الجزائر - 08- La guerre de libération

جزئية لها أهميتها 11 / 03 / 1960



جزئية لها أهميتها 11 / 03 / 1960
فيما يلي يجد القارئ افتتاحية الكانار انشني" التي حررت قبل خطب ديغول الأخيرة بالجزائر ولكنها ماتزال محتفظة بحدتها نظرا إلى أنها توقعت ماسيقوله ديغول، كما يجد القارئ افتتاحية ثانية للزميلة المغربية "الرأي العام" تدعو فيها المغرب العربي إلى اتخاذ موقف عملي موحد.

في جولته بجنوب البلاد الفرنسية نجح الجنرال ديغول أيما نجاح في انتزاع إعجاب السكان بسياسته الجزائرية.

وبعد هذه الجولة سيقوم الجنرال بزيارة إلى الجزائر حيث سيهدف بدون شك الى انتزاع إعجاب سكان الجزائر بسياسته الفلاحية في فرنسا.

ولكنه ليس من حقي أن أمزح بمثل هذه الأمور، فإن آخر بلاغ حربي أصدرته القيادة العليا بعاصمة الجزائر يعلن أنه وقع القضاء على 383 ثائر خلال يومين فحسب وبالرغم من أن البلاغ لم يتعرض إلى ذكر الخسائر الفرنسية فإنه في إمكاننا أن نفترض حدوثها، وهكذا فإن كثيرا من الناس ما انفكوا يقتلون منذ أن أعلن الجنرال ديغول في 16 سبتمبر الماضي اعترافه بحق تقرير المصير ومنذ أن أعلنت الجبهة في 28 سنة بأنها لاتطالب بشيء آخر.

إن أصحاب العقول البسيطة -الذين نتشرف بأن نكون في إعدادهم- تخيلوا بعد ذلك إن وقف القتال لايمكن أن يتأخر وأنه في انتظار تحقيقه من الممكن أن يبادر الطرفان كل على حده إلى الكف عن زهق أرواح الطرف الآخر. ولكن 5 أشهر مرت بعد، دون أن تتوقف المجزرة وكذاك دون أن ينته النقاش الجاري بين عدوين أصمين.

ذلك أنه عندما تكون للجنرال ديغول فكرة جديدة في الموضوع لايسارع بإبلاغها إلى السيد فرحات عباس بل إلى السيد غي مولي، وبعد أن يتحصل الجنرال على مؤازرة هذا "المفاوض الكفء" لفكرته يندهش لما يرى أن الثوار غير راضين عن تلك الفكرة.

وآخر ماتفتقت عنه عبقرية الجنرال المدهشة هذه الجملة التي اعتبرها خطوة هامة: " آن الجزائر لن تكون ما كانت، وستكون مايجب أن تكون"، وفي العد اندهش ديغول لما رأى أن هذه الكلمات السحرية لم توقف المعارك وقفة واحدة، وعندئذ قرر "مونجينيرال" أن يخطو خطوات جديدة أي أن يسافر الى الجزائر ليقنع للمرة الأخيرة السادة العسكريين (الفرنسيين بطبيعة الحال)، ألم يقنعهم؟ بأنه لن يتنازل لفرحات عباس عن أية مسألة هامة، وإذا تبين بعد ذلك أن فرحات عباس غير راض عن السياسة الفرنسية فإن الحجة تكون حينئذ دامغة على أنه ليس في الإمكان التفاهم مع هؤلاء الناس.

وبعد ذلك بشهر وبعام تستمر القيادة العليا الفرنسية في نشر بلاغاتها حول القضاء على ألف أو ألفي ثائر، ذلك أن سادة القيادة العليا يتصورون أن ارتفاع عدد الثوار المقتولين في كل أسبوع يمثل تطورا حسنا للحرب وأما أصحاب العقول البسيطة أمثالنا فإنهم يجدون في ذلك دليلا على ارتفاع عدد الثوار واستماتتهم في الميدان.

والسيد فرحات عباس هو كذلك يتحدث كثيرا، والظاهرة الأولى التي تدهش أصحاب العقول البسيطة أمثالنا هي المكانة الممتازة التي تخصصها الصحافة والإذاعة والتلفزة الفرنسية لأقل عبارة تصدر عن شخص تعتبره هذه الصحافة والإذاعة والتلفزة أنه مجرد من أية صفة تخوله التحدق باسم الجزائريين، إذ بصفة رسمية فرحات عباس مجهول ولكنه حالما يفتح فمه تسارع فرنسا الرسمية الى الاستماع بكل عناية لما يقوله.

و هكذا فإن السيد فرحات عباس إذا لم يتحصل على صفة (المفاوض الكفء) فإنه على كل حال نال شهادة "الخطيب الذي تتوجه إليه الاسماع".

