حسب خبرة الخبير الفرنسي، حيث قال إنه قد يكون خبيرا من طينة غوركوف الناخب الوطني الذي يعدد الهزائم والأخطاء.كان المتهم واثقا من نفسه مقارنة بحجم التهم المنسوبة إليه، فهل ذلك لأنه واثق من براءته أم أنه يعرف أنها محاكمة على الطريقة الجزائرية المجرم الحقيقي فيها لا تطوله العقوبة بينما يدفع الصغار الثمن؟! والخليفة ليس صغيرا ولا بريئا، فقد وضع مؤسساته عن حسن نية أو بغباء خدمة لمصاصي الدماء، سمح لهم باستغلال بنكه لسرقة المواطنين الذين غرر بهم عندما رفع فوائد بنكه بنسب كبيرة، أكبر مما يسمح به البنك المركزي، وهكذا نهب الملايير من المواطنين الذين وثقوا فيه وفي قوانين البلاد. وهل يخون أو يسرق ويتحايل رجل يجالس رئيس الجمهورية وتفتح النشرات الرسمية على صوره مع الرئيس مبتسما؟! فرحنا كلنا وقتها لأن جزائريا جاء ليرفع اسم الجزائر بين الأمم. وفرحنا لشركة الطيران التي كنا نسافر على خطوطها معززين مكرمين، لا تتأخر عن مواعيدها ولسنا في حاجة لوساطة لنركبها بأموالنا. فرحنا لما بدأ تلفزيونه يفتح أفقا جديدا للإعلام الجزائري الذي عانى من سنوات الدم ولم تكن تتصدر نشراته غير الفواجع، تلفزيون صار ينقل صورة أخرى نقية ومغايرة عن تلك التي طبعت في أذهان العالم عن الجزائر… إلى أن حلت المصيبة، وفتح الجزائريون أعينهم على حكاية أغرب من الخيال ووجد زبائن البنك أنفسهم ضحية مؤامرة بحجم دولة.لا ليست محاكمة الخليفة وحده ولا يجب أن تكون محاكمة هذا الرجل وحده. وعلى القضاة أن يتحلوا بالشجاعة ويضعوا القانون والعدالة فوق الجميع، ويحاكموا مرحلة شاملة من الحكم هي أسوأ ما عرفت الجزائر منذ الاستقلال.ما كان للخليفة أن ينفذ جرائمه، إذا كانت هناك جرائم، لو لم يجد من يمدحه ويربّت على كتفه مباركا، ولو لم يجد وزير دولة في حجم بلخادم يمنحه الدروع، ولو لم يسجد أمام قدميه الوزراء والأمراء… المؤامرة أكبر من أن يكون حاك خيوطها رجل واحد، حتى وإن ظهر أمس في قمة الثقة بالنفس والطمأنينة. إنها مافيا استغلت تعطش الجزائريين للخروج من ظلام الأزمة والقتل والدمار فوقعوا في ما لا يقل خطورة، الفساد الذي انتشر في دواليب الدولة. لا أدري إن كانت عقوبة الخليفة ستكون من طبيعة عقوبة أمراء الإرهاب والدم، لكن سنكون نحن من يدفع الثمن، مثلما دفعنا الثمن زمن الإرهاب.


سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)