الجزائر - A la une

المسترشد بالله العباسي الخليفة الشهيد



المسترشد بالله العباسي الخليفة الشهيد
لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِالمسترشد بالله العباسي .. الخليفة الشهيدهو أمير المؤمنين المسترشد بالله أبو منصور الفضل بن المستظهر بالله أحمد بن المقتدي بأمر الله عبد الله بن محمد بن القائم عبد الله بن القادر القرشي الهاشمي العباسي البغداديبويع للمسترشد بالله بالخلافة سنة 512ه وخطب له على المنابر وقد كان ولي العهد من مدة ثلاث وعشرين سنة وكان الذي أخذ البيعة له قاضي القضاة أبو الحسن الدّامغاني ولما استقرت البيعة له هرب أخوه أبو الحسن في سفينة ومعه ثلاثة نفر وأحسن إليه فقلق المسترشد بالله من ذلك فراسل دبيس بن صدقة _ملك العرب صاحب الحلة المزيدية- في ذلك مع نقيب النقباء الزّينبي فهرب أخو الخليفة من دبيس فأرسل إليه جيشاً فالجأوه إلى البرّية فلحقه عطش شديد فلقيه بدويَّان فسقياه ماء وحملاه إلى بغداد فأحضره أخوه إليه فتعانقا وبكيا وأنزله الخليفة داراً كان يسكنها قبل الخلافة وأحسن إليه وطيب نفسه وكان مُدَّة غيبته عن بغداد أحد عشر شهراً واستقرت الخلافة بلا منازعة للمسترشد.من صفاته وشعرهكان للخليفة المسترشد بالله خط بديع ونثر صنيع ونظم جيَّد مع دين ورأي وشهامة وشجاعة وكان خليقاً للإمامة قليل النظير كان يتنسك في أوَّل زمنه ويلبس الصوف ويتعبد وختم القرآن وتفقه ولم يكن من الخلفاء من كتب أحسن منه وكان يستدرك على كُتَّابه ويصلح أغاليط في كتبهم وكانت أيامه مكدّرة بتشويش المخالفين وكان يخرج بنفسه لدفع ذلك ومباشرته إلى أن خرج فكُسر وأسر ثم استشهد على يد الملاحدة وقد سمع الحديث وكان له نظم ونثر مليح ونبل رأىوكان المسترشد بالله شاعرًا فمن شعره:أنا الأشقر الموعود بي في الملاحم *** ومن يملك الدنيا بغير مزاحمستبلغ أرض الروم خيلي وتُنتضى *** بأقصى بلاد الصَّين بيض صوارمي.وقيل: إنه قال لما أسر مستشهداً:ولا عجبًا للأُسد إن ظفرت بها *** كلاب الأعادي من فصيح وأعجمفحربة وحشيّ سقت حمزة الرَّدى *** وموت عليّ من حُسام ابن ملجم.جهود الخليفة المسترشد بالله في إرجاع هيبة الخلافةقام الخليفة المسترشد بالله بأعمال إصلاحية جذبت إليه تأييد الناس ثم دعاهم للجهاد ضد المتمردين الذين عاثوا فساداً في بغداد وما حولها وبخاصة دبيس بن صدقة صاحب الحلة ودخلت أعداد كبيرة تحت راية الخليفة الذي قادهم ضد دبيس وانتصر عليه [في عام 526ه وكان لهذا الانتصار أثر كبير في نفوس الناس فكسب الخليفة تأييد الرأي العام وولاءه واستطاع أن يستعيد بعض نفوذه السياسي.حصار الخليفة المسترشد بالله للموصلحاصر الخليفة المسترشد بالله الموصل قرابة ثلاثة شهور ولم تجد نفعاً عروض عماد الدين زنكي بدفع الأموال للخليفة مقابل أن يفك الحصار عن هذه المدينة ولما أدرك الخليفة عدم جدوى الحصار عاد إلى بغداد.ويظهر أن عماد الدين زنكي خشي مغبة خلافه مع الخلافة العباسية فأراد أن يصلح ما أفسده سابقاً بعدائه لها فأرسل في سنة 528ه إلى الخليفة المسترشد بالله أحد قضاة الموصل ومعه التحف والهدايا والخيل والسلاح طالباً الصلح فوافق الخليفة وكانت موافقة الخليفة على الصلح مع عماد الدين زنكي أكبر دليل على حكمته وحنكته السياسية حيث أتاح له هذا الصلح التفرغ الكامل للسلاجقة فضلا عن كونه استطاع أن يحول عداء زنكي إلى صداقة وولاء.القتال بين الخليفة والسلطان مسعودلم تنته متاعب الخليفة المسترشد بالله مع السلاجقة فقد نقض السلطان مسعود اتفاقه مع الخليفة فكان رد الفعل المباشر لهذا هو قطع الخطبة له في بغداد كما أن السلطان مسعود ضعفت سلطتة 528ه بعد أن انضم معظم عسكره إلى أخيه طغرل.