الجزائر - A la une

"المدينة الجزائرية فقدت بريقها وتبقى بعيدة عن هويات المدن الكبرى"





حرص المهندس الجزائري، محمد حسين طلبي، على عدم حصر الثقافة في الاحتفاليات والمهرجانات، لأن، حسبه، الثقافة في الأساس تتعدى إلى مجالات أخرى، منها ثقافة العيش في المدينة وكيفية التعامل مع الشارع إلى غير ذلك من الأمور، فثقافة المدينة يضيف طلبي، تتأسس على قوانين: ”في الجزائر نستخدم مدينة موروثة في حين أن المدينة ينبغي تأسيسها وفق قواعد وركائز معينة، فمدن العالم سارت متقاربة بحكم وجود آليات تساعد على ذلك، عكس ما هو حاصل عندنا فالإهمال قضى على التراث، والبنية الأساسية للمدينة خاصة وأنها مبنية على أسس ميتة أصلا”.ويرى طلبي أن المدينة الجزائرية مدينتان، الأولى تلك التي استعادها الجزائريون بعد الاستقلال وقدمت له ذاتها بكل ما تحمله من بنية ومؤسسات إلى غاية السبعينات، ومدينة طرأ عليها تغيير وجملة من التحولات التي بدأت تعمل على انهيارها. ويرجع طلبي هذا الانهيار إلى مجموعة من العوامل، أبرزها الانتقال المفاجئ من الريف إلى المدينة دون التحصن بثقافة المدينة، إضافة إلى التزايد في اللا محسوب لعدد السكان وسط غياب استراتيجية واضحة لاحتضان هذا الكم السكاني الهائل، ما جعل المدينة الجزائرية تستفيق في المرحلة الأخيرة على هذا الركام المغلق اجتماعيا، إنسانيا وثقافيا.ويبرز المهندس الجزائري الذي شارك في تصميم أكبر الأبراج في مدينة دبي الإماراتية، حيث يملك باعا طويلا في هذا المجال وخبرة تصل إلى 35 سنة في ميدان الهندسة إضافة إلى 18 مؤلفا في مختلف التخصصات، أنه يمكن ترميم المدينة القديمة عبر استخدام الطرق الصحيحة للترميم، وأعطى مثالا بالبريد المركزي الذي أهمل لسنوات، والآن يقوم المسؤولون المحليون بإعادة طلائه، والأمر نفسه، يضيف طلبي، ينطبق على باقي بنايات العاصمة ”بالعودة قليلا إلى الوراء وفي العهد الاستعماري أو السنوات الأولى من الاستقلال، كانت كل بنايات العاصمة في الشوارع الرئيسية يقام دهنها مرتين في السنة حتى تبقي على بهائها، ولكن في وقتنا هذه المشاريع تستغرق وقتا طويلا وتزيد من عرقلة الحركة سواء وسط الراجلين أو أصحاب السيارات، وهنا اقترح أن يقوم المسؤولون باتخاذ خطوة جادة وذلك من خلال هدم كل البنايات المحيطة بالبريد المركزي والإبقاء عليه كمعلم تاريخي تراثي، واستبدال تلك المباني بمواقف للسيارات تحت الأرض واستغلال الجزء العلوي لبنايات أخرى للسكان والخدمات، وهذا ما سيعطي المبنى بعدا سياحيا آخر”.وأعطى محمد حسين طلبي مثالا آخر في شارع العربي بن مهيدي وهو ”أروقة العربي بن مهيدي” والتي كانت عبارة عن سوق قديم ومعلم تاريخي يزوره الكثيرون سواء للتسوق أو التمتع بطابعه العمراني الجميل، لكن، يقول طلبي، جاءت وزارة الثقافة وقامت بترميمه بطريقة خاطئة عبر تغيير لونه الطبيعي حتى فقد بريقه.ويضيف المتحدث ”حتى قصبة الجزائر تم تشويهها من خلال البناءات الفوضوية التي قضت على النسق العمراني الجميل للقصبة القديمة، حيث تم استبدالها ببنايات حديثة شوهت التراث العمراني للقصبة، وأفقدتها هويتها الأصلية.ويرى طلبي أن المعالم الثقافية يجب أن تكون ضمن مساحات مستقلة تخدم السياحة، وتضيف للمدينة ”المداخيل الأساسية للمدينة تأتي من السياحة، فمدينة باريس مثلا تعتمد على السياحة في إثراء ميزانيتها وتهيئة المدينة خاصة برج ”إيفل” الذي تعاد تهيئته كل سنة حتى يبقى محافظا على هيئته المعتادة ويساهم في استقطاب السياح”.واعتبر المتحدث أن أهم شيء في المدينة هو إبراز المعالم الموجودة فيها، فتقريب الناس إليها شيء مهم، وإبرازها يحيي المدينة ويعطيها قيمة إضافية، وهذا مرتبط بجملة من المعالم الأساسية للمدينة.وأوعز طلبي غياب استراتيجية سياحية إلى غياب الارتباط بالمكان من طرف السكان، فالجزاريون، يقول المتحدث، محتاجون إلى ثقافة الارتباط بالمكان.وفي الأخير، قال المتحدث إن التقنيات الحديثة كفيلة بالقيام بأي تغيير دون المساس بالبنية الأساسية للمدينة، حيث يمكن التحكم في كل شيء بسهولة، ما سيسمح أكثر بتعلق الجزائري بمدينته وإتاحة حياة مقبولة.


سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)