الجزائر - A la une

ضوابط مسؤولة لتفادي الانزلاقات



ضوابط مسؤولة لتفادي الانزلاقات
الساحة الإعلامية في الجزائر مفتوحة على تحوّلات عميقة وسريعة في آن واحد. ففي فترة قياسية انتقلنا من تجربة تأسيس العناوين الصحفية إلى القنوات الفضائية، وبالتوازي مع ذلك يخوض بعض مغامرة أخرى ألا وهي المنشورات الإلكترونية التي أصبحت مصدرا حيويا لدى الكثير لا يستغني عنها أحيانا، فهو مهووس بالاطلاع عليها وأخذ منها ما يريد.هذه الحركية المسجلة في هذا المشهد، منذ ما سمي آنذاك بالانفتاح في هذا القطاع، لم تنبن على تشريع واضح بقدر ما كانت عبارة عن مبادرات شخصية أرادت بكل مت تملك من حماس “فياض” قلب المعادلة باتجاه واقع إعلامي آخر، يختلف اختلافا جذريا عن سابقيه. وهذا ما عشناه خلال حوالي 26 سنة. وإلى غاية يومنا هذا، فإن الصحافة المكتوبة والإعلام المقروء لم يستقرا بالشكل الكامل أو الثابت، نظرا لأزماتهما الهيكلية.من بين هذه الإكراهات التي لازمت الإعلام طيلة هذه المدة، اختفاء العديد من العناوين، عدم القدرة على تسديد مستحقات الطبع، والرهان على الإشهار الذي أراد الجميع الاستفادة منه هكذا دون التفكير في بيع هذا المنتوج الورقي. ما حدث في هذا الجانب يندى له الجبين. أصحاب الامتياز تحايلوا على الجهات التي تعاملوا معها وهذا عندما كان لسان حالهم يردد على مسامع أهل المهنة، بأنهم لا يهمهم بيع جريدتهم بقدر ما يهمهم مداخيل الإشهار. وهناك من ذهب إلى حد إصدار صحيفته مرة في الأسبوع لنشر فقط ما تحصل عليه من إشهار ثم ينسحب لأيام، وهكذا دواليك... وحتى كذلك لا يُمنع من السحب. وهناك من كان يرفض أخذ الأعداد المسحوبة، مفضلا تركها في دهاليز المطبعة على توزيعها، كونها تكلفه أموالا إضافية والأحسن أن تعطى للتجار.وهناك ممارسات أخرى يصاب المرء بالدوران عند سماعها ميزت هذه المسيرة الطويلة. وعناوين قليلة أنقذت نفسها من هذه السلوكات الغريبة، لأنها حازت على العناية في أول الأمر من قبل من بادروا بهذا العمل، باسم رفع الاحتكارات وغيرها من الشعارات التي كان يلوّح بها البعض آنذاك. مقابل هذا، أغدقوا على هؤلاء بصفحات الإشهار العمومي وبالملايير، وهي ركائز خاصة.هذا هو السياق السياسي والاقتصادي الذي نشأت فيه هذه المنظومة الإعلامية، في وسط غاب فيه تشريع قانوني واضح، ماعدا تعليمات مكتوبة والباقي كان كله عبارة عن توجيهات شفاهية.لاستكمال هذا العمل، الذي شرع فيه هؤلاء وبالتوازي مع ذلك، كانت الصحافة العمومية محل تجاذبات، تارة توضع تحت وصاية حزبية “صحافة الرأي”، وتارة أخرى تعاد إلى أصلها مع تجريدها من وسائل الطبع وغيرها، خاصة في طابعها القانوني.كل هذا الزخم ولّد ذهنية لدى الكثير من الإعلاميين في القطاع الخاص، مرتبطة ارتباطا وثيقا بالمفاهيم والعناوين السياسية الكبيرة، كالتعددية والديمقراطية والحرية، وغيرها... هؤلاء حملوا معهم هذه المصطلاحات إلى مشاريعهم واصطدموا برد فعل قوي من قبل السلطات العمومية آنذاك التي لم نتعود على مثل هذه الثقافة الإعلامة وحدث ما حدث.