الجزائر - A la une

المهرجان الثقافي الإفريقي الجزائر تكسب الرهان



المهرجان الثقافي الإفريقي الجزائر تكسب الرهان
ودّعت الجزائر أهمّ حدث إفريقي تشهده القارة السمراء في 2009 وهو المهرجان الثقافي الإفريقي الذي احتضنته الجزائر من 5 إلى 20 جويلية الجاري، وذلك بعد سيل من النشاطات التي غمرت العاصمة لتروي عطش الجمهور إلى حدّ الثمالة في مختلف مجالات الإبداع دون تمييز لتشمل الأدب، السينما، الفن التشكيلي، المسرح، الموسيقى والمعارض.. هي حركية ثقافية بإيقاع متسارع أخرجت العاصميين من روتينهم اليومي لتضعهم وجها لوجه مع أصولهم القارية الضاربة جذورها في عمق التاريخ، وتعيد مدّ الجسور التي أتلفتها السنون المتعاقبة وتعيد للعاصمة الحياة في الليل ...لذلك من الصعب خطّ أيّ تقييم أو حوصلة للتظاهرة التي تعدّ مكاسبها الروحية أسمى وأرقى من أيّ مكاسب أخرى.
ورغم ذلك سنحاول استعراض أهمّ النقاط المضيئة التي عاشتها الجزائر خلال الأسبوعين الماضيين في مختلف المجالات.
"الجائزة الأدبية القارية"
ترسي قواعدها بالجزائر
البداية من الأدب حيث شهدت الجزائر في إطار التظاهرة تنظيم "ملتقى الكتّاب الأفارقة" الذي جمع لأوّل مرّة الكتّاب الأفارقة للحديث عمّا يكتبه الإفريقي، بعد أن تعوّدوا المرور عبر فرنسا وإنجلترا للتعبير عن أنفسهم، وقد شهد الملتقى تأسيس جائزة خاصة هي "الجائزة الأدبية القارية" التي تشرف عليها مجلة "بانا أفريكا"، والتي منحت في طبعتها الأولى للكاتبة الإيفوارية تانيلا بوني، والروائي الجزائري رشيد بوجدرة، وكذا الكاتبة الشابة نافيستو جاتوف.
ووعدت وزيرة الثقافة خليدة تومي خلال افتتاحها الملتقى الذي حضره عدد كبير من الكتاب الأفارقة بترسيم الملتقى وجعله موعدا قارا لكلّ الكتّاب الأفارقة، ومن أهمّ ما ميّز هذا الملتقي الذي سبقته ورشات كتابة شارك فيها كلّ الكتّاب المدعوين، حضور الكاتب الجنوب إفريقي الذي رشّح مرّات عديدة لجائزة نوبل للأدب أندري برينك.
تبنّي تنظيم جلسات حول السينما الإفريقية في 2010
الفن السابع عدّ أيضا من بين أهمّ وأبرز المحطات التي شهدها المهرجان ليس فقط من خلال العروض التي مسّت كلا من السينما الجزائرية والإفريقية والأفلام الحائزة على جوائز عالمية لاسيما في مهرجان وغادوغو، لكن أيضا من خلال ملتقى السينما الإفريقية الذي حمل شعار "أيّ نموذج مستقبلي للسينما؟" وشهد حضور العديد من الأسماء الهامة في سماء السينما الإفريقية على غرار نوري بوزيد ومفيدة تلاتلي من تونس، روني فوتيي، عبد الرحمان سيساكو من موريتانيا، داني غلوفر من الولايات المتحدة الأمريكية، المخرج السينغالي محما جونسون تراوري، جيهان الطاهري من مصر والبوركينابية بانتا ريجينا نكرو وغيرهم.
كما نوقشت لأوّل مرة إشكاليات السينما الإفريقية وتمّ الخروج بمجموعة من النقاط التي ستكون بمثابة الأرضية التي ستشتغل عليها لجنة التحضير لجلسات السينما الإفريقية في 2010 التي أعلنت عنها وزيرة الثقافة، ومن بين تلك النقاط "إنشاء فدرالية تجمع كل المنتجين الأفارقة" وذلك على شاكلة اتحاد المخرجين الأفارقة لخلق فضاء تبادل وتعاون، وكذا جمع كلّ الوزراء المشرفين على قطاع الثقافة أو السينما بشكل خاص في مختلف الدول الإفريقية للحديث عن وضع الفن السابع وإيجاد حلول ناجعة لمختلف المشاكل، وثالثا إنشاء صندوق دعم مشترك وهو الحلم الذي يراود المخرجين الأفارقة منذ سنوات طويلة، كما دعا الحضور إلى مناقشة إمكانية إيجاد برنامج مشترك في التكوين وكذا صيغ للتعاون في مجال التكوين تسمح بتبادل المؤطريين.
