الجزائر - A la une

شجرة الزيتون لم تعد مباركة في الجزائر المنتجون يشتكون ومساحتها لا تتوقف عن التوسع




شجرة الزيتون لم تعد مباركة في الجزائر المنتجون يشتكون ومساحتها لا تتوقف عن التوسع
توفّر أشجار الزيتون القديمة والحديثة، المغروسة على مساحات شاسعة في الولايات الشمالية للبلاد، مناظر رائعة، بحكم كون هذه ”الشجرة المباركة” تحافظ على أوراقها الخضراء في كل الفصول. وتزيد الصفوف المتوازية لأشجار الزيتون مناظر الحقول والبراري روعة. ولا شك أن أعدادها التي تضاعفت في الجزائر، حيث وصلت إلى بشار ووادي سوف، تساهم في التغيير المناخي والطبيعي للمناطق المغروسة فيها. لكن في الجزائر، كما هو معتاد، لا يهتم القائمون على شؤون البلاد إلا بالأموال التي ينفقونها والأرقام التي يقدّمونها لرئيسهم ليرضى عنهم. وفي كل الحالات، فإن شجرة الزيتون أخذت تغير طبائع الناس في المناطق التي اختيرت لغرسها بكثافة. وصار المستثمرون فيها يتنافسون على الماء لسقيها، ويجرون وراء الناس ليجنوها لهم، موفرين مناصب شغل موسمية، لا يعرف عددها الطيب لوح وبعده بن مرادي، ولا تعتبرهم منظمة سيدي سعيد موجودين أصلا.لا يتوقف ملاك المعاصر ومصانع التصبير وأصحاب الأراضي المغروسة بأشجار الزيتون عن الشكاوى، ويهددون كل سنة مع اقتراب موسم الجني باقتلاع الأشجار وتغيير النشاط، متذرعين بارتفاع أجر اليد العاملة المختصة في الجني أو معالجة الزيتون قبل تصبيره.
لكن لا أحد استمع إلى العمال المختصين في الجني، الذين يعتبرون غير موجودين قانونا، لكن في آخر المطاف يلجأ الجميع إليهم ويدفعون لهم ما يطلبون، ويخرج الجميع رابحين في نهاية حملة الجني. وحتى العمال الذين تخصصوا ”كرها” في جني الزيتون يشتكون هم بدورهم من نقص اليد العاملة، وعلى خلاف من يشغلونهم موسميا، يعتبرون المستحقات التي يطالبون بها شرعية، وتتماشى مع مستوى المعيشة، وحجم الجهد الذي يبذلونه.
فقد التقت ”الخبر” بمجموعة من العاملين في جني الزيتون، في أحد الحقول في دائرة سيڤ، بولاية معسكر، وهم معلقون فوق السلالم الحديدية، منكبين على فصل حبات الزيتون من نوع ”سيقواز” التي تشتهر بها المنطقة. يعملون بكد، بعيدا عن أبنائهم وأهاليهم، الذين يهجرونهم طول المدة التي تستغرقها عملية الجني. ”نزور أبناءنا مرة في الأسبوع، للاطمئنان عليهم، ثم نعود إلى سيڤ للانتهاء من العمل في الوقت المحدد لنتنقل إلى حقل آخر”، كما يقول عبد القادر ”الطاشرون” الذي استقدم معه ثلاثين عاملا من منطقة تازڤايت في بلدية سيدي علي كاسان شرقي ولاية مستغانم.
في جني الزيتون يستقدم الشخص الذي اشترى الحقل العمال، ويجري التفاوض حول محصول الزيتون فترة طويلة قبل حلول موسم الجني، والفلاح الذي لم تجلب أشجاره الزبائن، لا يملك خيارا آخر غير انتظار نهاية فترة جني الزيتون الموجه للتصبير، ليفوز بمجموعة من العمال الذين يقبلون العمل عنده في نهاية فصل الخريف وبداية الشتاء. وحينها يضطر إلى توجيه زيتونه للعصر. وفي ذلك خسارة كبيرة، نظرا لكون سعر بيع الزيتون الموجه للتصبير أغلى من ذلك الموجه لاستخراج الزيت.
