الجزائر

المبادرات السياسية تفرق المعارضة وتوحد الموالاة




فجرت الانتخابات الرئاسية التي تفصلنا عنها أشهر معدودات عدة مبادرات سياسية أطلقتها التشكيلات السياسية الوطنية سواء تلك المحسوبة على الموالاة والتي اختارت لمبادراتها عنوان «الاستمرارية»، أو بالنسبة لأحزاب المعارضة السياسية التي بنت مبادراتها على أساس «المرحلة الانتقالية»، على غرار المبادرة التي تسوّق لها حركة مجتمع السلم، تحسبا للرئاسيات القادمة تحت عنوان «مبادرة التوافق الوطني»، والتي تحمل في طياتها نقاطا عديدة مشتركة مع المبادرات التقليدية التي عمدت إلى إطلاقها أحزاب التيار الاشتراكي، كمبادرة الإجماع الوطني التي لازال «الأفافاس» متمسكا بها، ومبادرة حزب العمال الداعي إلى انتخاب «مجلس تأسيسي»، فيما ظهرت بين هذا وذاك مبادرات «توافقية» يسعى أصحابها إلى كسب مكانة أكبر في الساحة السياسية في إطار حرب التموقع التي تتزامن مع اقتراب الرئاسيات، ومنها مبادرة «الجزائر للجميع» التي تعمل حركة البناء الوطني على الترويج لها.ووجدت الكثير من التشكيلات السياسية في اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية القادمة، فرصة لبعث مشاريع سياسية ضمن مسعى للإحماء وتنشيط المشهد السياسي تحضيرا لهذا الاستحقاق الهام الذي لم يظهر فرسانه «الشجعان» إلى حد الآن، إذا ما استثنينا إعلان الحركة الاجتماعية والديمقراطية عن ترشيح مناضلها فتحي غراس.
ومن بين أهم المبادرات السياسية التي برزت في الآونة الأخيرة، تلك التي اجتمعت حولها الأحزاب المساندة لبرنامج رئيس الجمهورية تحت شعار «الاستمرارية»، واعتمدتها كعنوان لاتفاقها على ترشيح الرئيس بوتفليقة، لعهدة رئاسية جديدة من أجل مواصلة مسيرة الإنجازات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والأمنية..
هذه المبادرة التي يرتقب تفعيلها في المستقبل القريب خلال اجتماع ينتظر أن يجمع كل التشكيلات السياسية والتنظيمات الداعمة لترشح السيد بوتفليقة لرئاسيات 2019، تضم كافة الأحزاب السياسية المعروفة بمساندتها لرئيس الجمهورية منذ 1999، وفي مقدمتها حزب جبهة التحرير الوطني والتجمع الوطني الديمقراطي وكذا التحالف الوطني الجمهوري، وحزب الكرامة، فضلا عن الأحزاب التي التحقت بها بمناسبة العهدة الرابعة على غرار تجمع أمل الجزائر «تاج». كما تضم مجموعة «الاستمرارية» الكثير من المنظمات الجماهيرية ذات الانتشار الواسع، ومنها أكبر تكتل نقابي وطني ممثل في الاتحاد العام للعمال الجزائريين، وكذا التنظيمات الممثلة للأسرة الثورية من مجاهدين وأبناء الشهداء وتجمعات طلابية أعلنت هي الأخرى دعمها لترشح الرئيس بوتفليقة، لعهدة خامسة ورفعت بمناسبة جامعتها الصيفية الأسبوع الماضي بتلمسان، شعار «جيل بوتفليقة والاستمرارية».
المعارضة تلتقي عند المرحلة الانتقالية
على النقيض من ذلك وجدت أحزاب المعارضة في اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية فرصة لابتكار مبادرات جديدة بمسميات مختلفة، حيث برزت مبادرة حركة مجتمع السلم المعنونة ب»مبادرة التوافق الوطني» والتي تدعو من خلالها إلى إحداث «مرحلة انتقالية عمرها خمس سنوات تؤسس لانتقال ديمقراطي واقتصادي يتم بمرافقة المؤسسة العسكرية ويقود خلالها رئيس توافقي تلك المرحلة».