أهم ما ميّز هذا القطاع هو فتح باب الإنتاج البين إفريقي كتجربة أولى من طرف الجزائر والتي استفادت منها 10 أعمال إفريقية، وهي التجربة التي استحسنها كلّ الحضور من مخرجين ومنتجين عرب وأفارقة، كما تمّ عرض الفيلمين الوثائقيين اللّذين تمّ إنجازهما بمناسبة التظاهرة وهما لأمين مرباح "تاريخ إفريقيا" وسليمان رمضان "الجزائر والحركات التحررية".
الوقوف ضدّ آخر معاقل الاستعمار في القارة السمراء
حضور الفن الرابع في هذه التظاهرة القارية كان تحت مظلّة الطبعة الأولى لمهرجان الجزائر الدولي للمسرح، حيث شهدت تقديم 39 عرضا بمعدل ثلاثة عروض يوميا بكلّ من قاعة "الموقار"، "الحاج عمر"، والمسرح الوطني "محي الدين بشطارزي"، قادمة من كلّ ربوع القارة السمراء سمحت لجمهور العاصمة بالتعرّف عن قرب على المسرح الإفريقي الذي كنا نجهل عنه الكثير.
المهرجان شهد أيضا تنظيم ملتقى حول "المسرح الإفريقي بين الأصالة والمعاصرة" الذي خرج بمجموعة من التوصيات أهمّها إنشاء مركز ثقافي للبحث حول المسرح وصندوق إفريقي لتمويل البحوث المسرحية، تخصيص جائزة أحسن نصّ مسرحي إفريقي وتبادل المسرحيات الإفريقية المصوّرة، إلى جانب تشجيع إفريقيا على الاضطلاع بمختلف أشكالها المسرحية التعبيرية بمراعاة تنوّعاتها، بحث الطرق والوسائل الكفيلة بحماية التراث السردي، تحديد آفاق علمية جديدة لمسرح إفريقي أصيل، تجميع كلّ ما له علاقة بالإشكالية الشفوية والأقنعة والتجربة الإبداعية، تمكين الباحثين من التلاقي دوريا، نشر المسرحيات الإفريقية، وكذا تشجيع المبادلات والتعاون ما بين الأفارقة في إطار أهداف الوحدة الإفريقية وذلك من أجل إحياء التقليد المسرحي.
كما كانت المناسبة فرصة لتكريم عدد من أعمدة الفن الرابع في إفريقيا، والأهم من كلّ ذلك تلك الحركية التي خلقها المسرح الوطني بساحته الخارجية وفضاء الاحتكاك الذي جمع بين الفنانين الأفارقة والفنانين الجزائريين بل والجمهور الذي ظلّ محيطا بساحة المسرح الوطني على امتداد أيام المهرجان، إضافة إلى تلك الوقفة التاريخية التي سجّلها الفنانون الأفارقة إلى جانب القضية الصحراوية من خلال بيان نادوا فيه بسقوط آخر معاقل الاستعمار في القارة السمراء.
العلامة الكاملة للموسيقى
كانت للموسيقى العلامة الكاملة بإعادتها الحياة للعاصمة في الليل، وإخراج العائلات من قوقعتها وجدران منازلها إلى مختلف الساحات التي احتضنت الحفلات على غرار "مدرج فضيلة الجزائرية" بمعهد الموسيقى، ساحة الكيتاني، مركب رياض الفتح، ساحة البريد المركزي، ساحة قصر المعارض وغيرها، حيث عشنا أجواء لم نرها منذ سنوات طويلة حتى قبل العشرية السوداء خلقتها العائلات التي تسير في ساعات متأخرة من الليل لحضور مختلف الحفلات حتى في الأحياء الشعبية التي كانت توصف بالحارة على غرار باب الوادي وساحة الشهداء، وهذا أكبر نجاح للمهرجان الثقافي الإفريقي.
وقد شارك في هذه الحفلات أهمّ الأصوات الفنية الجزائرية على غرار الشاب خالد، الشاب فوضيل، الشاب بلال، لطفي دوبل كانون، لونيس آيت منقلات، وأمازيغ كاتب الذي اعتبرت حفلاته من أنجح الحفلات، وكذا الأصوات الإفريقية على غرار موري كانتي، يوسوندور، سيزاريا ايفورا ...إلى جانب أكثر من 17 فرقة فنية جاءت من مختلف الدول الإفريقية.