على أن الخليفة المسترشد بالله ما لبث أن دعا مسعودًا إلى القدوم إلى بغداد يعيده إلى منصبه فلبى مسعود دعوته وكان هدف الخليفة هو الاستفادة قدر الإمكان من نزاع السلاجقة لإضعافهم ولهذا أخذ يحرض السلطان مسعود على السير لحرب أخيه طغرل. ولكن السلطان مسعودًا لم يجب طلبه.وتجدد الخلاف بعد ذلك بين الخليفة المسترشد بالله وبين السلطان مسعود فقد اكتشف وزير الخليفة خطاباً أرسله طغرل إلى بعض الأمراء الموالين له في بغداد فقبض الخليفة على أحدهم بينما لجأ الباقون إلى السلطان مسعود ورفض أن يسلمهم للخليفة فغضب الخليفة منه وأمره بالرحيل عن بغداد فخرج منها في شهر ذي الحجة من عام 528ه.غير أن الخليفة علم بمسير طغرل على رأس جيشه إلى العراق فاضطر إلى مصالحة السلطان مسعود ليقفا معًا في وجه عدوهما المشترك ثم جاءت الأخبار بوفاة طغرل وهو في طريقه إلى بغداد فسار السلطان مسعود إلى همذان وتولى الحكم في أول عام 529ه ولما استقرت السلطنة لمسعود في همذان أخذ الأمراء الذين لجأوا إليه خوفاً من الخليفة يحرضونه على المسير لحرب الخليفة لإخضاعه للنفوذ السلجوقي فانصاع السلطان مسعود إليهم وأخذ يجهز جيشه لمهاجمة بغداد مما حمل الخليفة على قطع الخطبة له وأخذ يعد العدة لحربه.وقوع الخليفة المسترشد بالله في الأسر ومقتلهثم خرج الخليفة المسترشد بالله من بغداد لقتال السلطان مسعود ويذكر ابن الأثير أن جيش الخليفة المسترشد بالله كان سبعة آلاف جندي بينما لم يتجاوز جيش عدوه ألفا وخمسمائة جندي إلا أن السلطان مسعود لجأ إلى السياسة وأخذ يستميل أمراء الأطراف الذين كانوا على اتصال بالخليفة.ولكن تريث الخليفة في الطريق ساعد السلطان مسعودًا على استمالة أولئك الأمراء وضمهم إلى جيشه وكان الخليفة يعتقد أنه إذا خرج للقتال فسيكون الناس إلى جانبه ضد السلاجقة لكن الأمور لم تسر وفق ما خطط لها المسترشد بالله بل حدث العكس فلما التقت قواته بجيش السلطان مسعود غدر به الأمراء الأتراك وأتباعهم فانسحبوا من جيشه وانضموا إلى جيش السلاجقة فانهزم جيش الخلافة ووقع الخليفة نفسه في الأسر [مع خواصه فحبسهم السلطان مسعود بقلعة بقرب همذان.فبلغ أهل بغداد ذلك فحثوا على رءوسهم التراب في الأسواق وبكوا وضجّوا وخرجت النساء حاسرات يندبن الخليفة ومنعوا الصلاة والخطبة وكسروا منابر الجوامع. قال ابن الجوزي: وزلزلت بغداد مراراً كثيرة والناس يستغيثون فأرسل السلطان سنجر إلى ابن أخيه مسعود يقول: ساعة وقوف الولد على هذا الكتاب يدخل على أمير المؤمنين ويقبل الأرض بين يديه ويسأل العفو والصفح فقد ظهر عندنا من الآيات السماوية والأرضية ما لا طاقة لنا بسماع مثلها فضلاً عن المشاهدة من العواصف والبروق والزلازل وتشويش العساكر وانقلاب البلدان.ولقد خفت على نفسي من جانب الله تعالى وظهور آياته وامتناع الناس من الصلوات في الجوامع ومنع الخطباء مما لا طاقة لي بحمله فالله الله بتلافي أمرك وتعيد أمير المؤمنين إلى مقر عزه وتحمل الغاشية بين يديه كما جرت به عادة السلاطين من قبلنا ففعل السلطان مسعود جميع ما أمر به وهم فيما هم فيه إذ هجم سبعة عشر رجلاً من الباطنية على الخليفة وهو في خيمته فقتلوه وقتلوا معه جماعة من أصحابه فما شعر بهم العسكر إلا وقد فرغوا من شغلهم فأخذوهم وقتلوهم فلما وصل الخبر إلى بغداد واشتد ذلك على الناس وخرجوا حفاة مخرقي الثياب والنساء ناشرات الشعور يلطمن على خدودهن ويقلن المراثي لأن المسترشد كان محبباً فيهم وكانت دولته سبع عشرة سنة وسبعة أشهر وعاش ستاً وأربعين سنة.
سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)