الجزائر

ظنت أنه فارس الأحلام فضيعت الشرف ومجوهرات العائلة



ظنت أنه فارس الأحلام فضيعت الشرف ومجوهرات العائلة
لم تكن الشابة “س” تدري أن الشاب الذي آثر عدم إهدار الوقت والدخول من أوسع الأبواب لطلب يدها للزواج، ليس سوى محتال من الذين تستهويهم لذة مشاهدة أفلام الجريمة والرغبة في استنساخها على أرض الواقع، لتستيقظ بعد فترة قصيرة على حقيقة أن الزوج الموعود ليس سوى ذئب بشري قام بانتهاك شرفها وسلبها مجوهرات بقيمة 100 مليون، قبل أن يتركها في حالة يرثى لها على حافة طريق عمومي.لم تكن “س” الفتاة التي عرفت بين أقرانها في المدرسة والحي الذي تقطنه بجمالها وتعلمها، بحاجة لكل هذه العجلة في رسم مستقبل حياتها ومحاولة البحث عمن يشاركها أحلامها الوردية في دخول مملكة الزواج وبناء الأسرة، فقد كانت فتاة جميلة وذات مستوى دراسي مقبول كان يؤهلها لأن تصبح سيدة نفسها في المستقبل، لولا تلك التلميحات التي كانت تسمعها تارة من قريبات لها وأخرى من زميلات سابقات لها في الدراسة عندما كن يتصلن بها بين الفينة والأخرى للاطمئنان عليها، والسؤال عن أحوالها وما فعلته بها أيام الزمن بين انقضاء مشوار الدراسة وتفرق كل منهن إلى سبيلها تشق طريقها في الحياة.وعادة ما كانت تنتهي هذه الاتصالات بسلسلة من النصائح بضرورة الاهتداء إلى فارس الأحلام وإنجاب الأولاد ووضع حد لمن كن يعتقدنه سجن الأهل وسطوة الأعراف والتقاليد وانتظار زوج قد لا يأتي، لتجد نفسها تخطو سريعا نحو الهدف مع أول صورة تراها أو رسم كانت ترى فيه المخلص والقادم على صهوة فرس ليحملها ويطير بها إلى عالم من الأحلام الوردية، لتلتحق بزميلاتها وتحكي لهن هي كذلك عن السعادة المفقودة التي كانت تعتقد عميقا أنها بين أحضان رجل ولكن أي رجل، حتى تسقط في المحظور، وقد يكون هذا المحظور رجلا بالفعل، لكن هذه المرة ليس سوى ذئب بشري أوقعتها فيه الأقدار.الطعم.. “ألو آسف أخطأت الرقم”ليت حظها العاثر لم يجعلها في ذلك اليوم ترد على اتصال خاطئ من هذا الأخير، لقد كان ذكيا قرأ أفكارها بسرعة جعلته يخمن أن الفتاة التي توجد على الطرف المقابل من الخط، مهيأة لأن تصبح مادة لينة لبداية قصة استغفال جديدة سبق أن نسج خيوطها مع أخريات وتركهن يعضضن على أصابع الندم.ليس أسهل من أن تطيح بفتاة تحمل مقومات سقوطها بسرعة، ووجدت فيه هي فارس الأحلام الذي تكون الأقدار يسرت لها اللقاء به، كان من الممكن أن لا ترد بعد ذلك عليه وهو يعاود الاتصال، مبادرا إياها بالقول “كان اتصالا خاطئا بالفعل لكن نبرة صوتك الدافئ جعلتني لا أقوى على نسيانك”، وعرفت هي بكثير من السذاجة وبعض من قلة الحيلة والاستعجال أن الفارس ترجل أخيرا وجاء موعد اللقاء.وقائع هذه القضية التي عالجتها محكمة الجنايات لمجلس قضاء المسيلة، التي ساهمت فيها سذاجة الفتاة إلى حد بعيد في نجاح السيناريو الذي وضعه المتهم للوصول إلى مجوهراتها وشرفها في آن واحد، تعود إلى شهر جانفي من سنة 2012، عندما تقدمت “س” إلى مصالح أمن دائرة سيدي عيسى، من أجل تقديم شكوى ضد مجهول قام بهتك عرضها وسلبها مجوهراتها التي تصل قيمتها إلى 100 مليون، قبل أن يرمي بها على مشارف طريق عمومي.وصرحت الفتاة بأن المتهم كان اتصل بها هاتفيا عن طريق الخطأ وبرقم مجهول على رقم هاتفها الخلوي، وقال إنه وقع عليها عن طريق الخطأ وطلب الاعتذار بلباقة معهودة، قبل أن يجدد اتصاله بعد ذلك وأخبرها باسمه وبأنه من مدينة أخرى وهو يرغب في الحصول على رقم أخيها بغية التعجيل بطلب يدها منه، بعدما لمس أن هناك ميلا نحوها.