هذا إلى جانب نشاط الجوق السنفوني الوطني الذي نشط العديد من الحفلات وتكريم عثمان بالي فقيد الأغنية الترقية وسفيرها الذي حمل "حقيبة الثقافة الأصيلة" إلى كلّ القارات "دون اعتماد" فشرّف حضور الجزائر الثقافي فكرم خلال المهرجان بفضاء يحمل اسمه بقصر المعارض بالعاصمة.
لوسي تزور الجزائر
التظاهرة شهدت أيضا تنظيم العديد من الملتقيات الهامة التي كانت افتتاحيتها بملتقى غاية في الأهمية وهو ملتقى "الانثروبولوجيا الإفريقية" الذي نظّمه المركز الوطني لبحوث عصور ما قبل التاريخ والتاريخ وعلم الإنسان، والذي يعدّ الأول من نوعه في إفريقيا بمشاركة 62 متخصّصا في علم الإنسان من 40 دولة افريقية وأوربية.
وفي هذا السياق شهد مهرجان الثقافة الأفريقية في الجزائر حضور لوسي "جدة البشرية" إلى الجزائر وبالضبط إلى متحف "الباردو" في أوّل خرجة لها بعد عودتها إلى مسقط رأسها إثيوبيا عائدة من الولايات المتحدة الأمريكية.
ومن بين أهمّ الملتقيات التي نظمت كذلك في إطار التظاهرة الملتقى الدولي حول فكر وأعمال فرانس فانون بالمكتبة الوطنية وشهد حضور أدباء وباحثين وطنيين وأفارقة من المغرب العربي وجزر الأنتيل وإفريقيا السوداء، وذلك بهدف تسليط الضوء على الأعمال الأدبية والفنية للمناضل فانون.
إلى جانب ملتقى "الاستعمار والحركات التحرّرية في إفريقيا" الذي احتضنه قصر الثقافة "مفدي زكريا" على مدار أربعة أيام وشكّل موضوع استغلال النفوذ وتناقضات النزعة الاستعمارية لفرنسا على مستوى مستعمراتها أهمّ محاوره، وكذا ملتقى "المرأة الإفريقية ورهان التنمية" الذي استعرض من جهته إشكالية البناء الاجتماعي للفوارق بين الرجال والنساء وانعكاسه على الواقع الاقتصادي والثقافي.
لقاءات، طوابع وفقاعات إفريقية
باب المعارض والفن التشكيلي شهد هو الآخر حركية كبيرة عبر العديد من المعارض التي احتضنتها فضاءات مختلفة أهمّها قصر المعارض الصنوبر البحري، والمتحف الوطني للفن الحديث والمعاصر، حيث شهد قصر المعارض تنظيم معرض للفنون التشكيلية شهد مشاركة 60 فنانا إفريقيا من السنغال، التشاد، الكاميرون، أوغندا، جنوب إفريقيا، الصحراء الغربية، نيجيريا، كوت ديفوار، مصر وتانزانيا...إلى جانب 20 فنانا جزائريا، وقد تقرّر إقامة هذا المعرض كلّ سنتين على غرار معارض الفنون للقاهرة وداكار التي تنظّم مرّة كلّ سنتين هي الأخرى.
كما احتضن رواق "عمر راسم" بشارع باستور معرضا للطابع البريدي الإفريقي وضمّ ما يفوق 2400 طابع بريدي ومجموعات جمعتها وقدّمتها جامعة الطوابع "نور الهدى" والتي تمّ تصنيفها حسب مختلف المواضيع المتعلقة بالتاريخ، الثقافة، التنمية والحياة اليومية.
من جهتها شهدت "دار عبد اللطيف" تنظيم معرض جماعي تحت شعار "لقاءات" جمع كلا من النحّات النيجيري ألوزي أونييرويها والمصوّر الفوتوغرافي دافيد برازيي من الزيمبابوي والرسّام الفرنسي الجزائري ياسين مقناش، كما شهد قصر الثقافة "مفدي زكريا" معرضا للحرف والصناعات التقليدية ضمّ الحلي بمختلف أنواعها من مرجان، خشب، فضة، عاج ومواد أخرى.
