الجزائر - A la une

سياسة ثقافية في اتجاه واحد..




سياسة ثقافية في اتجاه واحد..
يحسب لوزيرة الثقافة خليدة تومي، منذ تقلدها المنصب على رأس القطاع، إجتهادها على استقطاع ميزانية معتبرة وإعادة إرساء نظام إنتاج التظاهرات والمشاريع الثقافية الضخمة، لكن تبقى نقطة الجدال في سياستها، في مدى استقبال المتلقي المستهدف وتجاوبه مع الفعل الثقافي طيلة الخمسة عشر سنة التي مضت.إنطلقت خليدة تومي، من نقطة عشوائية في وقت وجدت فيه الصرح الثقافي فارغا من دون منتج أو متلقي، إستنبطت من تحليل أولي ضرورة ضخ الأموال لصالح الفعل الثقافي وإعادة اعتباره بهدف إيصاله إلى المواطن.هكذا بدت الفكرة الأولى عند الوزيرة بمجرد تعيينها على رأس قطاع الثقافة، من خلال شعبوية الفعل الثقافي، وراهنت على التظاهرات الكبرى لصنع"واجهة ثقافية" الغرض منها إستقطاب الجمهور العريض ودعم صورة لحراك ثقافي قائم بحد ذاته من عاصمة الثقافة العربية، المهرجان الإفريقي، عاصمة الثقافة الإسلامية، ومختلف المهرجانات التي تم ترسيمها إلى حد اليوم، قامت الوزارة بتأطيرها ودعمها ماديا وقانونيا تحت شعار إعادة تصالح المواطن مع المنتج الثقافي.التحدي بالنسبة لخليدة تومي، كما كانت تروج له عبر كامل تصريحاتها للإعلام، هي خوض حرب إدارية وقانونية لإرساء ميزانية مهمة من قانون المالية، لصالح الثقافة والفاعلين فيها، على مستوى أول، و كذا تحيقيق أكبر حجم ممكن من الإنتاجية باستعمال ماكنة تنفيذية على أوسع نطاق تكون لها فاعليتها وصدى على أرض الواقع، وتم تجنيد إمكانيات بشرية ومادية لتحقيق أهدافها.ورغم كل الإنتقادات التي وجهت إليها من طرف خصومها وكذا المنتقدين لسياستها، الذين اعتبروا أن تصورها يقترب إلى "فلكرة" الثقافة أكثر منه إلى إشعاعها وإيصالها إلى المواطن، واصلت الوزيرة رهانها وحددت دائرة نشاطها بتشكيل هيكل تنفيذي مكون من فريق من الأشخاص المؤيدين لتصورها، قليل منهم من غادر أو تم إزاحته منذ تقلدها منصب الوزارة.هذا الفريق سيعمل خلال عشرات السنين بنفس المنطق على مستوى دائرة القرار، أي في الإشراف على المشاريع الضخمة للتظاهرات الثقافية، دعم ومتابعة الإنتاج (عبر صندوق دعم الإبداع والوكالة الجزائرية للإشعاع الثقافي) والتفكير في مشاريع القوانين التي سيتم طرحها للموافقة (قانون السينما، قانون الكتاب، الحماية الإجتماعية للفنانين).وأمام حصيلة تحصي عددا معتبرا من الإنجازات التي شملت مناطق عديدة، تم تحقيقها طيلة عهدات خليدة تومي، تبقى علامة الإستفهام الوحيدة التي تطرح نفسها وتكاد تقلب معادلة هذا الكم الكبير من الإنجاز هي غياب المتلقي، المستهدف الأول من هذه السياسة يبدو غير معني بكل هذا التغير "الجذري" في قطاع الثقافة، بل وكأن خليدة تومي خاضت ثورة كيشوتية ضد الطاحونات الهوائية.المواطن الجزائري بعد خمسة عشر سنة من التسييس للمهرجانات الثقافية، لا يتردد خارج هذا النطاق المناسباتي على المسارح، حيث تقدم الفرق المسرحية عبر الدورات التي تقوم بها أمام قاعات فارغة وقاعات السينما، لازالت تنتظر جمهورا "سينيفيليا" بامتياز، فيما يبقى الفن التشكيلي يبحث عن جمهور يتذوقه عن حق معرفة.هذا هو الرهان الذي غفلت عنه إدراة خليدة تومي، التي كانت الحائل الأكبر بين السياسة التي كانت تصبو إليها وطريقة إيصال الفعل الثقافي للمواطن كمجهود فكري يتجاوب معه في فرجة ويترقي به، على غرار علاقة التبعية التي فرضتها حسب العديد من الملاحظين لم ترافق هذه الإنجازات المهمة في سلك الثقافة والإبداع تسويقا إعلاميا مناسبا بالدرجة الأولى، حيث لم يكن الإعلام شريكا فعليا في تأييد السياسة الثقافية التي اعتبرها معظم المتابعين والملاحظين تصورا في اتجاه واحد لا يشرك المتلقي ولا يستجيب لاحتياجاته، ينم عن فرض رؤية أحادية للفعل الثقافي تجلى في شكل فادح في احتفال الخمسينية الذي كرس منطق السلطة والتمجيد واستغلال فئة الشباب التي كانت مهمشة قبل ذلك، في بروباغندا "التجديد وإعطاء المشعل للأجيال الجديدة"، وبالتالي إستثمار الفعل الثقافي لصالح خطاب سياسي غرضه إحتواء غضب المبدعين الشباب، الذين تم إقصاؤهم لسنوات من الدعم، بسبب احتكار الوزراة للفعل الثقافي أمام انطفاء المبادرات الخاصة وغياب الشركاء والممولين الخواص في دعم الإنتاج الثقافي.كذلك قليلة هي المؤسسات الثقافية الوطنية، التي تتابع تكوين أطرها لا سيما في مجال الماركيتيغ الثقافي والتسيير، وهو من أسباب افتقار بعض التظاهرات الثقافية لتصور واضح في تنظيمها وكيفية استقطاب الجمهور إليها بشكل واعي. قضية الكفاءة تمس كذلك العديد من الفاعلين المستبعدين من المساهمة في دعم تصور شامل لسياسة ثقافية تعترف بالتنوع الثقافي، والمعاب على تشكيلة خليدة تومي تلك الإدراة المركزية التي تقتصر على نفس الأشخاص في الإشراف على المشاريع الثقافية التي تقوم بترسيمها ورعايتها دون الأخذ في عين الإعتبار بالكفاءات المحلية المتواجدة عبر مناطق مختلفة واستبعاد الجمعيات والمجتمع المدني على العموم كشريك، لفرض تصور للتنوع الثقافي بل نتج عنه افتقار وعدم وعي المواطن لهذا التنوع في حد ذاته (و لعل أحداث غرداية التي تعرف صراعا بين العرب والمزاب اليوم هي أخطر نتيجة نظرا للإفتقار لهذا التصور).لذلك يبقى خلف هذه الإنجازات ورشة ضخمة، أهمها العمل على تكريس الحريات ومراعاة حرية الفكر والإبداع والوعي بالتنوع الثقافي وكذا تنظيم قوانين لصالح المبدعين والفنانين المهضومة حقوقهم، حيث تبقى الحماية الإجتماعية التي لازالت قضية عالقة، تستغل للبروباغندا على عكس الإعتقاد السائد لدى طائفة من الفنانين والمحترفين في مجال الثقافة، بأن الوزارة توصلت إلى حلول للحصول على الحماية الإجتماعية للفنانين (بل هي في قيد التحضير لها ولا يمكن ذلك بتجاهل قانون كامل يحمي الفنانين).




سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)