الجزائر - Ahmed Benbella

ليس غريبا على الشعب الجزائري أن يودع كباره من مفجري الثورة التحريرية وواضعي حجر الأساس للدولة الجزائرية بكل ذلك الوقار والعرفان. لقد سجّل التاريخ أمس وقفة أخرى في مسار توديع صانعي الحركة الوطنية والكفاح ضد الاستعمار الفرنسي بتشييع احمد بن بلة إلى مثواه الأخير وسط إخوانه ورفاقه ومواطنيه من عامة أبناء الشعب الذين تأثروا لقضاء اللّه وحكمه وطالهم الحزن لفقدانه في خمسينية استرجاع الاستقلال والسيادة الوطنية وانتزاع الحرية من استعمار استدماري يندى له جبين الإنسانية، كونه جثم على صدر الجزائر لقرن واثنتي وثلاثين سنة كاملة كلها إبادة ونهب واحتقار وتجهيل إلى أن قررت نخبة من رواد الحركة الوطنية الحديثة من أبناء جيل نوفمبر إنهاء الأمر الواقع وإعادة تصحيح مسار التاريخ بكسر شوكة الاستعمار، مهما كلف ذلك من ثمن، وهو ما تحقق بفضل عطاء من التضحيات يحفظها التاريخ للأجيال.

الرجل بحد ذاته معلم كامل يستحق وقفة الكبار ليترك للتاريخ قراءة المعطيات وخلفيات وأبعاد الأحداث التي لها صلة بمختلف مراحله السياسية والثورية خاصة مع مطلع الاستقلال الذي سجل مرة أخرى اسمه في الصفحات الأولى منه بمناسبة ما يعرف بحرب الرمال، حين أطلق صرخة للجزائريين وهم متعبون من حرب استقلال ضروس قائلا العبارة الشهيرة ..ڤ يا خاوتي حقرونا ڤ .. في إشارة إلى ما تعرضت له الجزائر الفتية من عدوان على الحدود بفعل أطماع توسعية، فكانت الصرخة بمثابة طلقة مدفع سمعها أبناء الجزائر وبالذات رجال جيش التحرير الذين أعادوا توحيد الصفوف وحمل السلاح للدفاع عن الوحدة الترابية للجزائر التي انتزعت الجغرافيا السياسية، كاملة غير منقوصة بالدماء الزكية التي لا تساوم بعيدا عن الخلط بين المفاهيم.
بلا شك أن بن بلة وهو يتولى مقاليد رئاسة الدولة الجزائرية كان يقود مهمة صعبة بالنظر للتراكمات والمحيط الداخلي والخارجي وما خلفته الإدارة الاستعمارية من قنابل موقوتة لتفجير مكسب الاستقلال، لولا أن حكمة قادة الثورة الذين كانوا يعرفون كيف يعالجون الخلافات بعيدا عن إقحام الشعب الطموح للتنمية أحبطت مخططات الإدارة الاستعمارية التي راحت أدواتها تغذي ما يعرف بأزمة الولايات ليستفيق الجميع، على أن الوطن والوحدة خط أحمر ومكسب فوق كل الحسابات. ولذلك قدم ذلك الجيل درسا للأجيال في فك ومعالجة اختلافاتهم على عمقها وخطورتها بشأن الخيارات وأساليب بناء الدولة وصراع مراكز القوة في دهاليز السلطة فتجدهم عند خط المصلحة الوطنية بمفهومها الشامل في اتفاق فيتنازل هذا لذاك، أو يتصارعون وأحيانا بعنف دون إسماع الشعب أو جره لما يلهيه عن البناء والتشييد.
إن ما قام به أولئك الرجال والنساء من أبطال الثورة والراحل أحمد بن بلة واحد من الوجوه البارزة مع رفاقه الأحياء منهم والأموات، يبقى فخرا للأجيال المتعاقبة ومصدر امتلاك الإرادة والقوة في الاستمرار والثبات على عهد الشهداء الأبرار، ومن ثمة من الطبيعي أن يودعوا كبارا مثلما كانوا كبارا، كبر وعظمة الشعب الجزائري الذي لا يتنكر للمخلصين من أبنائه جيلا بعد جيل.


سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)