كما توّج معرض الأشرطة المرسومة بنشر مؤلف للأشرطة المرسومة تمّ إنجازه على مستوى المدرسة العليا للفنون الجميلة بالجزائر والذي يستمد جذوره من القصص والروايات الإفريقية، وذلك على هامش معرض للشريط المرسوم الإفريقي جمع ما لا يقل عن 60 فنانا جاءوا من 18 بلدا إفريقيا تحت شعار "الفقاعات الإفريقية بالجزائر".
حضور قوي للكوريغرافيا
وكان للرقص وعروض الكوريغرافيا حضور قوي من خلال المهرجان الدولي للرقص المعاصر الذي عرف مشاركة 18 فرقة إفريقية، 6 فرق جزائرية، ثلاث فرق عربية وفرقتين من فرنسا، وقد شهدت سهرة الافتتاح عرضا كوريغرافيا متميّزا حمل عنوان "البديل" للمصمم قدور نور الدين بمشاركة 48 راقصا في حين كان حفل الاختتام فسيفساء جمعت كل الفرق المشاركة.
وذلك إلى جانب المهرجان الدولي للرقص الشعبي بسيدي بلعباس الذي عرف مشاركة أكثر من عشرين بلدا من أوروبا وإفريقيا في طبعته الخامسة ويتعلّق الأمر بالبرتغال، جمهورية التشيك، كرواتيا، سوريا، لبنان، مصر، إفريقيا الجنوبية وزمبابوي إضافة إلى العديد من الفرق الفنية الوطنية القادمة من ولايات تيزي وزو، ورقلة، عين تموشنت، أدرار وتيارت.
وعادت الجائزة الأولى للفرقة الزامبية "باموتزي"، أمّا الجائزة الثانية فعادت لفرقة "باكالما" من السنغال في حين عادت جائزة أحسن عرض للفرقة الفلكلورية لبوركينا فاسو، وقد شهدت التظاهرة سهرات فنية من إحياء مطربين وموسيقيين منهم لطفي دوبل كانون، صافي بوتلة، موري كانتي، محمد لمين، آيت منقلات والشاب فوضيل.
أزياء بأنامل مبدعين متميّزين
لم تغب عروض الأزياء الإفريقية عن التظاهرة حيث تمّ تنظيم العديد من العروض لمصمّمين أفارقة وجزائريين على غرار عرض الأزياء "عندما تكسو إفريقيا العالم"، والذي تناول الخياطة التقليدية وكذا تصميمات عصرية وجمع مصمّم أزياء جزائري إلى جانب ستة مبدعين آخرين من بلدان إفريقية على غرار ميخائيل كرا من كوت ديفوار، المصمّم الكامروني إيمان أييسي، المصمّم ألفادي من المالي، المصممة بيبيتا دي، وكذا المصممة الفرنسية -السينيغالية ميريام ديوب والمصمّم الجزائري كريم سيفاوي ...
إلى جانب معرض للأزياء الأثيوبية بالمعهد الوطني لفنون العرض ومهن السمعي البصري الذي سجّل تميّزا كبيرا وغيرها من العروض الجزائرية والإفريقية.
تعاون ثقافي واستعداد لموعد تلمسان
ومن بين أجمل ما شهدته التظاهرة والذي يعدّ بمثابة الدليل الملموس على نجاحها، توقيع الجزائر على اتفاقيتين للتبادل الثقافي، الأولى مع إفريقيا الجنوبية والثانية مع بوركينافاسو وتشمل هذه الأخيرة مجمل المجالات الثقافية.
وقد جاء هذا الاتفاق الموقّع عليه من طرف وزيرة الثقافة السيدة خليدة تومي ووزير الثقافة البوركينابي والناطق الرسمي للحكومة السيد فيليب سافادوغو ل"ترجمة اتفاقية واغادوغو التي جرى توقيعها سنة 2007 بين البلدين في المجال الثقافي".
ليكون حفل الافتتاح الذي وقّعه كمال والي وحفل الاختتام الذي وقعه الثنائي فريد عوامر وسفيان أبو لقرع تتويجا لحركة ثقافية وفنية نتمنى أن لا تنقطع ولا تكون مجرد مناسبة تزول بزوال شروطها، خاصة وأنّ الجزائر سعت إلى ربط أواصر المحبة والتبادل مع بعدها المتوسطي، القاري، والعربي من خلال تظاهرة "سنة الجزائر بفرنسا 2003"، ثم تظاهرة "الجزائر عاصمة الثقافة العربية في "2007، والآن مع "عودة إفريقيا 2009"، في انتظار احتضانها لاحتفالية "تلمسان عاصمة الثقافة الإسلامية 2011".
سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)