الجزائر - A la une

ذروة الحداثة نهاية عصر المادية



ذروة الحداثة نهاية عصر المادية
بقلم زهير دحمور*طالما اقترن مفهوم الحداثة بإعادة الإنسان إلى المنظومة المادية ليلتحم بقوانين الطبيعة والتي تعني في حقيقة أمرها جعل الإنسان جزءا لا يتجزأ من الهيكل العام المشكل للطبيعة المادية وهي التي بدورها تقولب نمط التفكير الإنساني الحداثي بناء على استثناء كل ما هو أخلاقي بالدرجة الأولى والتالي -يمكن وبناء على هذه المعادلة- كشف حقيقة هذا المصطلح البريء.ليس من السهل تفسير العلاقة المعقدة التي تربط بين الحداثة كمصطلح مفهومي وبين التحديث كمصطلح إجرائي إذا ربطناهما بطموح الإنسان الغربي إلى إيجاد مكان ضمن المادية التي كرست العقل دون أن تنظر في مفهوم التعقل مع أنه كان من المفروض النظر إلى العقل كعنصر استُهلك تماما في عصر النهضة الأوروبية كما استهلك في الثقافية الإسلامية.إلى حد ما يمكن إرجاع هذا العقل اللاعقلاني في أصله إلى محاولة المفكر الغربي في إيجاد تركيبة خاصة يستطيع من خلالها أن يرى نفسه فيها أو بالأحرى هو محاولة صنع منهج خاص يمثل خاصية مميزة للإنسان الغربي وهو الأمر الذي يشكل إلى حد ما هروبا صريحا من كابوس أوروبا العصور الوسطى دون أدنى اعتبار للكارثة التي قد تودي بحياة شعوب كاملة نتيجة فرط سرعة العقل اللاعقلاني الذي اتجه نحو التجريب دون أدنى مراعاة للقيمة كما اتجه نحو التعميم والقياس المطلق ودون أدنى تفكير في كون الطبيعة نفسها قد تعاني من اضطرابات فهي على الأرجح كالنفس الإنسانية لا تعرف استقرارا دائما فما هو محمود اليوم ليس بالضرورة الحتمية أن يكون محمودا غدا ولهذا فمحاولة المفكر الغربي الالتحام بقوانين الطبيعة هو في حد ذاته مغامرة على مستويين: مستوى معرفي يؤخر الإنسان ويعيده إلى صورته الحيوانية وهذا ما لمسناه في تفكيره حول مسألة الأخلاق وكيف فصل بين العلم والقيمة ومستوى تاريخي حضاري حيث أن الإرث الذي سيكون في يد من هم سيَلُونَ عصر المادية سيكون على أقل تقدير إرثا شيطانيا ملعونا.إن سيران الحياة الإنسانية يفرض بالضرورة كبحا للقدرات العقلية تفرضه نهاية التاريخ لكن لو تمعنا في حقيقة الأمر فسنرى أن ما اعتبرناه نهاية التاريخ هو مجرد انتقال إلى مرحلة أخرى لها نمطها الخاص وشكلها المميز فإنسان المرحلة القادمة لا يخضع لقوانين الاستمرارية أو التطور الفكري المبني على هذه المرحلة بالضرورة لأن العقل البشري قادر بلا شك على خلق أنساق مختلفة بناء على حاجياته التي يرى كونها ضرورية كما هو الشأن الذي جعلنا في مرحلتنا هذه نخلق ما نراه ضروريا لنا وما هو حولنا من مادة تحيط بنا خير دليل على ذلك.في مرحلة ستأتي بلا شك ستحاول الإنسانية التكفير عن كل ما دمرته وما سوف تدمره هذه القرون كما ستكون هذه المرحلة درسا يستعيده إنسان المستقبل كلما شعر بشيء من الحنين إلى ما هو مادي وإن فوبيا الحداثة اللاإنسانية ستبقى كابوسا يطارده إلى قرون ليست بالقصيرة ملجؤه الوحيد فيها البحث عن المقدس ليستشعر ببعض النفحات الروحانية.
سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)