واللافت للانتباه في مبادرة حركة حمس هو أن هذه الأخيرة لم تشرك هذه المرة شركاءها السياسيين في إطار ما كان يعرف ب»تنسيقية الانتقال الديمقراطي»، بالرغم من كون عدد معتبر من النقاط التي حملتها المبادرة لا يعتبر جديدا مقارنة بما كان يطرح في إطار التنسيقية المذكورة. فيما تمثل جديد حمس في قرارها الخروج بالمبادرة من الإطار الضيق الذي كانت تقدم فيه هذه المبادرة والذهاب بها إلى كافة التشكيلات السياسية الممثلة في الساحة بداية من جناح أحزاب الموالاة، كونه يمثل رقما أساسي في نجاح المبادرة أو فشلها، حيث باشرت الحركة بقيادة رئيسها عبد الرزاق مقري، جولة أولى من النقاش والتشاور مع الأحزاب السياسية لم ترق إلى مستوى تطلعات أصحابها، في انتظار ما ستسفر عنه الجولة الثانية التي تعتزم حمس مباشرتها بعد عطلة عيد الأضحى المبارك.
ولم تشأ أحزاب أخرى معارضة أن تبقى مكتوفة الأيدي من حمى المبادرات السياسية التي ظهرت لتعيد بدورها طرح مبادراتها «القديمة الجديدة»، مثلما هو الحال بالنسبة لحزب العمال الذي يعتبر «المجلس التأسيسي» هو الحل المفصلي لجميع المشاكل الحالية ويتأتي ذلك حسبه بإعادة انتخابات المجالس المنتخبة من المستوى المحلي إلى المستوى الوطني، مع إشراك جميع الأحزاب والفعاليات في التأسيس لهذا المجلس عبر ممثليه . ولا تكترث مسؤولة الحزب لويزة حنون، لكون مبادرة حزبها قديمة وتجاوزها الزمن بل تعتبرها صالحة لكل المراحل، لافتة إلى أن الفرق الأساسي بن مبادرة حزبها ومبادرات الأحزاب الأخرى يكمن في كون مبادرتها موجهة للشعب مباشرة، في وقت توجه فيه مبادرات غيرها للأحزاب السياسية.
وقد أطلق حزب العمال حملة جمع توقيعات لإنجاح مبادرته غير متوان في دعوة رئيس الجمهورية لاحتضانها. وذهبت الأمينة العامة للحزب إلى أبعد من ذلك بانتقادها زملائها في الساحة السياسية واتهامهم بممارسة المزاد السياسي، ووصفهم ب»العارضين في غياب المشتري» لكنها هي الأخرى ركبت الموجة لتقديم مبادرة المجلس التأسيسي التي سبق وأن روجت لها في سنوات الماضية، دون أن تلقى أي صدى.
والحقيقة أن حزب الأفافاس، الذي يعتبر من أول الأحزاب التي طرحت فكرة المجلس التأسيسي يعد أول المعلنين عن مبادرات التوافق والإجماع بطرحه مبادرة «الإجماع الوطني» في سنة 2014، غير أن عرضه قوبل بالفشل بعد أن أدارت السلطة والمعارضة ظهرها لمشروعه، واكتفى هذه المرة بالتذكير بأن مبادرته هي الحل، مؤكدا تمسكه بها إلى أن يتم تجسيدها على أرض الواقع وبالتالي تحقيق الإجماع الوطني المنشود.
المبادرات تشتت فرقاء المعارضة قبيل رئاسيات 2019
وإذا كانت المبادرات السياسية التي أطلقتها أحزاب الموالاة بمثابة نعمة عليها كونها جمعت شملها حول مشروع واضح المعالم والأهداف، وكون القاسم المشترك بينها هو «رئيس الجمهورية وبرنامجه الرئاسي»، فقد تسببت مبادرة حمس في تفريق أحزاب المعارضة أكثر من ذي قبل ووسعت الهوة بينها، حيث لقيت مبادرة «التوافق الوطني» التي تحفّظت عنها أحزاب الموالاة على غرار الأفلان والأرندي، انتقادات لاذعة من الأغلبية الساحقة لأحزاب المعارضة، كما هو الشأن بالنسبة للارسيدي، الذي ذهب إلى حد اعتبار مبادرة حمس تشكل خطرا على الديمقراطية، كونها تدعو إلى تدخل الجيش في السياسة وهي النقطة الرئيسية التي «عزلت» مقري وجماعته، بعد أن طالته سهام الانتقاد أيضا من الأمينة العامة لحزب العمال، ورئيس الجبهة الوطنية الجزائرية وكذا غريمه في المعارضة الإسلامية الأمين العام لحركة النهضة، محمد ذويبي، الذي اعتبر الدعوة الخاصة بتدخل الجيش «غير مقبولة بتاتا».
