الجزائر - A la une

تأثير الإعلام في الانتخابات المصريّة



تأثير الإعلام في الانتخابات المصريّة
تزداد عملية التأثير الإيجابي لوسائل الإعلام، كلما زاد وعي المجتمع بحقوقه السياسية وارتفع منحنى الديموقراطية.ويعدّ التلفزيون الوسيلة الأكثر انتشاراً وتأثيراً في المجتمعات الآخذة في النمو كالمجتمع المصري، على رغم أن ميراثه السياسي وتاريخه البرلماني يعودان إلى القرن التاسع عشر، عندما أصدر الخديوي إسماعيل مرسوماً بإنشاء مجلس شورى القوانين عام 1866. ومع هذا، يمكن القول أن التجارب الديموقراطية لمصر لم يكتب لكثير منها الاستمرار، ولم تؤثر التجربة الحزبية التي كانت قبل ثورة 1952 أو تلك التي جاءت منذ أن قرر الرئيس أنور السادات عودة الأحزاب من جديد الى الحياة السياسية المصرية قبل نحو سبعة وثلاثين عاماً، في إرساء نظام ديموقراطي على غرار الديموقراطية الهندية مثلاً، لأسباب سياسية وتاريخية ليس هنا المجال لشرحها.ومن المفترض أن التلفزة وسيلة اتصال جماهيري ينحصر دورها خلال العملية الانتخابية، في التوجيه والإرشاد وتبصير الناخبين بحقوقهم السياسية، وتقديم الأخبار التي تساعد المرشحين على الالتزام بمعايير الدعاية الانتخابية وشرح حقوقهم وواجباتهم وفقاً لما يقرّره الدستور والقانون. ونلاحظ أن إعلام الدولة كان هو دائماً الملتزم بهذه الوظيفة على مدار السنوات الماضية. وعندما تم السماح بإنشاء قنوات فضائية خاصة في مصر، زادت سطوة الإعلام وانتقلت وظيفته من مجال التوجيه والإرشاد والأخبار إلى مجال جديد هو صناعة الرأي، بل نقول بصراحة التجارة في تشكيل الرأي لمصلحة هذا الاتجاه أو ذاك. وهذا أكثر الصور فجاجة عندما نكون أمام إجراء انتخابات. ويجري هذا على حساب الناخب في شكل مباشر، وتتم بالتالي عملية تجريف الوعي أو تزييفه. وعلى رغم أن هذه الجريمة في حق المجتمع تُقترف على مستويات عدة، إلا أن الإعلام هو الشريك الأصلي فيها لأنه الناقل المباشر للمتلقّي (الضحية أو المجني عليه)، وتأخذ هذه الصورة أشكالاً مختلفة، منها برامج تُجَمّل صورة المرشح أو أخرى تناقش إنجازاته أو برامج تدعو مباشرة إلى انتخابه. والأخطر، أن يكون هذا المرشح من مالكي الوسيلة الإعلامية.وأتصور أن الإعلام الاجتماعي أو ما اصطلح على تسميته ال ”سوشيال ميديا”، يعدّ أمراً أخطر في التأثير في الرأي العام في الانتخابات، لأن التلفزيون سواء كان عاماً أو خاصاً، تحكمه ضوابط تتراوح بين التشدّد فيها إلى التساهل في التعامل معها.أما شبكة المعلومات الدولية فهي مفتوحة بلا ضوابط، وتفرض الدولة المعايير الأخلاقية كي يلتزم بها المتصفّح على مواقع التواصل الاجتماعي، وأهمها ”تويتر” و ”فايسبوك”. لكن هناك ملايين الحسابات والصفحات الشخصية من حق أصحابها أن يكتبوا ما يرونه في أي وقت يشاؤون، سواء كان بالحق أو الباطل بالصدق أو الكذب. وتلك خطورة هذه المواقع التي كلما مر الوقت أصبحت لها شعبية وتأثير بين جماهير الناخبين الذين سيتأثرون حتماً بكل ما يكتب فيها من أخبار وتعليقات وآراء تساهم في تكوين الرأي الانتخابي. ودعونا نتوقف قليلاً أمام بند الأخبار على هذه المواقع في الميديا التقليدية. هناك مصادر للأخبار ولها شروط، حيث تعتبر الثقة الشرط الأهم في المصدر لأنها تعبر عن درجة صدقية الخبر، وفي غرفة تحرير الأخبار يحظر على فريق العمل التعامل مع المصادر المجهولة وغير الموثوق فيها. لكن في مواقع التواصل الاجتماعي، لا يوجد معيار مهني أو أخلاقي يحكم مصدر الأخبار، ما قد يؤدي إلى اختلاق أخبار غير حقيقية، بمعنى أن تتحوّل هذه الأخبار الكاذبة إلى إشاعات تنتشر بسرعة بين المتصفحين، وبالتالي بين الناخبين. وعليه، ينبغى تأمين مبدأ الملاحقة القانونية للأخبار مجهولة المصدر، ولهذا كنا نحذّر محرري الأخبار من اعتبار مواقع التواصل الاجتماعي مصدراً للأخبار، وكل ما كنا نوجّه به هو اعتبارها مؤشراً الى قصة إخبارية ما قد تصدق أو لا تصدق، ومن هنا لا يدخل ”فايسبوك” أو ”تويتر” ضمن مصادر الأخبار.العملية الانتخابية التي تتلخّص في توجّه الناخب إلى صندوق الاقتراع لاختيار نائب الشعب، تخضع اليوم لمؤثرات إعلامية وتساهم في شكل فاعل في تكوين رأي الناخب. ونلاحظ أن علاقة الإعلام بالانتخابات تبدو أكثر ارتباطاً في المدينة عن الريف، وفي المناطق القريبة من العاصمة والتجمعات الحضرية عن المناطق النائية والحدودية، وفي المجتمعات المختلطة عن القبلية أو العشائرية. إذ إن الناخب في المدينة يكوّن الرأي الانتخابي من وسائل الاتصال الجماهيري وتحديداً من الإعلام المرئي أو ال ”سوشيال ميديا”، لكن تعتمد المجتمعات القبلية والمناطق النائية على عملية الاتصال المباشر بين المرشح والناخب في تكوين الرأي الانتخابي، وغالبا ما يكون الرأي من البداية نتيجة العلاقات الأسرية والالتزام برأي القبيلة.كلمة أخيرة، إن دور الإعلام في الانتخابات البرلمانية، إذا كان هدفنا بناء مجتمع ديموقراطي، لا بد في اعتقادي، من أن يلتزم العدالة والحيدة والمساواة. والعكس صحيح، فأحياناً يصبح للإعلام دور مدمر لقيم الديموقراطية، ويتوقف ذلك على طبيعة النظام الإعلامي المسيطر على العملية الاتصالية.


سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)