الجزائر - A la une

رجال يوزعون ميراثهم على بناتهم قبل وفاتهم


يموت الأب ويترك بناته وحيدات بلا سند... تبدأ إجراءات الميراث والفريضة، فتظهر فجأة عصبة أبعد ما تكون عن الراحل، فلا مودة ولا صلة ولا تزاور، ولكن عند حضور المال يغيب العقل، وتزول المشاعر.. وإن تعلق الأمر بقوارير مقهورة من الحزن... الشروق العربي تبحث في موضوع مشاركة العائلة في ميراث أبي البنات، وتروي قصصا، وتستقي شهادات من صلب "الفريضة".كثيرة هي القصص لرجال لم يهبهم الله إلا البنات، فيهبون ثرواتهم كلها لبناتهم، قبل أن تتوفاهم المنية، خوفا من أن يشاركهم الأعمام والعمات وأبناؤهم في الميراث، إما جهلا أو عمدا.. هذه الظاهرة زادت من حدة المشاكل العائلية حول الميراث الكبير، أي ميراث الجد، فيحمل البعض حقدا دفينا لإخوتهم، ويتعمدون هِبة جميع ما يملكون لبناتهم، متناسين أنهم بذلك يحرّمون ما أحله الله.
بعد وفاة والدها، تروي فريدة معاناتها مع عائلتها، خاصة أنها البنت الوحيدة لوالدها المتوفى، ودخلت في صراع مع أعمامها، لأنهم رفضوا التنازل لها عن بيت والدها، وحتى السيارة التي تركها. والأدهى، أنهم لم يكونوا يزورونه بالمرة، لبعض المناوشات بينهم بسبب الزوجات... ودفعت فريدة ثمن هذا الصراع غاليا، خاصة أنها لا تملك مكانا آخر تأوي إليه، مع أمها.. وبدل التنازل عنه، طالبوها بحقوقهم، أو البيع في المزاد العلني، كي ينال كل نصيبه، خاصة أنها لا تملك المال لشراء نصيبهم، رغم قلته... ودقوا في بيتها مسمار جحا.
في حادثة مخالفة تماما، رفض أحد المقاولين الأغنياء أن يترك شيئا لعائلته، فوهب عقاراته كلها لبناته الثلاث، ولم يترك سوى سيارته، التي لم يسعفه الموت أن يحول أوراقها... والدليل، منازعات قضائية على سيارة فارهة بنصف مليار سنتيم، وإن خالف الراحل الشرع والدين، إلا أن بناته تنفسن الصعداء، لأن والدهم لم يترك لهؤلاء الجوارح القناصة شيئا يضعونه تحت أضراسهم.
حالات مشابهة عديدة تمر على أسماعنا، أو في المحاكم، عن أعمام أكلوا حقوق اليتيمات، بدافع الانتقام أو الشره، والكثير يرفضون تسوية الأوراق والفريضات إلا بعد مساومات وضيعة.
بينما لا تخلو هذه الدنيا من الخير، الذي نستقيه من قصص رجال تنازلوا عن نصيبهم من ميراث أخيهم المتوفى، لصالح بناته، كي يوفروا لهن رغد العيش، منهم عمي إسماعيل، الذي ترك له أخوه حصة جيدة من ميراثه بعد التقسيم، فتنازل عنها لبنات أخيه، ملمحا إلى أنه يحفظ هكذا ذكرى أخيه المتوفى... وهناك من تنازل دون أن يعرف كم ترك أخوه من مال أو أطيان... في حين إن هناك بعض القصص يشوبها شيء من العدالة الإلهية، كقصة رجل استولى على ميراث والده، وحرم أخوته منه، وبعد سنوات، رجع هذا الميراث إليهم على شكل نصيب من تركته هو، بعد أن توفي بأزمة قلبية حادة، قبل أن يسوي أمور نقل الملكية والهبة.
‫في سياق متصل، يقوم الكثير من الآباء بتوزيع تركتهم على بناتهم، إن توجسوا خيفة من أولادهم الذكور، وكي لا يطغى الذكر ويأخذ حظه وحظ الأنثيين، يهب الأب شيئا لبناته، قطعة أرض أو شقة أو سيارة أو مبلغا من المال، كل حسب ما أنعم الله عليه.
جدل وجدال
عن هذا الموضوع، سألنا عيّنة مختلفة من الناس، فكانت ردودهم متفاوتة.. فأمين، يرى بأنه من غير الجائز أن يخالف الناس الدين من أجل عدم ترك ميراث لعائلتهم. أما أروى، فرأيها وسط: "من الضروري تأمين حياة البنات قبل وفاة الأب، حتى لا يحتجن أي شيء، وإن بقي شيء من الميراث فلا مناص من تقسيمه حسب الشرع وقانون المواريث"... هدى، تخالفها، وهي البنت الوسطى من بين خمس بنات: "لا يحق لأحد أن يأخذ تعب والدي، وما ادخره لنا، ولست أعارض الدين، لكن، هل يعقل أن يرث أبي ابن عمي- رحمه الله- وهو ولد طائش يعاقر الخمر .."
السيدة خديجة، وهي مرشدة دينية، تؤكد لنا من خلال صفحتها على فايسبوك، أن الإسلام أعطى حصة الأسد للبنات عند وفاة والدهم، ولم يبخسهم حقهن أبدا، والكل يعرف أن البنت إن كانت وحيدة ورثت نصف أملاك والدها، وإن كن عصبة من البنات يرثن الثلثين والباقي يوزع على العائلة، فقد يكون هناك من يحتاج هذا الميراث لفقر أو لحاجة ما".. وتضيف: "أطلب الهداية لكل من يتحايل على الشرع كي لا يتعدى حدود الله".
سر وحكمة
ولكن، ما سر توريث العصبة من الأمهات والآباء والأعمام والعمات وأبنائهم؟ يقول الشيخ سعيد رحلي، إمام مسجد الرويبة: "سر توريث العصبة يرجع إلى فلسفة الإسلام في نظام الأسرة. فهي ليست الأسرة الضيقة المحصورة في الزوجين وأولادهما، كما هو معروف عند الغربيين وغيرهم، بل هي الأسرة الممتدة، أو الموسعة، التي يدخل فيها الأقارب والأرحام... والدليل، قوله تعالى: ((كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيرًا الوصية للوالدين والأقربين بالمعروف حقا على المتقين))، (البقرة: 180).


سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)