الجزائر - A la une

بونوة وصديقي وأمة الحروف..



بونوة وصديقي وأمة الحروف..
"أعلم وفقنا الله وإياكم! أن الحروف أمة من الأمم، مخاطبون ومكلفون، وفيهم رسل من جنسهم ولهم أسماء من حيث هم، ولا يعرف هذا إلا أهل الكشف من طريقنا".. ها نحن أمم مفتاح من مفاتيح محي الدين بن عربي صاحب "الفتوحات" العظيمة..يخبرنا، وأي خبر، أن الحروف أمة من الأمم.. والأمم الأخرى، من تكون؟! قد تكون في كل التجليات التي نلامسها بالنظر، بالفكر، بالتحالم والتطايف.. الحروف تخاطب، وكذلك تكلف، لكن من ذا الذي يكلفها إن لم يكن مبث الروح فيها... الحروف، ليس فقط ذات انتماء جنسياتي أي ذي علاقة بالقوم واللغة والإثنية الخاصة، لكن هي أيضا تلك التي تنبثق من يد، وروح وقلب ووجدان وخيال الفنان..وهذا ما أريد أن أحدثكم به، الحرف كذلك من حيث استحفاره هو خليفة فنان، وأنا قضيت وقتا بهيجا أتاحه لي حمزة بونوة في ألبومه الفذ الصادر عن منشورات ANEP ولقد ناصه الشاعر ابراهيم صديقي بتأويله شعر ما رأى كشاعر راسم على جسد الحرف ذاته.. هل من الضروري وضع ثقتنا في حمزة بونوة وصاحبه الشاعر ابراهيم صديقي للولوج إلى تلك الأمة المتوحشة المسكونة بكائنات هي حروف صاخبة بالشذوذ، بالمرح، بالغضب وبالإيمان الكافر الفصيح وبالرغبة الخفية في التعري وكشف مفاتن غالبا ما تسترها اللغة الأيقونة وذات رداء القداسة.. يعرض علينا الفنان حمزة بونوة عنونة ما، وكأنه يخشى علينا أن نضل الطريق، إلى هذه الأمة الصعلوكة المدججة بحروف تملؤها الحياة المدمدمة، ورغبة البوح الأشبه بالنفير والاستباحة الجامحة لذات الحرف في ذواتها... حروف تتجرأ، هكذا هو عنوان الألبوم، لكن هيهات.. نحن أمام حزمة هادرة من الحروف، هي أنت وكنز جسدك السري الذي يتنازعه الظهر الغائب والنجاسة الطريدة في فردوس حواء، وآدم العاري التائه في أقصى عريه إلا من نشيج متدفق كالصوت النهري يصاعد إلى العرش عند ربه.. ليتلقى الصوت من جديد، في كلمات، والكلمات تشكلها الأحرف "فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه إنه، هو التواب الرحيم" (الآية 36 البقرة) الألبوم تجربة مشتركة بين الشاعر والفنان (تشكيلي رسام، صباغ؟! أم خيميائي بالمعنى القديم؟) إبراهيم يختزل في بيت كالبياض (هل لغة تطال ما طال صمت في تكلمه) كل بلاغة التجربة بحيث تحدث لعبة النكاح الروحي بين القصيد /الكلام والصورة / اللون.. الاحتكاك، التخاطب، التواحد التفاني فالتلاشي.. تتعرى اللغة لتتأثت من جديد أقوام لحمها، ملامحها، روحها، سلالاتها الحرفانية، المستقلة عن البنى الكلامية والمنظومة النحوية ونسق اللغات المهيمنة.. لكن اللغة لدى لحظة تعريها، نكتشف نحن من خلال هذه الأقوام الشريدة من الحروف.. هذه الحروف الهائمة على وجهها.. الواقعة في صمتها الباسق في بوتقة المنظر الصامت، الراكضة كالحيوانات المنوية في كل الاتجاهات.. المتجلية كالشياطين الضوئية زرقاء، حمراء.. باهتة، وصادحة.. حمزة بونوة وشريكه الإبراهيم عرضا علينا من خلال هذا الألبوم / الوليمة المتوحشة، أن نركض كما أن نركض ونحن في متاهة الحلم إلى إعادة الإنصات إلى وجوهنا ونحن ترانا نجرد حروفا تحيا وتموت كل لحظة عسى أن يبارك الله لنا ونحن كلنا طمعا في بهجة الفردوس الشهي جمالية إثم الخلق.. إثم الإبداع، إثم مقاربة الشجرة المحرمة.


سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)