وعند الشروع في البحث عن عمال الجني، يكون صاحب مصنع التصبير قد اتفق مع مالك الأشجار حول السعر، واستقرت صيغة العقد مع عمال الجني على التسعيرة بالصندوق، حيث يشترطون مبلغا يتراوح بين 400 و500 دج للصندوق الذي يحمل 18 كيلوغراما من الزيتون.
وهذا إن كانت الشجرة قد أعطت مردودا كبيرا، حيث يمكن أن تعطي شجرة متقدمة في السن إلى غاية 8 صناديق، أي قرابة قنطار ونصف قنطار. ويرتفع السعر عندما يكون مردود الشجرة ضعيفا، حيث يشترط العمال سعر 700 دج للصندوق. ويبررون ذلك بالوقت الذي يستغرقه الجني: ”الشجرة المعطاءة تسهل علينا العمل، أما التي يكون مردودها ضعيفا فيستغرق جني حباتها وقتا طويلا”.
ويضمن صاحب مصنع التصبير للعمال الذين يستقدمهم المبيت والأكل والشرب والصناديق التي يجمع فيها الزيتون ووسائل نقله، ويضمنون هم من جهتهم السلالم والسواعد والأيدي، ويتم الاتفاق على أجل لنهاية العملية، وفي كل مرة يتفوق العمال على الوقت، لأن حقولا أخرى تنتظرهم.
ويقول هؤلاء القادمون من تازڤايت ”إننا نشتغل دون أي ضمان، لا اجتماعي ولا مهني. فنحن غير موجودين، لأن مهنتنا هذه غير موجودة قانونا، مثل بقية المهن الفلاحية. فمفروض علينا أن نحقق منها ما نحتاجه لإعالة أسرنا. فإذا سقط أحدنا من فوق شجرة وتكسرت أعضاؤه، لا يعالجه إلا ما ادخره من أموال”. ويضيف أحدهم ”نعرف أن الناس لا يحبوننا، لكنهم مجبرون على تشغلينا، لأنهم لا يملكون بديلا، ثم إننا نعرف أيضا أنه مهما دفعوا لنا، فإن ذلك لا ينقص من حجم الأرباح التي يحققونها”.
عمال الزيتون يشتغلون كما يريدون
لا تملك مصانع الزيتون، في مختلف ولايات غرب البلاد، عمالا دائمين، وتواجه بسبب ذلك مشاكل دائمة مع مفتشيات العمل وصندوق الضمان الاجتماعي، وغيرها من الهيئات التي سوق العمل.
يقول مالك أحد المصانع في مدينة المحمدية بولاية معسكر: ”إننا نعاني الأمرّين لتشغيل مصانعنا، لأن مفتشية العمل تختار فترات النشاط التي تعقب مرحلة الجني وترسل لنا مراقبين، ليفتشوا المصنع ويتأكدوا إن كان العمال الذين يشتغلون فيه مؤمنين اجتماعيا”. ولا يخفي المتحدث ذاته أن أصحاب مصانع التصبير ”صارت لهم أعين وآذان تترصد حركات هذا النوع من المفتشين، ومن داخل الهيئات التي يشتغلون فيها”. ولما تسأله لماذا؟ يردّ بمنطق بسيط ”إن مصنع الزيتون لا يحتاج إلى يد عاملة دائمة. ماذا أفعل بمستخدمين أدفع لهم رواتب كل شهر وأنفق لتأمينهم اجتماعيا، وهم لا يشتغلون إلا فترة لا تتجاوز 3 أشهر في أقصى الحالات. وهي فترة انتقاء الزيتون وغسله، ثم تحويله إلى الآلة إن كان موجها لنزع النواة، أو ملئه في براميل بالنسبة للمصبر”. ويضيف ”تعرف مفتشية العمل أننا نحتاج إلى عمال موسميين. وهو نوع من اليد العاملة غير المتوفرة في مدينتنا”.