لابد من التأكيد هنا، أن هذه الحالة النفسية ماتزال راسخة لدى رجال المهنة، وكان لها التأثير البليغ في ما شهده القطاع فيما بعد، ونرى ذلك في:- أولا: غياب هياكل خاصة بالصحافيين، نقابات أو جمعيات أو اتحادات أو منظمات، أدى إلى تشرذم هؤلاء بشكل لم يحدث من قبل منذ ما يعرف بحركة الصحافيين الجزائريين.- ثانيا: البحث عن أفضل الصيغ حاليا، قصد إقامة مجالس جديدة، منها أخلاقيات المهنة وتفعيل نشاطها في الميدان.نكتفي بذكر هذه الأطر التنظمية من باب اعتبارها مهمة جدّا وضرورية في الوقت الراهن، للتكفل بالمهنة بالشكل اللائق والطريقة المناسبة.الأخلاقيات والممارسة اليوميةفما هو مفهوم “أخلاقيات المهنة”؟، إنه مجموع أو جملة القواعد التي تضبط الكتابة الصحفية، انطلاقا من الخلفية القائمة على المسؤولية في الأداء اليومي، ويختلف النشاط هنا بين طبيعة كل وسيلة إعلامية (الجرائد، القنوات، الإذاعات) أي المقروء، المرئي والمسموع. أين نحن من كل هذا؟ لابد من الإقرار بأن هناك فراغ مؤسساتي حاليا، ماعدا سلطة الضبط التي رأت النور في 20 جوان المنصرم، وهي بصدد إعادة تنظيم هذا القطاع الجديد، وفق نظرة واقعية. أما غير هذا، فإن الجميع ينتظر إقامة هذه الأطر.واستناءً إلى التوجيهات الحالية، فإن السلطات العمومية تحرص على أن تكون في مستوى هذا الحدث، لكن الواقع اليومي شيء آخر.وحتى الآن، فإن هذه السلبية الموجودة عند أهل المهنة غير مفهومة بتاتا، وتبقى محل تساؤل دائم.والإشكال حسب التجربة المعيشة يكمن في غياب أو عدم وجود جهة قادرة على لمّ شمل هؤلاء من أجل هدف واحد، ألا وهو الدفاع عن مصالح الصحافيين لا أقل ولا أكثر وتحسين أوضاعهم الاجتماعية باتجاه ترجمة المطالب التي ماانفكوا يشددّون عليها في كل مناسبة. هناك نقابات، لكن لا نراها إلا في بيانات تصدر في جريدة معينة محتواها لا يخرج عن نطاق التكفل بانشغالات الصحافيين بخصوص المضايقات التي يتعرضون لها في الميدان. وهناك تنظيمات غير معروفة لدى الكثيرين، دون أن ننسى التي تمثل المراسلين عبر الولايات.كل هذه العناصر غير مهيكلة كلية، لا ندرى لماذا؟ هل لأسباب سياسية وقناعات معينة؟ وإن كان الأمر كذلك، فلا يحق لأحد أن يخلط بين هذا وذاك، أي بين المتطلبات المهنية وأفكاره الذاتية، حتى لا يقف حجر عثرة أمام أي مسعى في هذا الشأن يرمي إلى تنظيم الصف بعد عقود من التشرذم.هل هذا الفعل مقصود أم مجرد نزوات وأمزجة لدى الصحافيين؟ لا يهمهم ما يجري حولهم من تغييرات جذرية في قطاع الإعلام، لذلك يفضلون أن يتفرجوا على أوضاعهم والحالة التي وصلوا إليها جراء هذا التباعد.