الجزائر - A la une

الوزير الغائب والرجل الهارب



الوزير الغائب والرجل الهارب
بقلم: فاطمة الزهراء بولعراس*يتأكد لي يوما بعد يوم وسنة بعد سنة أننا لازلنا بعيدين عن صنع المجتمع الثقافي الراقي الذي تسعى إليه كل الأمم ورغم ما يبدو من بعض المظاهر التي توحي بهذا إلا أن الواقع شيء آخر واقع بعيد كل البعد عن العمق المطلوب والهدف المنشود لأن الثقافة ليست مهرجانات موسمية ولا دور نشر كثيرة ولا أمسيات أدبية يُقرأ فيها الشعر للكراسي الشاغرة ولا حصص إذاعية أوتلفزيونية تفضح عُقد بعض الكتّاب ونرجسيتهم وغرورهم.الثقافة شيء آخر لازلنا بعيدين عنه (مع الأسف) وأقول هذا إحباطا وليس نقدا لا بناء ولاهدّاما وربما أقوله حنقا على نفسي أولا وقبل كل شيء فأنا أعرف أنه ربما لا أحد يقرأ مقالي ممن أتمنى أن يفعل ذلك أما الذي يقرأه فقد تكون له نظرة أكثر سوداوية من نظرتي وتجارب أقسى من تجاربي وعليه فلا أحد يحمّلني أكثر مما يحمله المقال الذي أروي فيه حادثة وقعت دون زيادة أو نقصان وليس ذنبي أن تكون الحادثة حصلت مع كتبي..كان المفروض أن يأتي الوزير لحضور انطلاق تظاهرة الثقافية نسوية اجتهدت بعض النسوة في إعطائها صورة لائقة ..لكن الوزير غاب عن اللقاء فلا شك أن أجندة الوزير تفيض بالمواعيد والزيارات .. وكان المطلوب مني ككاتبة أن أعرض كتبي باعتباري امرأة (مبدعة)...وفعلت ذلك بإلحاح من ضميري الذي يعذبني واحترت في كيفية التعامل معه بعد التجارب القاسية التي حدثت لي على مر سنوات مع المعارض والمهرجانات والكذب والرياء والنفاق والمحسوبية ...الخقلت: إن الوزير لم يحضر فناب عنه المسئول الأول في الولاية وحضر لتدشين التظاهرة ومرت مرّالكرام لولا أن رجلا طويلا يلبس قميصا أزرق وسروالا رماديا دخل فجاة بوجه شاحب وأقبل مباشرة ناحية الكتب المعروضة وأخذ(لا أدري إن كان ذلك صدفة أم لا) نسختين من كتبي ثم ولى هاربا وسط دهشة الحاضرات والحاضرين الذين كانوا يصرخون: تعال يا سيد النسخ للبيع بالإهداء لكن دون جدوى. انطلق يجري فلفت هروبه الشرطي الشاب الواقف بالباب فأفهمه أحدهم ما قام به فأمسك به وهو يقول: هات الكتب هات الكتب وكان الرجل يصرخ في وجه الشرطي بعصبية ظاهرة وبصوت عال: لا تلمسني لا تلمسني الكتب معروضة الكتب معروضة وأنا أخذتها...الأصوات جذبت بعض المارة وبعض الخارجين من قاعة العرض(لأن زيارة الوالي أشرفت على الانتهاء) فتجمعوا مستطلعين وكنت خارجة مع أول مجموعة ورأيت محاولة الشرطي وتعنت الرجل الهارب بالكتابين. وكان يحاول ركوب سيارة كانت تنتظره أمام باب المعرض اقتربت من الشرطي وقلت له بأسى:هذان الكتابان لي دعه يذهب يا بني؟ هز الشرطي رأسه مبتسما وأطلق سراحه وعدت إلى البيت وقد ازداد قلبي ألما على حال الأدب في بلدي وكنت أتمنى فقط لو انتظر الرجل لأكتب له إهداء على الصفحة الأولى لكل كتاب كنت سأكتب في كليهما: إلى الهارب بالأدب في بلدي (بالمفهوم العادي وليس بمفهوم أبناء البلد) ولا زلت أسال نفسي: إلى أين يهربون بالأدب في بلدي؟ وأنا على يقين أنه لا أحد يملك الإجابة ؟؟
سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)