ويقول صاحب مصنع آخر في بلدية سيدي حمادوش في ولاية سيدي بلعباس: ”إننا نضطر إلى اللجوء إلى اليد العاملة المؤقتة، وهم عمال من الشبان لا يشترطون التأمين الاجتماعي. الذي يهمهم هو الأجر اليومي الذي ندفعه لهم. هل تعرف أنت شخصا يطمح إلى قضاء كل حياته في مصنع للزيتون؟”.
ونظرا لهذا الوضع، تجد مصنعا واحدا يتداول عليه من 200 إلى 300 عامل في الموسم، وهم في غالبيتهم شباب أو مراهقون، يعملون في الانتقاء والغسل والتجميع في البراميل والنقل داخل المصنع. ويتقاضى هؤلاء العمال في غالب الحالات مبلغ ألف دينار في اليوم في مدينة سيڤ والمحمدية بولاية معسكر، حيث توجد النسبة الكبرى لمصانع الزيتون في غرب البلاد. وهم العمال الذين لا يقضون مدة طويلة في المصنع، حيث يشتغلون متوسط أسبوع، ليغادروه ويضطر صاحبه إلى البحث عن عمال آخرين لكي يواصل نشاطه، الذي لا يجب أن يتوقف.
الزيتون المستورد يغزو الأسواق
الفلاحون والمنتجون يتوقعون نفس مصير الكروم والعنب
تتوقع الهيئات الفلاحية في الجزائر أن يفوق إنتاج الزيتون بمختلف أنواعه هذا الموسم 12 مليون قنطار، وهو ما يعتبره المختصون قليلا مقارنة بالمساحات المزروعة بهذه الشجرة، والتي تقارب 320 ألف هكتار، والمنتظر أن تتوسع إلى 600 ألف هكتار في آفاق 2017، حسب تقديرات وزارة الفلاحة.
وتنتج الجزائر 70 في المائة من حجم الزيتون المستهلك في البلاد، أغلبه زيتون السلاطة المصبر بمختلف أنواعه، ولا أحد يعرف الحجم الحقيقي للزيت والزيتون المستورد من الخارج.
هذا الزيتون القادم من إسبانيا وإيطاليا واليونان وتونس والمغرب، وحتى مصر التي لا تعتبر بلدا منتجا للزيتون، أصبح يثير قلق المنتجين الجزائريين، نظرا لمزاحمته الحقيقية للمنتوج المحلي في أسواق التجزئة. ويطالب المنتجون ب«حماية الإنتاج الوطني” كما تفعل كل الدول، خاصة أن الأمر يتعلق بصحة المستهلك، كما يقولون. ولا يعرف أحد حجم الزيتون المتورد من الخارج، ومدى مطابقته للمقاييس الصحية. وبالرغم من أن الزيتون المستورد، مهما كان البلد الذي جاء منه، يباع في سوق التجزئة بأسعار أغلى، حيث يبلغ سعر الكيلوغرام الواحد من الزيتون منزوع النواة حدود 450 دج، في حين يعرض التجار الزيتون الجزائري بسعر 350 دج للكيلوغرام. أما الزيتون الموجه للسلطة بمختلف ألوانه، فإن أسعاره مستقرة بين 400 و450 دج للكيلوغرام. ولقد تخصص بعض الذين يسهل عليهم الاستفادة من القروض البنكية في استيراد الزيتون، وهو ما يثير غضب ومخاوف المنتجين المحليين، الذين يقولون إن هذا الوضع يساهم في كساد منتوجهم، وهو ما قد يؤثر على كل المجهود الوطني الرامي إلى ترقية الجزائر من المرتبة الخامسة عالميا في إنتاج الزيتون بعد إسبانيا وإيطاليا واليونان وتونس.
