الجزائر - A la une

خبراء اقتصاديون في ندوة 'الشروق' يدقون ناقوس الخطر أموال الجزائر بأمريكا في خطر والحل في إنشاء صناديق سيادية


خبراء اقتصاديون في ندوة 'الشروق' يدقون ناقوس الخطر أموال الجزائر بأمريكا في خطر والحل في إنشاء صناديق سيادية
أكد الخبير الاقتصادي ونائب رئيس المجلس الوطني الاقتصادي والاجتماعي، مصطفى مقيدش، ضيف ندوة 'الشروق'، أن أزمة الديون الأمريكية التي عرفت منحى خطيرا بسبب النزاع السياسي داخل الكونغرس في جويلية الفارط، ستنعكس مباشرة على الجزائر من حيث أن الودائع الجزائرية في أمريكا لا تنتج أي فوائد تذكر بسبب ضعف معدلات الفائدة الأساسية وارتفاع معدلات التضخم، مضيفا أن الضمانة الوحيدة تتمثل في ضمان سيولة تلك الودائع أن الجزائر ستحتفظ على نفس القيمة من أموالها ولكن ستخسر الكثير من حيث القوة الشرائية لتلك المبالغ.

وأوضح مقيدش أن 50 بالمائة من إجمالي الدين الأمريكي تملكه الحكومتان الصينية واليابانية ودول الأوبك ومنها الجزائر، وهو ما يضمن استمرار الدولار كعملة رئيسية في التجارة الدولية لأن الصين تحتاج إلى السوق الأمريكية وأمريكا في حاجة ماسة للفائض في العملات الصعب لدول آسيا وعلى رأسها الصين لتغطية العجز في ميزانيتها السنوية.

ويعتقد ضيف 'الشروق'، أنه لا توجد بدائل جاهزة في الوقت الراهن، لأن المركز الأوروبي غير قادر حاليا على إصدار سندات بالاورو، كما أن الين الياباني في مشكل هو الآخر، أما الذهب فلا يمكن الإقبال عليه في هذه الظروف بسبب المبالغة في تقييمه، مشددا على أن الحل الأمثل بالنسبة للجزائر على المدى المتوسط والطويل هو اللجوء إلى استخدام جزء من الاحتياطات الجزائرية في إطلاق صناديق سيادية، مضيفا أن الوقت مناسب جدا لفتح نقاش وطني واسع حول الموضوع وتحديد الأسباب وراء التخوف من الصناديق السيادية.

وقال مقيدش، إن التخوف المبالغ فيه من فكرة الصناديق السيادية فوت على الجزائر فرصا هائلة، لأن استخدام تلك الاحتياطات في التنمية الداخلية لوحدها فكرة مبالغ فيها بسبب محدودية طاقة الاستيعاب الداخلية، وهو ما يتطلب إعادة نظر شاملة في فكرة الصندوق الوطني للاستثمار وإعطائه إمكانية للخروج الى الخارج وشراء أصول ومساهمات في مؤسسات عالمية حتى تتمكن الجزائر فعلا من تنويع اقتصادها وبناء اقتصاد بديل للمحروقات، مؤكدا على حاجة الجزائر الماسة لغزو الأسواق الخارجية، متسائلا لماذا لم تشتر الجزائر شركة 'تكنيب' المتخصصة في الهندسة والتي كانت على وشك الإفلاس، وعوض شرائها منحتها الحكومة الجزائرية صفقة بحوالي مليار أورو لتحديث مصفاة الجزائر العاصمة ما دفع بأسهمها للارتفاع في البورصة، مضيفا لماذا لا تشتري الجزائر شركة هواتف جوالة وتدخل بها الأسواق الناشئة، ليخلص المتحدث إلى نفي مبرر عدم وجود الخبرات الضرورية لتسيير مثل هذا النوع من الاستثمار، بالقول إذا لم نجد الخبراء في الداخل فهناك المال الكافي لشراء الخبرة من الخارج، مشددا على أن الاستمرار في هذا الطريق سيضعنا في مواجهة مباشرة مع الحائط. وقال مقيدش، إن النار في بيتنا ويجب أن ننتبه للأمر قبل فوات الأوان ويجب الوصول بسرعة إلى إجماع سياسي حول الكيفية الأمثل لاستخدام حق الأجيال القادمة في تغطية عجز الموازنة الذي بلغ مستويات قياسية لم يعد السكوت معها ممكنا بعد أن تجاوزت 34 بالمائة، مما يتطلب إعادة نظر شاملة في سياسة الميزانية.

