الجزائر



تابع
(12) لسنا نعجب، والامر ما قد عرفت، من ضعف الحركة العلمية السياسية عند المسلمين، ولا من انحطاط شأن السياسة عندهم ، ولكن العجب هو أن لا يموت بينهم ذلك العلم وأن لا يقضى عليه القضاء كله. العجب العجيب هو أن يتسرب من خلال ذلك الضغط الخانق، والقوة المترصدة والبأس المحيط، بعض مباحث السياسة إلى مجالس العلم، وأن يعرف لبعض قليل من العلماء، رأي في مسألة سياسية على غير ما يهوى الخلفاء.لو وضعنا هذا الكتاب كله في بيان الضغط الملوكي الإسلامي على علم السياسة، وكل حركة سياسية، أو نزعة سياسية، لضاق هذا الكتاب وأضعافه عن استيعاب القول في ذلك، ثم لعجزنا عن بيانه على وجه كامل، فحسبنا الآن تلك الإشارة المجملة: وعسى أن يمر بك قريباً بعض ما يتصل بهذا البحث.ونعود بك الآن إلى حيث كنا عند قولهم”أن الإمامة قد أجمعت على نصب الإمام، فكان ذلك إجماعاً دالاً على وجوبه.لو ثبت عندنا أن الأمة في كل عصر سكتت عن بيعة الامامة، فكان ذلك إجماعا سكوتياً، بل لو ثبت إن الأمة بجملتها وتفصيلها قد اشتركت بالفعل في كل عصر في بيعة الإمامة، واعترفت بها فكان ذلك إجماعاً صريحاً، لو نقل إلينا ذلك لأنكرنا أن يكون إجماعاً حقيقيا، ولرفضنا أن نستخلص منه حكما شرعيا، وأن نتخذه حجة في الدين.وقد عرفت من قصة يزيد كيف كانت تؤخذ البيعة، ويغتصب الإقرار. وانتظر قليلا فلدينا مزيد.تذكرنا قصة يزيد بن معاوية بقصة فيصل بن حسين بن علي، كان أبوه حسين بن علي أحد أمراء العرب، الذين انحازوا في الحرب العظمى إلى جانب الحلفاء، خروجاً على الترك، وعلى سلطان الترك خليفة المسلمين، فقام أولاده في بلاد العرب وفي جوانبها ينصرون جيوش الحلفاء نصراً مبينا ويخذلون أعداءهم من الترك والألمان وغيرهم، وامتاز فيصل أحد أولئك الأولاد، بالزلفى من الإنجليز لحسن بلائه في مساعدتهم، وإخلاصه في خدمتهم، فعينوه ملكا على الشام، ولم يكد يستقر بها حتى هاجت ملكة جيوش الفرنسين، فولى فيصل هارباً، تاركاً مملكته وعرشه وغيرها، حتى وصل إلى انجلترا، ومن هناك حمله الإنجليز لبلاد العراق، ونصبوه عليها ملكا وقد زعم الانجليز أن أهل الحل والعقد من أمة العراق انتخبوا فيصلا ليكون ملكا عليهم بالإجماع، اللهم إلا أن يكون قد خالف في ذلك نفر قليل لا يعتد بهم كأولئك الذين دعاهم ابن خلدون من قبل شواذ.ولعمرك ما كذب الإنجليز، فإنهم قد عملوا انتخاباً، له كل مظاهر الإنتخاب الحر القانوني ، وأخذوا يومئذ رأي الكثيرين من أهل الزعامة في العراق، فكان رأيهم أن ينتخبوا فيصلا ملكا عليهم.ولكن مما لا شك فيه أن ”هذا”الذي أخذ به خطيب معاوية البيعة ليزيد، هو عينه ”هذا”الذي أخذ به الإنجليز إجماع العراقيين لإمامة فيصل أفهل تسمي ذلك إجماعا؟!لو ثبت الإجماع الذي زعموا لما كان إجماعا يعتد به، فكيف وقد قالت الخوارج لا يجب نصب الإما م أصلا وكذلك قال الأصم من المعتزلة، وقال غيرهم أيضا، كما سبقت الإشارة إليه، وحسبنا في هذا المقام نقضنا لدعوى الإجماع أن يثبت عندنا خلاف الاصم والخوارج وغيرهم، وإن قال ابن خلدون أنهم شواذ.


سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)