عندما تأسست الاتحادية الوطنية للصحافيين الجزائريين، التابعة للمركزية النقابية، استبشرنا خيرا بهذا المولود على أنه بداية لعهد جديد، عندما سعت لانخراط كل الصحافيين من القطاعين العام والخاص والمراسلين، غير أن عمرها كان قصيرا ما لبثت أن وقعت في أمور هامشية، ليتفرق الجمعُ ويعودون إلى قاعات التحرير في مؤسساتهم وتوقف كل شيء.كل هذه التحوّلات في الميدان لها علاقة مباشرة بأخلاقيات المهنة، لأن هناك لجان بداخل هذه الهياكل تهتم بهذا الجانب لا تستطيع أو لا يسمح لها بمفاوضة المؤسسات الأخرى في مسائل خاصة ذات الطابع المهني المذكور سالفا.ففي خضم وجود سلطة الضبط للسمعي - البصري، فإنه من الصعوبة بمكان إبداء المزيد من الآراء حيال محتوى تلك القنوات الفضائية المعتمدة أو غير ذلك. والنصوص الصادرة في هذا الشأن، تحيط إحاطة شاملة ودقيقة بهذا النشاط وكيفية تنظيمه، وحاليا فإن المقاربة المتبعة تتفادى ما يعرف ب “الصدمة”، أي تهديد هذه التلفزيونات بالغلق، وإنما التوجه الراهن هو السعي لتسوية وضعية هذه الأجهزة رويدا رويدا، وفق القانون الجزائري.السبق على حساب المهنيةفي الإعلام المكتوب الأمور تسير بشكل آخر أو مخالف عن القنوات الفضائية. وهذا يبدأ من خط الجريدة، الذي نلمسه في الافتتاحية التي تعبّر عن رأي صاحب الامتياز، وما نسجله في كل هذا ما يلي:- الرؤية الذاتية البحتة للحدث، وهذا بالعمل على الابتعاد عن المعلومة الموضوعية الفارضة لنفسها والتوجه نحو اختيار الزوايا السلبية فقط وهذا على حساب الهدف المتوخى الذي يرمي إلى تزويد الناس أو إعلامهم بالأخبار الصحيحة. وهذا ما يتناقض مع ما يعرف بالمهنية. ففي كثير من الأحيان، توضع الأخبار ذات الطابع الرسمي في خانة المتفرقات، في حين نجد أخرى منشورة على مساحة أوسع التي يرى فيها مسؤولو التحرير أن لها الأولوية في تبويب المادة، وهي لا تحتاج لكل ذلك الاهتمام من قبل هذه الصحف، فأين هنا ما يدعونه هؤلاء بالاحترافية؟والمطب الذي يقع فيه هؤلاء، هو أنهم يستهدفون الأشخاص في أخبارهم وتعليقاتهم وهذا خطأ فادح، من باب أنهم نسوا أن السياسات هي المعنية في المقام الأول بكل رأي يخصها، غير أن الواقع شي آخر... كل الانتقادات توجه للأشخاص، بدل البرامج، للأسف.ووقفنا في كثير من الأحيان على حالات استثنائية في الصحافة المكتوبة وهذا عندما تتبنى بعض العناوين طروحات ذات خلفيات سياسة، وهكذا تحوّلت إلى ممارسة المعارضة وهي ليست من مهامها، إنما ترجع للأحزاب. وظهر تأثير قوة المال بامتياز في تحريك الوضع، وصل إلى سقف الإساءة للآخر... هذا وغيره جرى في غياب هيكل خاص بأخلاقيات المهنة، الذي يبحث حاليا عن آليات لتأسيسه، ليكون الحكم الفاصل في كل القضايا المهنية المطروحة بحدة كما سيكون المرجع بالنسبة لكل من يرون أنفسهم أنهم كانوا محل كتابة معينة أو ما يعرف بالقذف أو الإهانة وغيرها من القراءات التي تلاحظ في هذه الحالات.


سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)