شراء شركات التكنولوجيا والطاقات المتجددة والسيارات

من جهته أكد الخبير الاقتصادي بشير مصيطفي، ضيف ندوة 'الشروق'، على ما ذهب إليه مقيدش، قائلا، إنه من الأنسب للجزائر شراء أسهم في شركات التكنولوجيا وشركات الطاقات المتجددة وشركات صناعة السيارات والبتروكمياء إذا كانت فعلا تريد تنويع اقتصادها والخروج من التبعية المطلقة للنفط والاحتفاظ الفعلي بحصة الأجيال القادمة.

وأوضح مصيطفى، أن أزمة الديون أزمة تاريخية منذ عهد ازنهاور إلى الرئيس باراك أوباما الذي وصل حجم الدين إلى الناتج الداخلي الأمريكي إلى 75 بالمائة وهو سقف الاستدانة القصوى التي يحدده القانون الأمريكي مما يتطلب قرارا سياسيا لرفع السقف قبل اللجوء إلى استدانة جديدة من السوق، مضيفا أن أوباما لم ينتبه الى مشكلة الديون لأنه لم يكن يتصور يوما أن تخضع بلاده الى تخفيض تصنيفها الائتماني من طرف وكالة ستاندرز أند بورز بشكل مفاجئ.

وأرجع ضيف 'الشروق' أزمة الدين الأمريكي إلى تراكم مجموعة من العوامل ومنها حالة الرفاه التي يعيشها المواطن الأمريكي بأكثر من طاقته الفعلية، وهو ما بينته الأرقام الخاصة بتجارة التجزئة التي بينت أن العائلة الأمريكية الواحدة تستهلك 5 مرات ما تساهم به في الناتج الداخلي الخام، بالإضافة إلى الإنفاق المبالغ فيه على الحروب في أفغانستان والعراق ومناطق عديدة من العالم والتكاليف الخيالية على الإنفاق العسكري، فضلا عن مجموعة من الخلفيات السياسية التي اعتمدت عليها وكالة التصنيف الائتماني ستاندرز أند بورز الى اتخاذ قرارها مما فتح الباب أمام وكالة الضبط النقدي الأمريكي للتحقيق في خلفية وصول وكالة التصنيف المذكورة إلى قرارها السليم الذي تم بناؤه على أسس ودلائل عجزت الإدارة الأمريكية عن نفيها، وخاصة ما تعلق بقدرة أمريكا على دفع مديونيتها وتنافسية الاقتصاد الأمريكي، وفعالية السياسة النقدية والمؤشرات الكلية ومنها التضخم والنمو وعدد الوظائف الجدية، بالإضافة إلى ضعف الدولار الذي لم ينعكس على خلق وظائف جديدة.

وبين المتحدث أن للأزمة علاقة مباشرة بما حدث سنة 2008 من أزمة الرهن العقاري في أمريكا التي تحولت الى امة عالمية، وهي الأزمة التي تدخلت فيها الإدارة الأمريكية لإنقاذ شركات خاصة ومنها صناعة السيارات والبنوك وشركات التأمين، مضيفا أن الأزمة ستكون حادة أيضا في أوروبا وأقل حدة في اليابان التي تتوفر على ادخار كبير، مشيرا إلى أن فرنسا من الدول التي تهددها الأزمة.

تنويع أشكال توظيف الاحتياطي الجزائري

دعا ضيوف ندوة 'الشروق' إلى بحث خطة وطنية سريعة تحقق الإجماع وتسمح بتنويع كيفية توظيف الأموال بالخارج لأنها تتطلب مهارة عالية وخيارات مدروسة بدون استبعاد الأدوات الحديثة والفرص التي توفرها الأسواق الدولية.

