الجزائر - A la une

سليمان فقيه.. في ذمة الله


سليمان فقيه.. في ذمة الله
فقدت السعودية شخصية استثنائية من وجهاء مجتمعها، وذلك بالرحيل الحزين للدكتور سليمان فقيه. رحل رجل أثرى مجتمع الأعمال عموما، والمجتمع الطبي تحديدا، بالكثير من الإنجازات والمبادرات التي ستحسب له وتسجل له في ذاكرة ووجدان محبيه.سليمان فقيه سليل أسرة مكية كريمة، عرفت النجاح بمختلف أشكاله. اختار هو مجالا إنسانيا مميزا وهو الطب البشري، وكان من أوائل الخريجين في مجال التخصص الباطني وفتح عيادة مميزة في مكة المكرمة كانت تخدم عددا غير بسيط من سكان المنطقة، ثم كان حلمه الكبير باستحداث مستشفى عام متكامل سابق لعصره ويحمل اسمه ليتحول مع مرور الوقت إلى صرح طبي مميز جدا وأحد أهم الإنجازات الصحية في العالم العربي ومنطقة الشرق الأوسط عموما. والمستشفى كان مرآة دقيقة وانعكاسا حقيقيا لشخصية الراحل الكبير؛ فهو الذي عرف بالمتابعة والحزم والجدية والدقة والاهتمام المطلق بالتفاصيل، وكان مشهورا بممارسة إدارية قوية ومثابرة على العمل الدؤوب تدهش وتثير كل من عرفه.كبر المستشفى مع مرور الوقت، وكان مقصدا مهما لعلاج كل الحالات العادية والمعقدة، وتوسع ليشمل معظم الأمراض، منها القلب والأورام والعظام والولادة والأطفال، وكوّن سمعة فريدة ومميزة مكنته من استقطاب كوادر طبية عالمية مميزة من الغرب والشرق ليصبح المستشفى مع مرور الوقت رافدا للمهنية والخبرة التي يعتد بها في الدول والمراكز الطبية الأخرى والمثيلة حول العالم.كان الدكتور سليمان فقيه صاحب شخصية مركبة وفريدة. كان شغوفا بعمله وبتطوير أدائه المهني، مغرما بالتفاصيل، صارما جدا وبلا هوادة في نهجه الإداري، ولكنه في نفس الوقت كان رجلا مرهف الحس وطيب القلب وإن كان لا يحب أن يظهر ذلك الجانب بسهولة أمام الآخرين. كان رجلا في غاية التنظيم في حياته؛ لعمله وقت، ولأسرته وقت، ولرياضته وقت، عشق رياضة المشي، ويتذكر أصدقاؤه ومحبوه من سكان مدينة جدة مشهد مشيته الرياضية الواثقة في سويعات المغرب بالقرب من منزله على شارع التحلية وهو يرد عليهم التحية، وقد شاركته في أحد الأيام هذه التجربة وكانت ممتعة وظلت عالقة في ذاكرتي.كان رجلا أنيس المعشر، دمث الخلق، واثق الكلمة وفي حال سلام مع النفس، لديه عزة نفس وكرامة عظيمة، لا يقبل الاستهانة بها. أياديه البيضاء معروفة، وكان صاحب مواقف كريمة مع عدد غير قليل من الناس الذين احتاجوا إلى المواقف الإنسانية والمساعدة في حالات العلاج المختلفة التي تمر عليهم. كان ابنا بارا وأبا استثنائيا وزوجا محبا، ويجزم كل من عرفه عن قرب أنه بعد وفاة زوجته وشريكة عمره ورفيقة دربه بعد صراع طويل مع المرض لم يعد الراحل كما كان، أصيب بحالة شديدة من الحزن العميق، وكان مكتئبا وشاردا حتى تكالبت عليه العلل والأمراض وغاب عن أعين الناس لسنوات طويلة حتى انتقل إلى رحمة الله.يرحل الرجل عن دنيانا وهو يترك سيرة ذاتية مكتوبة بأحرف من ذهب لتميزها المهني والاجتماعي والإنساني ومخلفا من ورائه صرحا طبيا يضاهي أهم المراكز الصحية العالمية، سواء الحكومية منها أو الأهلية. ورحل عن دنيانا وهو يترك هذا الصرح في أيدٍ أمينة متمثلة في إدارة ابنه الأكبر الدكتور مازن فقيه، الذي كانت له البصمات واللمسات الواضحة في المساهمة في تطوير أداء المستشفى والتعاون مع صروح عالمية مميزة لعل أبرزها التعاون مع أهم مراكز علاج الكبد في اليابان بشكل حصري وفريد.سيخلد التاريخ اسم الراحل في سجل الإنجازات الفريدة والمميزة في العالم العربي وسيحفظ اسمه واحدا من الرواد الذين قطعوا شوطا مميزا في الدخول في مجال مهم ومعقد، ولكنه بالعمل الدؤوب والمتابعة الدقيقة تمكن من تحقيق إنجاز تفتخر به أسرته الخاصة وكل أبناء بلاده بلا استثناء.كان المستشفى محطة رئيسة لجميع زوار القطاع الطبي للسعودية ومثار فخر واعتزاز، ويكفي المستشفى فخرا أنه في زيارة رئيس الوزراء الياباني الحالي للسعودية اعتمد مستشفى سليمان فقيه مركزا طبيا وحيدا له في حال حصول طارئ صحي له أو للوفد المرافق.رحم الله الدكتور سليمان فقيه رحمة واسعة وأسكنه فسيح جناته وألهم أهله وذويه الصبر والسلوان.


سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)