الجزائر

عبر بليغة من مخزون التراث والتاريخ الوطنيين



عبر بليغة من مخزون التراث والتاريخ الوطنيين
أمتعت السيدة زبيدة معمرية أول أمس الحضور بباقة من الحكايا الشعبية ذات العبر والمعاني الإنسانية السامية من خلال جلسة حميمية رمضانية جرت بقصر الثقافة "مفدي زكريا"، أعادت المتشوقين إلى أجواء الأصالة التي غيّبتها يوميات الحياة المعاصرة.جمعت الجلسة كوكبة من السيدات المثقفات الولوعات بالقصص الشعبي الجزائري استقبلتهن السيدة شنتوف مديرة قصر الثقافة بمكتبها، وشدّت الراوية الانتباه وحبست الأنفاس وذلك لتمكّنها الهائل في السرد وبحضورها القوي ولهجتها الأصيلة، وكانت تحكي مثلما تحكي الجدات وتستغل في التعبير كلّ جوارها تماما كالتمثيل وتلعب بتمكّن على نبرات الصوت وملامح الوجه.بدأت الراوية بالصلاة على خير المرسلين وبالقول "كان يا ماكان وما سلطان غير سلطان الله" لتستهل مجموعة القصص بقصة علي وأخته سلمى اللذين عاشا في سعادة وفي رخاء بقصرهما إلى أن جاء اليوم الذي خرجت فيه الأخت للبئر كي تجلب الماء فقابلها غصن ياسمين قائلا "لو حملتني معك ستجنين ولو تركتني ستجنين"، وبعد حيرة حملته مضطرة وبعد مرور أشهر وجدت نفسها حاملا فلجأت إلى قبو القصر إلى أن وضعت طفلة ثم عادت وكانت تذهب فقط لتنظّفها وترضعها ثم تعود مجدّدا وعندما اقترب الموت من سلمى أوصت الأخ بأن لا يقترب من هذا المكان فوفى بعهده رغم حزنه عليها، إلى أن تزوّج شيماء التي أرادت بفضولها اكتشاف السر فوجدت الطفلة يافعة ترقد بجنب الشموع فحملتها للقصر مدّعية أنها ابنة أختها وهكذا كانت تساعدها في تربية أبنائها حتى كبروا وطلبوا منها أن تحكي لهم سرّ حياتها فجمعتهم حول صينية بها شمعة وكانت تحكي وهي تعزف على العود، وفي كلّ مرة تقول لها الشمعة صدقت وتسقط في كل مرة قطعة من "اللويز" واعترفت أنّ أمها سلمى وأبوها هو السلطان رنجس الخارق وأشارت الراوية من أنّ الحكمة من القصة هو الذكاء الذي يجعل الممنوع مقبولا.القصة الثانية تحكي عن "أم مرزانة" ذات السمعة الطيبة في قريتها المعروفة بالسخاء والضيافة، التي كانت تعمل قابلة وتردّد دوما "يا نهار الموت يا نهار الكشايف، يا نهار الضحك بين السقايف"، ماتت فجاءتها المغسلة التي من المفروض أن تستر كلّ ما تراه لكنها اكتشفت أنّ الخالة ما هي إلاّ رجل فهبت للناس تصيح بالسر لكن الموت اختطفها فمات سرها والقصة تثمن خلق المحافظة على أسرار الناس.الحكاية الثالثة كانت عن العجوز "خالتي أم الخير" التي تسكن دار الجيران وتستقبل بسخاء جاراتها في جلسات ساهرة لكنهن كن يفرطن في النميمة، ذات يوم قصدها رجل لأمانتها كي تحفظ له ماله بينما يذهب هو للحج وعندما عاد وجدها ماتت، فاحتار فأشار عليه مدبّر أن يقصد المقبرة وينادي فردّ عليه صوت مجهول "اذهب لجبانة اليهود"، فاحتار المسكين وذهب وهنا رد عليه صوت بلسانها أن "خذ مالك في المكان المقصود وخذ مالها أيضا وتصدق به ليخفّف عنها الوزر" وهذا بسبب جلسات النميمة التي حضرتها رغم أنها لم تكن تشارك فيها وتخوض مع الخائضات" وكان الصوت يقول "بيت فتحت وأذن سمعت"، والرسالة تدعو إلى نبذ النميمة ومحاربتها في المجتمع لأنّها تسبّب الآفات.قصة "التركي" قصة طريفة أضحكت كثيرا الحاضرات بمن فيهن الراوية نفسها والتي أصبحت مثلا شعبيا معروفا يسمى "بيت التركي" يطلق على الباطل وعلى تدهور حالة مكان ما، وتروي قصة تركي صاحب جاه استقر بإحدى المدن الجزائرية بالشرق الجزائري وكان يشترط أن تجلب إليه فتاة جزائرية ذات جمال لكن كل مرة كانت النساء تهرب منه، فيعيد الكرة مع أخرى حتى وصل إلى الأخيرة التي تناولت عشاء ثقيلا ثم أعطته منوّما ورمت بفضلاتها في سرواله وعندما استيقظ ورأى حاله المتعفّن صرخ فأقنعته أنه هو من فعلها ونشرت في المدينة أنّ ذلك جعل الجزائريات يفررن من بيته فأرضاها وصنع لها مرحاضا تركيا كان الأوّل من نوعه في البيت التركي، وهنا تشير الراوية -باعتبارها باحثة في علم التاريخ- إلى أنّ هذه القصة تعكس تذمّر الجزائريين من الحكم التركي، خاصة بالشرق الجزائري الذي كان يأخذ غلات أراضيهم مجانا ليدعم بها نابوليون في زمن المجاعة وأكّدت أنّ التركي كان ينادي المرأة الجزائرية باسم فاطمة أي أنّ هذه الكنية سبق بها الاستعمار الفرنسي.قصة أخرى عن "البراني" الميسور الذي دخل المدينة وطلب فيها الزواج بشرط أن تكون العروس مطلقة أو أرملة ولها ولد وكان له ذلك، وطلب ليلة العرس من عروسه أن تجعل صغيرها مطية له كي يصعد سريرها وكانت تقبل، فيطلّقها وتكرّر الموقف مع أخريات وذات مرة طلب من العروس الأم أن تلبي طلبه فرفضت قائلة "اذهب فالطلاق أهون عندي من أن تضع رجلك على صغيري كي تصل إليّ"، فردّ عليها "إذن أنت مولاة الدار" والرسالة هنا تخّص المرأة التي تحافظ على أبنائها وأسرتها حتى ولو غاب الأب.في هذا السياق، أشارت الأستاذة عمامرية إلى أنّ هذه الحكايات هي من عمق تراثنا التي تربّت بها أجيال واستحضرت ذكرياتها مع خالاتها اللواتي كن يقصصن عليها الحكايا منهن "الميكي" التي توفيت في سن مائة عام والسيدة "رميتة" وأمها "خيرة "وكان لجلسات الحكاية طقوس منها حضور الصينية ووضع المنديل المعطّر على ركبة الراوية وحضور ماء الزهر وغيرها وكل هذه الطقوس لم تعد اليوم موجودة.للإشارة، شهدت هذه الجلسة إثارة العديد من المواضيع المتنوعة فتحتها السيدتين معمرية وشنتوف تخصّ جمالية الهندسة المعمارية الإسلامية التي لا بد وأن تعود بصمتها لمدننا وكذا عن القراءة والنشر في الجزائر وواقع المكتبات خاصة تلك الخاصة بالصغار التي تحتاج إلى تحديث من خلال إدراج تخصّصات مثل المسرح والبحث العلمي والاتصال والتنشيط الفني.


سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)