في الظاهر كل مانطق به فرحات عباس معقول إذ أنه يطالب بالضمانات قبل وقف القتال، ومع ذلك فإن فرحات أطال الطريق عوض أن يقصره فقد كان من الأفضل أن يعوض الخطب التي يرسلها من تونس بزيارة خاطفة إلى باريس ليطلع ديغول على شروطه في " كلمتين وقص" خاصة وأن الدعوة التي وجهت إليه ماتزال صالحة.

ومن اللباقة أن يعمد الطرفان الى الكف عن إطلاق النار والقنابل والاعتيالات.

وبدون أن يسمي ذلك "وقفا للقتال" فإنه يمثل على الأقل فرصة طيبة للتفاهم وكذلك فرصة لتحاشي الأرواح البشرية.

إن أصحاب العقول البسيطة امثالنا يعتبرون أن هذه الجزئية الصغيرة لها اهميتها بل انهم يعتقدون أنها كل شيء في الموضوع.

وجاد في المقال الافتتاحي الذي ونشرته " الرأي العام":

تجتاز القضية الجزائرية مرحلة جديدة ودقيقة من أخطر المراحل التي مرت بها الثورة لحد الآن، فالإجراءات البوليسية والتدابير القمعية، تشتد يوما إثر يوم لا على الوطنيين الجزائريين وحدهم، إنما تتعداهم إلى الفرنسيين الذين تشم فيهم رائحة العطف على قضية الشعب الجزائري العادلة، في الأسبوع الماضي فقط، بدأت الشرطة الفرنسية حملة واسعة النطاق ضد كثير من الفرنسيين الأحرار، وزجت بهم في السجن بدعوى أنهم يتعاونون مع جبهة التحرير الوطني الجزائري.

وفي نفس الوقت وسعت الشرطة حملاتها التقليدية ضد أوساط الطلبة والعمال الجزائريين. فاعتقلت مئات منهم مدعية أنهم من أعضاء الجهاز العسكري التابع للحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية في فرنسا.

وقد سنت قوانين تتيح للمحاكم العسكرية أن تنفذ فورا الأحكام التي تصدرها بشأن الوطنيين الجزائريين ولوحظ أن هذه القوانين الجديدة بدأت تطبق منذ شهر بالخصوص في الجزائر حيث أصبح القاضي العسكري ينطق بحكم الإعدام مثلا، في ساحة الرمي، ثم يشير إلى المكلفين بتنفيذ عملية الإعدام فيؤدون عملهم في الحين والحكومة الفرنسية سائرة نحو تبسيط أكثر للسياسة المسطرة المضادة للثورة ومن المنتظر أن تدرس لجنة الشؤون الجزائرية التي ستجتمع نهار اليوم برئاسة الجنرال ديغول في باريس هذه المسألة.

وفي الأيام الأخيرة، أعلن ديغول أكثر من مرة في الخطب التي ألقاها أمام الضباط خلال رحلته عبر العالم أنه لن يتم أي شيء هناك، أي لن يتحدد مصير الشعب الجزائري إلا بعد انتصار الأسلحة الفرنسية.

هذا على الصعيد الجزائري.

أما على صعيد المغرب العربي فإننا نشاهد بوادر تصلب من نوع آخر: فقد فجرت فرنسا قنبلتها الذرية في الصحراء، وبدأت تتماطل في الجلاء عن بنزرت وتحاول إدخالها في جهاز الدفاع الغربي، بينما يكثر الحديث عن مشاركة الأوساط الاستعمارية في المؤامرة المدبرة ضد الاتجاه التقدمي الشعبي، ضد النهج التحرري الوطني الذي تسلكه حكومة الرئيس عبد اللّه ابراهيم.

يتضح من ذلك كله أن معركة المغرب العربي ضد الاستعمار وضد أعداء الشعب، هي معركة واحدة بطبيعتها وبنوعية القوات المتصارعة في الميدان، ولكن الفرق هو أن الإستعمار يدرك وحدانية جبهة القتال أكثر مما ندرك نحن، أو هو يعمل بوحي منها أكثر مما نعمل نحن.

إن الموقف المتصلب الجديد الذي برزت به الجبهة الإستعمارية يحتم على أقطار المغرب العربي أن ترسم استراتيجية جديدة لمكافحة الاستراتيجية الإستعمارية والتضامن الفعلي، والمشاركة العملية، في تحرير الجزائر هما اللذان ينبغي أن يكونا في نظرنا حجر الزاوية في الاستراتيجية الجديدة، والمستوى الطي وصلت إليه المعركة يفرض اتخاذ هذا الموقف، أما التأييد التقليدي الذي ينطوي على كثير من العواطف الشريفة الصادقة بدون شك، فلم يعد يليق بنا أن نقتصر عليه.

إننا الآن أمام اختيار دقيق: فإما أن نبرهن أن معركة الجزائر هي بالفعل معركتنا، أما أن نستمر في اتخاذ المواقف العاطفية المألوفة، وبين الموقوفين بون شاسع.



سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)