الجزائر - A la une


تلاميذ يستغلون "نعمة" الإضراب للاسترزاق


تلاميذ يستغلون
أطفال في عمر الزهور يصطفون على قارعة الطرقات لربح بعض "الصورديات"رغم موجات البرد والأمطار الغزيرة التي تشهدها معظم ولايات الوطن إلا أن ذلك لم يمنع بعض التلاميذ وحتى المتمدسين في الطور الابتدائي من اغتنام فرصة الإضرابات التي يعرفها قطاع التربية للتوجه إلى قارعات الطرق والأسواق لربح بعض "الصورديات" كما يسمونها، وهو ما يدخل في خانة ما يسمى بعمالة الأطفال، إذ تعد هذه الظاهرة المسلسل المستمر في الجزائر رغم وجود قوانين تمنع ذلك.جولتنا الاستطلاعية التي قادتنا إلى أماكن لا تبعد سوى أميال عن العاصمة، سجلنا حالات يندى لها الجبين، تجعلك تعتقد أنك عدت إلى زمن مضى حيث كانت أوضاع العائلات الفقيرة ومعدومة الدخل تدفع إلى تشغيل أبنائها في أعمال شاقة مقابل دنانير معدودة. كانت المحطة الأولى الطريق المؤدي إلى بوفاريك بالبليدة وبالضبط على بعد عشرين كلم عن العاصمة فقط صادفنا "الرجل الطفل"، راعي الغنم صاحب الاثني عشرة ربيعا، اقتربنا منه فسألناه عن سبب تواجده هناك، بعيدا عن مقاعد الدراسة، فرد أنه يعمل من أجل أن يكفل عائلته المكونة من 6 أفراد، فقال إن إعاقة والده كانت السبب وراء توقفه عن العمل، مما جعله يترك الدراسة والدخول في رحلة بحث عن عمل، فوجده عند أحد الفلاحين كراعي الغنم، حيث يبدأ العمل على الساعة 7 صباحا وهو لم يتجاوز 13ربيعا. سألناه عن المبلغ الذي يتقاضاه مقابل كل هذا، فقال إنه يتقاضى مبلغ ثلاثة آلاف دينار شهريا.يوسف صاحب 13 ربيعا الذي يقاسم أخاه آلام الحياة التي يكابدانها، فلا دراسة ولا تعليم سوى العمل في إسطبل لساعات طويلة في اليوم، سألنا يوسف عن سبب تركه مقاعد الدراسة فكانت إجابته "لم أدخل المدرسة، منذ كان في عمري 6 سنوات وأنا أعمل".ولأن للبيوت أسرارا، فلا شك أن معاناة يوسف وحكيم تخفي سرا كبيرا وحكاية مؤلمة، فقادنا الفضول إلى منزل العائلة حيث وجدنا الكثير من الإجابات عن علامات الاستفهام منذ أن وطئت أقدامنا باب المنزل، كان المنزل المتكون من غرفتين في حالات لا تطاق، أفرشة لا تصلح حتى أن تكون في إسطبل للحيوانات وروائح كريهة. فقد اكتشفنا خلال حديثنا مع ربة المنزل أنها ليست في كامل قواها العقلية، وبالرغم من بلك أجابتنا عن تساؤلاتنا حيث أوضحت أن سبب عمل أولادها هو عجز والدهم عن العمل، لإصابته بإعاقة في رجله، مما دفع بأولادها للخروج إلى سوق العمل، أما عن سبب عدم التحاق يوسف بمقاعد الدراسة فقالت المتحدثة أنه كانو يقطنون في وقت سابق في مكان يبعد عن المدرسة كثيرا. وبحكم عمل والده فلا يوجد من ياخده إلى المدرسة" وهو ما قادنا إلى التساؤل عن دور الرقابة التي تفرض على كل طفل جزائري التمدرس وفرض عقوبات على من يحرم أولاده من التمدرس.عمالة الأطفال المتمدرسين أصبحت منتشرة بكثرة في العاصمةعمالة الأطفال أصبحت منتشرة بكثرة في العاصمة، ونحن نتجول في أحد أسواقها ببئر خادم، لفت انتباهنا صوت فتى لاتزال ملامح الطفولة ترتسم على وجهه، وهو ينادي الزبائن لكسب المال، اقتربنا منه فسألناه عما تخفيه هذه الجثة الصغيرة من آلام دفعتها إلى هذا المكان بدل الالتحاق بمقاعد الدراسة، فرد قائلا رضا صاحب 16 ربيعا أن الجوع والخلود إلى النوم جوعا هو وعائلته في معظم الليالي دفعه إلى البحث عما يسد به رمق عائلته، وأضاف رضا أن والديه منفصلان وهو يعمل ليعيل والدته وإخوته الثلاثة.ولأنه ترك مقاعد الدراسة والزحف نحو عالم الشغل في سن مبكرة تكون نهايتها الندم والتأسف على ما مضى، رغم كل الظروف التي تدفع إلى ذلك، فإن حلم محمد في أن يصبح طبيبا لم يتحقق، فبدل أن يجر كرسي المريض إلى الإنعاش أو الاستعجالات يخبئ له القدر مفاجأة جر عربة السلع بالسوق الجوارية بالكاليتوس لسد رمق عائلته، وضمان ما يسد به رمق أخوته حيث يقول محمد إنه يشتغل في سوق الجملة بالكاليتوس مند 4 سنوات، مقابل مبلغ زهيد يعيل به عائلته، فوالده حرمه المرض من العمل، وإخوته صغار. وأضاف محمد أنه كانت يتحصل على علامات جيدة عندما يدرس وكان يحلم بأن بصبح طبيبا، ليصمت للحظات ويقول "الله غالب الظروف أقوى من كل شيء".