الجزائر

رمضان حزين في غزة




رمضان حزين في غزة
دوى صراخ الطفل محمد أبو مشهراوي وسط ميدان فلسطين معترضا على رفض أمه شراء فانوس رمضان كباقي أطفال القطاع بل كباقي أطفال العالم، والأم صارخة في وجه ابنها “نفسنا نعيش رمضان كحال المسلمين بلا حصار وبلا فقر”.“الخبر” تجولت في القطاع وفي أسواقه وبين البيوت المدمرة بفعل الحرب وتلمست معاناة سكانه وكيفية استقبالهم شهر رمضان بحرقة وألم وفراق، رافعين يد الضراعة إلى الله عز وجل بتفريج حالهم، عسى أن يسكب رمضان الأنوار فجرا على حصارهم.في أحد أسواق القطاع في سوق الزاوية بغزة، تمر في السوق فترى الناس تنقل أعينهم من فاكهة إلى أخرى ومن تفاح إلى إجاص إلى خضروات وما تشتهيه أنفسهم لتسد رمق جوع بطنهم، لكنهم لا يستطيعون شراءها فتمتلئ قلوبهم حسرة لقصر ذات اليد.وبحلول رمضان تجددت آلام وجراح الغزاويين الذين ذاقوا ويلات الحروب، وأخرها الحرب الأخيرة، فكل منهم له عذاباته المختلفة، إلا أن أصحاب البيوت المدمرة تجرعوا ألم التشريد أكثر من غيرهم واستقبلوا الشهر الفضيل بمزيد من الترحيل على أنقاض منازلهم أو في الخيام.كانت تجلس حاجة فلسطينية على باب خيمتها في أحد مخيمات شمال قطاع غزة، وتحدثت بعبرات مختنقة عن استعداداتها لاستقبال أول يوم من أيام شهر رمضان، بينما كانت تنتظر من يأتي بشيء يسد رمق أحفادها العشرة حينما يحين موعد الإفطار.تقول الحاجة أم الوليد بصوت متحشرج: “لقد استشهد والدهم وأخوهم البكر وأمهم أثناء القصف في الحرب على غزة، لأصبح المعيل الوحيد لهم”. الدموع تنهمر من عين الحاجة “كم أتألم عندما أجد أحفادي يطالبونني بشراء متطلبات شهر رمضان كما كان يفعل والدهم كل عام”.أمانة من الجزائرتأثرت بحال العجوز، كلمتني عيونها فكلمها لساني “كم تألمت من وضعكم، لكن فرحت للقائكم، نعم فرحت، لأن لكم أمانة معي محمولة على رقبتي وهاهي”، يا الله فرحتها لم تسعها الدنيا كلها.الأمانة التي سلمتها للحاجة أم الوليد قصتها أن أحد المحسنين من الجزائر اتصل بي، لا أعرفه ولا يعرفني سوى أنه قال لي: أنت مراسل جريدة “الخبر”. فقلت له: نعم. فابتسم وتمنى أن يقبل تراب فلسطين، دعوت له بذلك، لأواصل: هل تأمرني بخدمة؟ قال: نعم.. تخدمني، أود أن أرسل لك مبلغا من المال، وبحكم أنك صحفي وتعرف البيوت المستورة، سلمه لمن تعرف أن وضعهم صعب.. أنا أعرف أن القطاع كله يعاني لكن اصرف هذا المبلغ لعائلة لا تستطيع توفير قوتها. رحبت بذلك وبالفعل أرسل لي المبلغ.وأحمد الله أني أديت الأمانة إلى هذه العائلة التي حالها يغني كثيرا عن السؤال وعن الوصف، قالت الحاجة بلغتها: “روحوا يا أهل الجزائر الله يوسع عليكم نعيمه في الدنيا والآخرة”.وعادت معاناة الغزاويين مع الكهرباء إلى ما كانت عليه منذ بدء انقطاع التيار الكهربائي، حيث أثر ذلك على مناحي حياتهم اليومية لكن المعضلة الأصعب بالنسبة للمواطنين قلقهم من تكرار قطع الكهرباء، خاصة عند تناولهم وجبتي الإفطار والسحور، ما يشكل سحابة قلق لدى شريحة كبيرة منهم.أبو إبراهيم يشكو “يتزامن قطع الكهرباء مع موعد الإفطار، فلا نشعر ببهجة تناول الإفطار دون كهرباء”، ثم يبتسم بمرارة ليضيف: “هذا من اليوم الأول الله يجعلوا علينا استفتاح خير!”.ولا يختلف الحال كثيرا مع أم محمد، والدة أسير حكمت عليه إسرائيل بالمؤبد، وحالها كحال الكثيرين من ذوي الأسرى الفلسطينيين من حيث استقبالها وعائلتها المكلومة شهر رمضان في ظل غياب ابنها الأسير في سجون الاحتلال منذ 40 عاما وتدمير قوات الاحتلال منزلها في الحرب الأخيرة على القطاع.تسترجع والدة الأسير ذكرياتها مع فلذة كبدها، وعلامات الحزن والاشتياق جلية على وجهها قائلة: “أيام رمضان تمر علينا حزينة قاسية، كنا نتجمع على مائدة الإفطار قبل أذان المغرب في أجواء رمضانية ممتعة، واليوم يا ابني ما يحرم أمك منك”. يا لله كم يا أمي قطعت كلماتك هذه شرايين قلبي.أجواء الحزن خيمت على عدد كبير من العائلات الفلسطينية في قطاع غزة جراء فقدانهم أقرباء وأصدقاء وأحبة، غيبتهم إسرائيل في سجونها أو بصواريخها، ناهيك عن استقبالهم رمضان للعام الثامن على التوالي في ظل ظروف إنسانية واقتصادية صعبة نتيجة استمرار الحصار على القطاع.


سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)