الجزائر - Enseignement Supérieur (universitaire)

دراسة اللغة بين الشرق والغرب على ضوء أصول النحو ومضامين اللسانيات


في دراستنا لبعض أصول النحو تراءت لنا فروق صارخة في دراسة اللغة بين الشرق والغرب وذلك من خلال دراستنا لمضامين أصول النحو ومضامين اللسانيات والتي نحاول إبرازها من خلال مقالنا هذا. لقد اعتمد العرب القدماء على أربعة أسس وهي السماع والقياس والإجماع واستصحاب الحال في معالجة قضايا النحو والتصريف ولقد سيطرت تلك الأسس على تفكيرهم اللغوي وتعد هذه الأسس الإطار الذي يشكل البحث المنهجي في علم أصول النحو عند القدماء، ونجد النحويين قد تأثروا بأصول الفقه فاستعاروا أبوابًا منها وتطبيقها في مجال الدرس النحوي واتباع طرق الفقهاء في ترتيب المسائل النحوية وغيرها من الأمور، وبالتالي فأصول النحو تأثرت بمضامين أصول الفقه فقد حافظ النحويون على أصول النحو والجو الذي نشأ فيه وتمسكوا به ودرسوا مراحله.







وبدون هذه الأمور يكون كمثل النحو الآخر الغربي الذي يدرس اللغة دراسة مغلقة معتمدًا على الوصف، تلك الدراسة العلمية التي تدعى باللسانيات والتي أسسها وكان من روادها الأوائل 'دي سوسير' الذي وضع الأسس الأولى لظهور هذا العلم والتي تمثلت في ثنائياته المتمثلة في اللغة والكلام واللسان، وثنائية المنطوق والمكتوب، والآنية والزمانية إلى آخر هذه الثنائيات التي كانت منطلقًا لظهور المدارس اللسانية. إن 'سوسير' يرى أن التغير الذي يحدث في الكلمة أو اللغة لا يعد لحنًا بل هي نظام صوتي تتغير دوالها، وبالتالي فالغرب يرون أن اللحن هو ميلاد لغة جديدة وهو عبارة عن تغير وتطور يحتاج إلى رصد ودراسة لسانية في حين نجد أن اللحن عند العرب ليس التطور عند اللسانيات بل يعتبرونه ذنبًا ومعصية وهو الذي يحول بينك وبين السعادة في الدارين، فدراسة اللغة عند علماء النحو ليست فقط مجرد وسيلة بل غاية لضبط الكلام وصحة النطق والكتابة، ولصون اللسان والقلم من الخطأ في التعبير، وكذا لفهم وحل اللبس في إدراك المعنى وتمييز الخطأ وتجنبه في الكلام لفظًا وكتابة، فالتمكن منها يجنب المتحدث والكاتب اللحن الذي يعد عيبًا في اللسان، وعوجًا فيه ومفسدًا في المعنى، ذلك اللحن الذي عده الرسول صلى الله عليه وسلم ضلالة إذ قال حين سمع أحدهم يلحن: (أرشدوا أخاكم فقد ضل)، ولهذا نجد النحويين هموا بدراسة العلاقة بين الكلمات ووضع القواعد لها، وتناول المسائل النظرية التأصيلية لعلم أصول النحو، وتفسير الظواهر النحوية وكذا تفسير التفاصيل التركيبية للغة معتمدين في ذلك على منهج مدرسة من المدارس التي يختارونها. ويرى النحويون أن من تجاوز النص القرآني فلقد تجاوز أهم شاهد في اللغة العربية، وهذا يؤدي إلى تجاوز كم هائل من الأحكام التي تؤول بالفرد إلى الكفر مثل قوله تعالى: }وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ{ (سورة النساء:1)، فإذا قرأنا الأرحام بكسرة فقد ساوينا بين الأرحام والله وهذا كفر، والأصح قرأتها بفتح الميم، وهذا يُظهر جليًا ارتباط دراسة اللغة بالقران عكس الغرب التي ارتبطت دراستهم بأعمال الأدباء كشكسبير، وما أعظم الفرق بين لغة البشر ولغة الله عز وجل، فالنص القرآني فوقي لا يقبل التحتية، ولهذا نجد النحويين العرب قد جعلوه من الشواهد الأولى لوضع قواعدهم، وكذا الحديث الشريف، ولما كانت التراكيب العربية الشفوية السليقية محكمة في نسجها متقنة في بنيتها، ذات سعة مذهلة في حقيقتها ومجازها، الأمر الذي جعل العرب يأخذون بها أيضًا، فتعاملوا مع التراكيب الملتقطة كفضاء من القواعد في غاية التحديد، فكانت دراستهم مؤسسة أولاً على ظاهرة الكلام (parole)ثم على ظاهرة اللغة كمنظومة كلية، حتى الأخطاء التي وردت في الجمل والتراكيب والتي عدت مرذولة ومطرحة في منطق المعيارية الصارمة كانت فيما نرى أكبر حافز في إدراك ما غدا يدعى اليم بالانزياح أو العدول(écart) تارة أو الشعرية(poétique) تارة أخرى في بعض المصطلحات. إن العدول اللغوي كان مهمًا إلى درجة أنه كان عاملاً من عوامل فك أو تحليل البنية السانتكسية السليمة من الفاسدة وبالتالي فاللغويين بهذا قد أدركوا بشكل أو بآخر أن المنظومة اللغوية شكل غير منته من الجمل، وأن المتكلم الأصلي يميز بين الجمل المقبولة دلاليًا من غيرها في إطار نسقها النحوي سلاقة. وإذا عدنا إلى نظرة اللسانيين الغربيين إلى اللغة فقد اعتبرها 'هنري فليش' منظومة حية أي كأنها ظاهرة بيولوجية يتعامل معها اللساني مثلما يتعامل عالم الطبيعة مع الحياة، وهذه النظرة إلى اللغة أبعد من أن تكون منظومة من هذا القبيل، فهي لا تملك الإرادة حينًا واللاإرادة حينًا آخر كأعضاء جسم أو كائن حي، كما أن أعضاء منظومة بيولوجية أبعد من أن تشبه بوظيفة عناصر لغوية في أي علاقة أو وظيفة سانتكسية. وفي النهاية فإن الدرس اللغوي القديم عند العرب كان تعامله مع اللغة من الخارج باعتبارها خطابات شفوية، ومن الداخل باعتبارها منظومة قائمة بذاتها أي متميزة عن باقي الظواهر والعلوم الأخرى، وهذا ما تذهب إليه أحدث المقاربات اللسانية المعاصرة حيث نجد أن اللساني يستند على مجموعة من الأقوال أو الملفوظات المحققة والتي تدعى المدونة والتي يحاول انطلاقًا منها أن يؤسس قواعد هذه المدونة مستعملاً ما يتجلى منها من القواعد القياسية التوزيعية لعناصرها المؤلفة له.


سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)