نفس الموقف الرافض لمبادرة حمس عبّر عنه زعيم حزب العدالة والتنمية عبد الله جاب الله، الذي لم يتوان في نصح مقري، بمراجعة حساباته فيما يخص هذه النقطة والعدول عنها نهائيا. ما جعل حمس تفكر جديا في مراجعتها.
المبادرات تنشط المشهد السياسي
ومن بين النقاط الايجابية للمبادرات أنها نشطت المشهد السياسي الجزائري قبيل الانتخابات الرئاسية التي لم يعد يفصلنا عنها سوى 8 أشهر، في حال تنظيمها في موعدها الرسمي أي أفريل 2019، حيث غطت هذه المبادرات عن مشهد آخر كان يفترض أن تتسم به المرحلة، والمتمثل في إعلان أسماء المتنافسين لهذا الموعد الانتخابي المصيري، غير أنه لحد الآن لم يظهر أي فارس ذي وزن ثقيل لهذا الحدث الوطني الهام.
وبينما أعلنت بعض الأحزاب عن خيارها بالنسبة للرئاسيات القادمة وأرجأ بعضها الآخر قرار الفصل إلى حين اجتماع هياكلها الشورية والتشاورية، فضّلت بعض الأحزاب السياسية التريث وعدم استباق الأحداث كالحركة الشعبية الجزائرية، ورئيسها عمارة بن يونس، الذي حتى وإن يعرف بكونه من الداعمين لرئيس الجمهورية، حيث نشط لصالحه الحملات الانتخابية في سنة 2009 و2014، غير أنه لم يشهر لحد الآن دعمه لترشح الرئيس في ظل عدم إعلان هذا الأخير ترشحه بشكل صريح.
في المقابل اختارت بعض الأحزاب على غرار حركة البناء الوطني، التخندق في موقع يتوسط جناحي «الاستمرارية» و»الانتقالية»، بإعلان مبادرة «الجزائر للجميع» معيدة بذلك طرح الأفكار الأساسية لمدرسة الراحل الشيخ محفوظ نحناح، الأمر الذي اعتبره الكثير من المتتبعين تحضيرا من الحركة التي يرأسها الوزير السابق للسياحة بن قرينة، للعودة إلى أحضان السلطة من خلال لعب دور في الانتخابات الرئاسية القادمة، وذلك بعنوان المشاركة الايجابية والمعارضة الإصلاحية التي تروج لها هذه الحركة.
فحتى وإن كانت حركة البناء الوطني لم تعلن صراحة دعمها لمبادرة «الاستمرارية» إلا أنها لم تستبعد إمكانية الالتحاق بها، تاركة قرار الفصل لمجلسها الشوري الذي سيجتمع في الخريف القادم.
الجيش ينأى بنفسه عن «المبادرات» و»المهاترات» السياسية
من الأثار العكسية التي نتجت عن إعلان حمس لمبادرتها تلقي هذه الأخيرة لرسالة واضحة من المؤسسة العسكرية التي دعت السياسيين إلى الابتعاد عن إقحامها في المتاهات السياسية.
وأخرجت مبادرة «التوافق الوطني» وما صاحبها من سجال وجدل سياسي قيادة الجيش الوطني الشعبي من صمتها، مشددة على ضرورة الابتعاد عن الزج بالجيش في مهاترات سياسية، وذكرت بالمهام الدستورية للجيش الوطني الشعبي المتمثلة في الدفاع عن الوطن وحماية وحدته ترابه وسيادته..
ومع استمرار الجدل الذي صنعته بعض الأطراف بالزج باسم الجيش في النقاشات السياسية، عادت المؤسسة العسكرية إلى التأكيد بأن الجيش الوطني الشعبي ينأى بنفسه عن المزايدات السياسية، مؤكدا في العدد الأخير من مجلة «الجيش» بأنه «مؤسسة جمهورية تضطلع بمهامها الدستورية وهي الدفاع عن حرمة الوطن وأمنه واستقراره، حريص كل الحرص على النأي بنفسه عن كافة الحسابات والحساسيات السياسية»، قبل أن تخلص إلى أن «المسؤوليات الجسيمة الملقاة على عاتق الجيش تقتضي وعي الجميع بأن الابتعاد عن إقحامه في المسائل التي لا تعنيه يعتبر واجبا وطنيا تستلزمه المصلحة العليا للجزائر».
سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)