المهر مقابل المجوهراتإلى هنا استطاع المتهم كسب ود الضحية، خصوصا بعد اتصاله بأخيها وفاتحه في موضوع زواجه من أخته والاتفاق على الحضور إلى مسكنهم العائلي. أشارت الضحية إلى أن المتهم حضر فعلا على متن سيارة، والتقى شقيقها واتفقا مبدئيا على أمل إحضار أهله وخطبتها بصفة رسمية، مضيفة أنه بعد مرور يومين على ذلك اللقاء، اتصل بها من جديد وأخبرها بموعد الزفاف وبشروطهم وعاداتهم في الزواج.أخبرها الخطيب المزعوم بأن عاداتهم تقتضي أن يتحدد مهر المرأة بمبلغ امتلاكها للذهب، طالبا منها أن تجمع كل ما لديها من مجوهرات وتذهب رفقته نحو صائغ لوزنه وتقدير مقابله من نقود يكون مقدار مهرها بعد ذلك، ولما أخبرته بأنها لا تملك الكثير من المجوهرات اقترح عليها الاستعارة من الغير، وعندها، تضيف الضحية، قامت بجمع ما لدى أخواتها وجدتها.ضرب لها موعدا بعد ذلك، وعرج بها نحو مسلك معزول وهناك أيقنت أنها وقعت ضحية محتال، حيث لم تنفع محاولتها الهرب، ليقوم باغتصابها وسلبها ما جمعته من مجوهرات وتركها على حافة الطريق ويلوذ بالفرار إلى وجهة مجهولة، قبل أن يعثر عليها أحد المواطنين وهي بين الموت والحياة، فسارع إلى الاتصال بمصالح الدرك الوطني.الموت نهاية مرة، لكن “س” في تلك اللحظات وهي في طريقها إلى المستشفى لتلقي العلاج تتمنى لو أن هذا الموت يسرع في المجيء ويخط سيف قضائه عليها، لقد كان منظر أخواتها وجدتها اللواتي جردتهن من حصاد العمر يطرق أبواب مخيلتها، وكان وقع الفضيحة وهي تبسط خيوطها دون توقف بين بيوت الأهل والجيران، أكبر مما تتخيله نظرات لا يمكن تحملها إلا أن تموت ويرحل جسدها الذي تم العبث به دون أن تلقى عناء تلك النظرات التي كانت تعني لها الكثير.سجل إجرامي حافل لم يمض وقت طويل بعد إجلاء الضحية باتجاه المستشفى للعلاج وتكثيف عمليات التحري والبحث عن الجاني المفترض، حتى تمكنت مصالح الأمن من تحديد هوية الفاعل واقتياده للتحقيق، والذي تبين أن سجله الإجرامي مليء بقضايا من هذا النوع، تخص الاحتيال على فتيات بغرض اغتصابهن والاستيلاء على ما لديهن من مجوهرات وفي كل مرة يعيد الكرة.كثيرات هن اللواتي وقعن ضحايا هذا الذئب، وقلبت تفاصيل قصصه المنسوجة من العواطف المهترئة حياتهن رأسا على عقب، لكن الخوف من الفضيحة كان أكبر من أن يقمن بالإبلاغ إلا القليل منهن اللواتي ظلت قصصهن حبيسة محاضر التحقيق في انتظار وقوع الذئب في المصيدة، وفي حالة “س” لم يكن الأمر ليقع تحت طائلة الإخفاء، لقد كان المشهد هوليوديا، وكان أن كسرت الجرة وانكشفت على الجاني الذي لم يتمكن من الإفلات هذه المرة.ساعة الحقيقة ساعة الحقيقة، هي الساعة التي لم يجد المتهم أي مهرب منها، لم ينفع الإنكار وكان الانهيار بعد تعرف الضحية على الجاني، كما قام القاضي بمواجهته بسجله الإجرامي الحافل بعمليات النصب والاحتيال والاغتصاب، وهناك من الضحايا اللائي حضرن متسترات وتعرفن على المتهم، وبذلك اشتد الخناق على صائد النساء وأيقن في تلك اللحظة أن ساعة الحقيقة دقت بالفعل.قضت محكمة الجنايات بمجلس قضاء المسيلة، بعد المداولة القانونية بإدانة المتهم بجناية النصب والاحتيال وممارسة فعل الاغتصاب، ومعاقبته بعشر سنوات سجنا نافذا، مع تغريمه بعشرة ملايين سنتيم وتعويض الضحايا، وهو الحكم الذي أثلج صدور الضحايا، لكنه بالمقابل لن يعوضهن عن لحظات الخوف التي عشنها وعما ضاع منهن كذلك.


سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)