الجزائر - Revue de Presse

بعدما خانهم المقربون وخابت آمالهم في الحياة مواطنون من الدرجة الأولى تأويهم أرصفة الشارع



بعدما خانهم المقربون وخابت آمالهم في الحياة               مواطنون من الدرجة الأولى تأويهم أرصفة الشارع
  أصبح أمرا عاديا جدا رؤية المختلين عقليا يجوبون الشوارع ويفترشون أرصفتها، متخذين منها ملجأ من قهر الظروف والأشخاص، غير أن الغريب هو معرفة أن هؤلاء كانوا ولوقت قريب ذوو مكانة مرموقة في مجتمع ظلمهم وحكم عليهم بفقدان كل ما يملكون حتى نعمة العقل التي تميز بني البشر.  لا يكفي النظر في هيئة الشخص وهندامه للتعرف على مدى ثقافته ومستواه العلمي والمادي، لأن الدنيا ببساطة قد علمتنا ألا نحكم على الأشخاص من مظهرهم الخارجي، بعد أن افترش مثقفون وحاملو شهادات عليا أرصفة الطرقات، واحتموا بأكواخ بلاستيكية وبأقبية العمارات أصحاب ملايين، وذوو مراكز اجتماعية مرموقة، لكل منهم حكايته الخاصة يرويها بحسرة وألم شديدين. مثقفون يفترشون “الكارتون” أصبح من المألوف جدا رؤية منظر خريجي الجامعات والمعاهد العليا وهم يفترشون الكارتون في أرصفة الطرقات، ويتجولون في الشارع طيلة اليوم يحدثون أنفسهم، يبكون تارة ويضحكون تارة أخرى، حاملين معهم كتبا ووثائق غامضة لا يفهم معناها شخص سواهم، يبحثون عن كتب وجرائد خاصة، لا يرضون بالبديل أوالمساومة. “علي.ت” حاصل على شهادة عليا من جامعة باب الزوار، لم يجد مكانا لوضع شهادته سوى حقيبة قديمة أكل الدهر عليها وشرب، يظل يحملها طيلة اليوم وهو يتجول بشوارع رايس حميدو مرتديا ثيابا كلاسيكية مهترئة مرددا لبعض معادلات التفاعل الكيميائية بلغة فرنسية طلقة، أخبرنا أحد إخوته أنه تحول إلى ما هو عليه الآن بسبب إدمانه على الحبوب المخدرة بعدما صدم بالبطالة لسنوات عديدة من تخرجه، مؤكدا أنه تعب وعمل جاهدا للحصول على المراتب الأولى.. غير أن الوظائف المتوفرة حينها لم تكن بقدر طموحاته. .. وأصحاب ملايين أضحوا بلا مأوى بعدما سكنوا القصور والفيلات الفخمة تآمرت عليهم الظروف والقدر ليتغير وضعهم مائة وثمانين درجة. ليلى، إحدى المتشردات ببن عكنون، لم تجد بيتا يحميها من برد الشتاء القارص سوى قبو مهترى في عمارة ببوزريعة بعدما كانت تملك منزلا فخما بحيدرة.  هذا ما رواه لنا أحد سكان الحي الذي لجأت إلى إحدى أقبية عماراته، بعد أن طردت من منزلها من قبل زوجها الذي تزوج عليها بفتاة تصغره سنا. ومن جهتها أخبرتنا ليلى، بعد عناء طويل، أن ما يحز في نفسها هو صبرها على الظروف العويصة التي مر بها زوجها ووقوفها إلى جانبه لتكوين ثروتها التي تقول إنها صاحبة الفضل عليه في ذلك، مضيفة أن لولا ذهبها الذي باعته في سبيله لما وصل إلى ما هو عليه الآن.لعزيزي، عامل بسيط بإدارة إحدى الجامعات بالعاصمة، يشكو - حسب زملائه - من مرض عصبي سببه كما يروون هروب زوجته بكل ماله وهجرتها إلى الخارج، بعد أن باعت البيت والمحل التجاري الذي كان يملكه، ليصبح لعزيزي دون مأوى يصارع للظفر بلقمة العيش.  حوادث مفاجئة تقلب حياتهم مصطلح الجنون كان بالنسبة للكثيرين مجرد أحاديث يتسلون بها للاحتيال على الوقت قصد تمضيتها، لم يكن أغلب من فقدوا عقله يتصورون يوما أنهم سيكونون من بين الحالات التي يذكرونها من باب الشفقة والرأفة بحالها. الفتاة هجيرة التقينا بها في أحد شوارع العاصمة، والتي شدنا إليها ترديدها المتواصل لعبارة “عرسي أنا، زوجي أنا”. روت لنا ببراءة حكاية مشفرة متناثرة الأحداث بلغة فرنسية فصيحة، فهمنا من خلالها أنها كانت إحدى المدعوات لحفل زفاف خطيبها دون أن تدري من العريس. وبعد محاولات عديد للانتحار أدخلت إثرها إلى مستشفى الأمراض العقلية، وجدت هجيرة نفسها في الشارع تروي للجميع قصة تصلح لتكون إلهام لمؤلفي الأفلام. أما (ع.ك) التي تفترش قطعة قماش صوفية بمدخل ساحة الشهداء حاملة بيدها دمية تظل ترافقها، وتطلب الصدقة من المارين لتشتري لها حليبا وخبزا، فقد حدثنا صاحب محل ألبسة رجالية مجاور لمكان جلوسها، أنها تجهش بالبكاء في كل مرة تعجز عن إطعام دميتها التي تعتبرها ابنتها بعد أن تسببت - حسب قوله - في وفاة هذه الأخيرة، وقد أضاف زميله أن هذه المرأة تسببت في قتل ابنتها الرضيعة التي سقطت من يدها وهي تحاول تحميمها. الطب النفسي يخرج مثل هذه الأمور عن نطاقه يرى الطب النفسي أن تعرض الشخص للصدمات والأزمات القوية كفيل بإفقاده صوابه، وفي مثل هذه الحالات توكل مهمة العلاج للمختص العقلي والعصبي، لأن الطبيب النفساني يعجز عن التعامل مع مثل هذه أمور. هذا ما أكدته الأخصائية النفسانية، نسيمة ميغري، التي تضيف أن الصدمة النفسية كفيلة بإحداث كوارث على العقل البشري، وأن من أكثر الأمور التي تستطيع قلب كيان الإنسان وزعزعة حياته هي تلك المتعلقة بالاحتياجات الشخصية من شعور بالأمان والحب، لذا فإن فقدان الأقارب وخيانتهم تعدان من أكثر العوامل المسببة في تحطيم نفسية الفرد. كما تنفي الدكتورة نسيمة قدرة الخسائر المادية على ذلك، معتبرة أن الأمور الكامنة وراء ذلك هي السبب من خيانة وغدر وغيرها. كما تحذر ذات المتحدثة الأهل والمحيطين بالمريض من محاولات الانتحار والاكتئاب الشديد اللذين يعتبران من المؤشرات القوية للدخول في حالات الاضطراب العصبي، لذا تنصحهم بالتوجه إلى مصالح الطب العصبي فور وقوع ذلك.    إيمان مقدم  
سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)