وأشار مصيطفى إلى الاستحواذ على المؤسسات والشركات في الفروع الصناعية التي تحتاجها الجزائر لتنويع اقتصادها وتنميتها وبناء صناعتها الوطنية وبناء مرحلة ما بعد البترول بطريقة فعالة، مضيفا أن الجزائر وعلى العكس مما قاله وزير المالية في خرجته الأخيرة معنية بالأزمة على المدى القصير والمتوسط والطويل، من خلال القيمة الشرائية للاحتياطات بالدولار أولا، وثم أن الاحتياطات المقومة بالدولار تفقد قيمتها مقارنة بالنفط أو بالذهب من يوم إلى آخر، وهو ما يعني أن الأموال الجزائرية تتآكل في الزمن، وإذا دخل الاقتصاد العالمي في ركود فإن الجزائر ستتكبد خسائر أكبر لأنها وضعت بيضها في سلة واحدة تقريبا.

الدعم أصبح يستفيد منه الشعب المغربي والليبي والتونسي

وذهب مقيدش إلى القول إن الصدمة الخارجية الناجمة عن أي تراجع محتمل في أسعار النفط ستعمق مباشرة من أزمة عجز الميزانية الجزائرية التي يبدو أن الحكومة غافلة عنها بسبب وجود بعض الأموال في صندوق ضبط الموارد، مضيفا أنه ليس من حق الحكومة استخدام حق الأجيال القادمة في التغطية على المشاكل الاجتماعية وتأجيل البحث عن حلول حقيقية، ليخلص إلى القول إننا نعيش وضعا أخطر من وضع أمريكا، لأن عجز أمريكا لا يتعدى 7.5 بالمائة وأوروبا 3 إلى 5 بالمائة فيما وصل العجز الجزائري إلى 34 بالمائة وهو مستوى كارثي بكل المعايير لأنه لا يمكن تغطية العجز باللجوء إلى مصادر ريعية تنضب بسرعة البرق في إشارة الى صندوق ضبط الموارد.

وأجمع ضيوف الندوة على أن الحل السريع هو الاستثمار في إنشاء مؤسسات صغيرة ومتوسطة بعدد كبير وشراء أصول في الخارج والتوقف عن بيع أصول إستراتيجية كانت تملكها الدولة، فضلا عن تطوير أدوات إدارة الموجودات في محافظ جديدة منها الصناديق السيادية وشراء أصول متنوعة والتوقف عن دعم المواد الأساسية بشكل واسع وتخصيص الدعم للفئات المحدودة الدخل، لأن الجزائر أصبحت تستورد لسكان المغرب العربي كاملا، بسبب التهريب الذي جعل سكان المغرب وتونس وليبيا يستفيدون من دعم المواد الغذائية والمازوت الذي يباع بعشر سعره في الأسواق الخارجية، والتوقف عن التبذير من خلال الواردات التي فاقت 40 مليار دولار في السنة ولكنها لا تظهر في رقم أعمال المؤسسات المستوردة أي أنها في الواقع تأخذ وجهات غير شفافة، ومرافقة ذلك بنظام جبائي وطني جديد يقوم على تحفيز دافعي الضرائب والمزيد من العدالة الضريبية وخاصة من خلال فرض ضرائب على الثروة الضخمة التي تكونت خلال العشرين سنة الأخيرة نتيجة الفساد الذي أصبح ظاهرة عامة، وفرض ضريبة على العقارات لأن الضريبة الحالية غير عادلة.

إنشاء احتياطي استراتيجي من النفط

أكد ضيوف 'الشروق' على ضرورة التفكير الجدي في بناء احتياطي استراتيجي من النفط بشكل يسمح للجزائر باستغلال الفرص الجيدة في الأسواق العالمية كلما ارتفعت أسعار النفط وتخفيض الكميات المصدرة عند تراجع الأسعار.

وقال مقيدش، العالم في مرحلة انتقالية نحو استغلال طاقات جديدة، وعلى الجزائر الانتباه إلى هذه النقطة الإستراتيجية، مضيفا أن النقاش الذي ساد خلال المؤتمر لحزب جبهة التحرير الوطني حول ما بعد البترول كان أقوى من النقاش الحالي حول هذه النقطة الحساسة التي لم يفصل فيها بعد، داعيا إلى ضرورة الوقف السريع لتبذير الغاز والمازوت.
سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)