ومع كل ذلك يحقق منتجو الزيتون في الجزائر أرباحا تظهر على نمط حياتهم، مع أنهم لا يتوقفون عن الشكاوى، حيث يقدّر سعر شراء ومعالجة كيلوغرام واحد من زيتون التصبير 100 إلى 110 دج. 50 دج تكلفة شراء الكيلوغرام من حب الزيتون و30 دج لليد العاملة، ثم تضاف إليه تكاليف المعالجة من فرز وغسل وتحضير للتصبير، التي تقدر بين 20 و30 دج للكيلوغرام، ويتم تسويقه بأسعار متفاوتة بالجملة لا تتجاوز 180 إلى 200 دج للكيلوغرام، ليتم تسويقه بالتجزئة للمستهلكين بين 400 و450 دج للكيلوغرام. ومع ذلك يقول العاملون فيه إنه ”ليس فيه بركة”.

مصانع الزيتون تحبّ الأسوار العالية
يشتهر ملاك مصانع الزيت والزيتون في ولايات غرب البلاد بكثرة شكاويهم، فهم يشتكون من كل شيء.. من الدولة بمختلف مكوناتها، ضرائب، مفتشية العمل، الإدارة المحلية، العمال، الزبائن وحتى مستهلكي منتوجهم، وكل ما له علاقة بمهنتهم. لكن عندما تطلب من أحدهم أن يفتح لك أبواب مصنعه ليوضح الصعوبات التي يمارس فيها مهنته كما يقول، يبدأ في ابتداع الأعذار والمبررات ليبقى يمارس نشاطه بعيدا عن أية أعين، كأنه يحضّر ”الكيمياوي” الذي يفتش عنه المراقبون الأمميون في سوريا.
لكن يستطيع أي كان أن يدخل مصنع زيتون في أي بقعة يوجد فيها، بالادّعاء أنه زبون يريد شراء لتر من الزيت أو دلو من الزيتون المصبر. ويكتشف دون عناء الظروف التي يحضّر فيها أصحاب هذه المصانع ”أكل الجزائريين”.
في مدينة سيڤ تقع الأغلبية الساحقة لمصانع التصبير، في مدينة سيڤ ”عاصمة الزيتون” في حي ويس، في أعلى المدينة من الجهة الجنوبية. وهي تجزئة سكنية جديدة، متكونة من مساكن فردية ضخمة، تتوزع في وسطها وأطرافها مصانع الزيتون، التي تتميز بعلو أسوارها وأبوابها الحديدة السوداء في غالب الحالات. ويتساءل الزائر لهذا الحي لماذا يختفي مصبرو الزيتون وراء هذه الأسوار العالية؟ وتعد دائرة سيڤ، بولاية معسكر، 160 مصنع للزيتون حسب الرقم الرسمي، وعدد قريب من هذا في دائرة المحمدية. لكن هذا النشاط تمارسه الكثير من العائلات، دون أن تملك سجلات تجارية. وهذا ليس في ولاية معسكر وحدها.
في هذا الحي يعيش السكان مع راحة الزيتون طول العام، وعلى مشهد الشاحنات التي تتوقف على التردد على المصانع المستقرة فيه، قادمة من كل الولايات، حتى من بشار وتبسة. وهذا نظرا لشهرة منتوجات هذه المنطقة، من مختلف المصبرات، التي لم تعد تقتصر على الزيتون فقط، حيث تعالج هذه المصانع الفلفل الحار، خلطة الخضر المصبرة من خيار، بطل، كرنب أبيض، جزر، لفت وغيرها، بالإضافة إلى الزيتون الأخضر والأسود والبنفسجي. وكذا الزيتون منزوع النواة من أحجام مختلفة.
وكلها منتوجات لا يريد ملاك المصانع التي تسوقها في كل أنحاء الوطن أن يعرف الناس كيف يعالجونها، وفي أية ظروف يخزنونها، ومن هم العمال الذين يسهرون عليها، وغيرها من المسائل التي ”يكرهونها كما يكره الكافر الموت”.


سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)