حالة أخرى لطفلين لم يتجاوزا 15 ربيعا وهما أنس وإبراهيم اللذين إختارا من قارعات الطرق مكان لهم "للاسترزاق" كما يقولون، فرغم الأمطار الغزيرة التي كانت تسقط إلا أن ذلك لم يمنعهما من الاستيقاظ مبكرا والعمل لكسب قوتهم.يقول أنس إنه كان يدرس ويعمل إلا أن ذلك أثر بشكل سلبي على نتائجه الدراسية مما دفعه إلى التوقف نهائيا عن الدراسة.وحتى حافلات نقل المسافرين لم تستثن من عمالة الأطفال رغم الأخطار التي قد تنجر عنها، فجشع وتجبر أصحاب الحافلات الذين يشغلون أطفالا بعمر الزهور مقابل دنانير معدودة، دون رحمة أو شفقة، جعلهم يمنعونهم من التحدث إلينا، وهم الأدرى بالعقوبات التي تنجر عن فعلتهم.عمالة الأطفال لم تقتصر على العنصر الذكوري فحتى الفتيات أصبحن ضحية تشغيلهن في سن مبكرة، نجدهن على قارعات الطرق لبيع "المطلوع" وحتى في بعض البيوت يشتغلن كعاملات النظافة والأخطر من كل هذا هو استغلالهن من طرف من لا قلوب لهم، واستغلالهم في المقاهي الليلية كبائعات هوى وحتى المتاجرة بالمخدرات. فتجربة شبكة الندى لحماية حقوق الطفل سجلت حكايات ومآسي فتيات يندى لها الجبين، وقعن ضحية عمالة الأطفال. ومثال على ذلك كما يروي رئيس شبكة "ندى" للدفاع عن حقوق الطفل تجربة فتيات تم استغلالهن من طرف جماعة للمتاجرة بالمخدرة حيث تقوم بحمل السلع من ولاية إلى ولاية على أساس أنها سلع لا علاقة لها بالمخدرات، وقد رافقت الشبكة هده الفتات في تجربتها، ويضيف عرعار أن هذه الوحوش البشرية استغلن صعوبة الحياة.عمالة الأطفال لم تستثن المتمدرسين، وأي دراسة هذه التي يستغل فيها الأطفال مع كل عطلة موسمية او حتى نهاية الأسبوع، دون نسيان الإضرابات التي أصبحت فرصة لهم للتوجه إلى قارعات الطرق أو الأسواق للبيع، يسمونها، وإن كانت هذه الظاهرة غير دخيلة على المجتمع الجزائري فإن عمالة المتمدرسين جديدة، فقد كنا نلاحظ في وقت مضى أن الأطفال المتمدرسين لا مكان لهم في الطرقات غير أنه خلال السنوات الأخيرة، ومع الإضرابات المتواصلة للأساتذة والتي لا يكاد شهر يخلو منها دفعت بالأطفال إلى التوجه إلى سوق العمل وبكثرة. إبراهيم، أمين، مروان عينة من هؤلاء الأطفال الذين التقيناهم، في يوم يفترض بهم أن يكونوا في المدارس فإضرابات الأساتذة للدفاع عن حقوقهم، جعلت من هم عمادة المستقبل يفقدون حقوقهم، وفي هذا الصدد يقول إبراهيم صاحب 12 سنة "غير ما نقراوش نجو هنا للمارشي نبيعوا التقاشر أنا وأخي من جهة نعاونوا أبي ومن جهة أخرى نربحوا مصيرفة". وهو نفس ما جاء على لسان أمين صاحب 15 ربيعا.المحامي إبراهيم بهلولي: غياب الرقابة زاد من تفشي الظاهرةأكد المحامي إبراهيم بهلولي أن القانون الحالي يمنع عمالة الأطفال، لكن المشكل يكمن في غياب الرقابة، فغياب الرقابة على هذه الفئة جعلنا نسجل حالات عديدة.أوضح رئيس شبكة الندى للدفاع عن حقوق الطفل أن المشاكل الاجتماعية وراء عمالة الأطفال، التي تصل في أحيان كثيرة إلى ما لا يحمد عقباه كالاعتداءات الجنسية، مضيفا أن فئة الأطفال التي تعد هامة في المجتمع من شأنها أن تخلق مشكلة كبيرة في المجتمع، مع استمرار التطور التكنولوجي ستخلق مجتمعا متخلفا وستزيد من نسبة الأمية. وحسب عرعار فإن القضاء على الظاهرة يتطلب حلولا جذرية لتشعب وتعقد مشكلة عمالة الأطفال، والحكومة هي المطالبة بإيجاد هذه الحلول بداية من دراسة الوضع العائلي والسبب الذي دفع ذلك الطفل إلى العمالة. أما بالنسبة للذين يشغلون أولادهم لمساعدتهم فذلك يتطلب تسليط عقوبات عليهم.حالات حكيم، يوسف، أنس وإبراهيم ليست سوى عينة لما تخبئه هذه الظاهرة في المجتمع الجزائري كما أن حالات أمين وإبراهيم ومروان تدعو إلى دق ناقوس الخطر والبحث عن حلول جذرية بعد ان أخذت الإضرابات منعرجا خطيرا.


سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)