الجزائر - A la une

"الكلمة" تحيي أربعينية سعد الله




بادرت جمعية ”الكلمة للثقافة والإعلام” مؤخّرا بإحياء أربعينية الراحل أبو القاسم سعد الله بحضور جمع من رفقائه وتلامذته الذين قدّموا شهادات عنه، كلّها وفاء لمسيرته الحافلة بالإنجازات العلمية والمواقف الوطنية والإنسانية السامية، بالنادي الثقافي ”عيسى مسعودي” للإذاعة الوطنية.أشار رئيس جمعية ”الكلمة” عبد العالي مزغيش في الكلمة التأبينية التي ألقاها، أنّ ما يجمع الحضور الكريم هو التاريخ، الثقافة والرجال مطالبا إياه بالوقوف دقيقة صمت على روحي الراحلين سعد الله ورابح بلعيد، واستحضر المتحدّث يوم وفاة الراحل عبد الله الركيبي، فبينما كان الجمهور ينتظره بالمدرسة العليا للأساتذة ببوزريعة لتكريمه من طرف جمعية ”الكلمة”، نزل خبر وفاته كالصاعقة على الجمهور، ليتّجه حينا إلى مقر سكناه وهناك وجد من بين الأوائل المعزين الراحل سعد الله كعادته سباقا في واجباته الاجتماعية خاصة مع أصدقائه ورفقائه.من جهة أخرى، استرسل مزغيش في الحديث عن خصال الراحل معتبرا إياه فارس الكلمة والزاهد والمناضل الذي لم يتخلّف يوما عن الواجب، لذلك فإنّ سيرته تجاوزت عمره الزمني بكثير، بالمناسبة قرأ بعضا من شعره كتبه ليلة وفاة سعد الله عندما كان متأثّرا كغيره من الذين يقدّرون هذا الرجل العلامة، يقول مطلعه ”أيموت سعد الله كلاَ غير أنّ الموت راحة عالم يتغيب”.بعدها تمّ عرض جزء من حصة تلفزيونية بعنوان ”حوار” للأستاذ حمراوي حبيب شوقي استقبل فيها منذ 23 سنة الراحل سعد الله عارضا أغلب الكتب التي نشرها، معرّفا بالتفصيل بمسيرة الرجل الذي بدا متواضعا وهادئا يرد ببساطة ووضوح على الأسئلة دون لف أو دوران أو تشدق أو نرجسية، فحديثه كلّه كان عن العلم والبحث وعن أحوال الجزائر دون تجريح أو نيل من أحد، وذلك عبر 50 دقيقة من عمر الحصة.من ضمن الأسئلة التي طرحها حمراوي على الراحل، رفضه مرتين لمنصب وزير ليرد سعد الله ”أنا اعتذرت ولم أرفض من باب اعتقادي أنّ بالجزائر الكثير من الكفاءات غيري التي أعتز بها، كما أنّ العرض يمثّل لي ثقة في شخصي، لكنّني فضّلت دائما البحث العلمي كي لا تشغلني أية مهمة سواه زيادة على اقتناعي بأنّ لكلّ مجاله ومكانه”.وعن مهمة التأسيس لمدرسة تاريخ جزائرية، اعتبر الراحل في هذا اللقاء التلفزيوني أنّها ظهرت منذ العشرينات من القرن العشرين، خاصة مع الشيخ مبارك الميلي الذي أنجز كتابه المهم ”تاريخ الجزائر القديم والحديث”، مشيرا في نفس الوقت إلى أنّ الاستعمار الفرنسي احتكر تاريخنا الوطني من خلال مدرسة التاريخ الكولونيالية التي بدأت بكتابات العسكر الفرنسيين في القرن ال19م.ويضيف الراحل أنّه بعد الاستقلال ظهرت تباشير المدرسة التاريخية الجزائرية نتيجة الوعي واليقظة، ليعاد كتابة هذا التاريخ بأسس علمية، وبالنسبة لتاريخ الثورة، أكّد الراحل أنّها ثورة عالمية وإنسانية، وبذلك فإنّه لا ضر من أن يكتبها مؤرّخون أجانب أكفاء ونزهاء، كما أنّ كتابة هذا التاريخ ليس حكرا حسبه- على جيل واحد، فالكتابة ممتدة عبر الزمن.فيما يتعلق بالتأريخ الرسمي، أشار سعد الله إلى أنّه يتأخّر أحيانا بدافع التفاسير والتحاليل المقدمة من طرف مؤسسات علمية مختصة، أمّا التأريخ الشعبي فلا بد من سرعة توثيقه لأنّه يمثّل المادة الأولية للذاكرة الجماعية، ودعا في هذا الحديث إلى نبذ الفردية والأنانية والحساسية اتجاه الآخر في كتابة التاريخ، فغالبا ما يخشى الأفراد كتابة هذا التاريخ نتيجة خوفهم من المكتوب، وهو ما جعل غيرنا يكتبون تاريخنا وينشرون مخطوطاتنا القيّمة حتى تلك الضاربة في التاريخ باعتبار الجزائر كانت دوما نقطة تلاقي الحضارات وجزءا حيويا ساهم في الحضارة المشرقية والإفريقية والأورو متوسطية.أوّل المتدخلين في هذا اللقاء كان رفيق الراحل الأستاذ عبد القادر نور الذي أكّد أنّ صديقه الراحل سعد الله سلمه منذ سنتين كلّ ما كتبه، أي كلّ آثاره، كي يحفظها له بما فيها المحاضرات والندوات، الترجمات، التآليف وغيرها، وعادت الذكريات بالأستاذ نور إلى أيام الدراسة بالقاهرة إبان الثورة، حينها درس لمدة 4 سنوات مع الراحل سعد الله الذي كان متفوّقا، نشطا ومناضلا مدافعا عن الثورة، معرّفا بها في الأوساط الجامعية والثقافية، وفي هذه السنوات أخرج ديوانه الشعري الأول ”النصر للجزائر” وروّج لهذا الديوان جزائريا وعربيا تشجيعا لهذا الطالب المناضل.أكّد المتحدّث أنّ الراحل أثناء دراسته كان يسجّل كل ما يصادفه في يومياته وكان مهموما بمأساة وطنه وشعبه، وكوّن في هذه الفترة صداقات مع الأشقاء العرب استغلها لخدمة الثورة، كما كان يحثّهم على ترك خلافاتهم جانبا والانشغال بالقضايا المصيرية التي تجمعهم.رغم عنفوان الشباب – يضيف الأستاذ نور- كان الراحل بعيدا عن الطيش والتسرّع وكان يكتفي بابتسامته الهادئة ولا يميل إلى الضحك والهزل على اختلاف المواقف المحفزة على ذلك، هذه الصرامة والاجتهاد غير العادي دفعت بالثورة إلى تكريمه من خلال بعثة دراسية إلى الولايات المتحدة الأمريكية، حصل فيها على شهادة الدكتوراه في اختصاص التاريخ بمذكرة عن ”تاريخ الحركة الوطنية الجزائرية”، وأثناء تواجده في هذا البلد لم ينس الراحل أصدقاءه وكان يراسلهم دوما، يتحدّث فيها معجبا عن المكتبات الضخمة ذات ال 5 ملايين كتاب، وتأسّف المتحدّث لبعض التهميش الذي طال الرجل لكنه في المقابل أشاد بأسرته وزوجته العظيمة التي وقفت إلى جانب زوجها إلى غاية رحيله.استحضر الشاعر عبد القادر السائحي وبعض رفقاء الراحل الحادثة التي أحزنت الراحل سعد الله وبقيت جرحا بداخله لسنوات طويلة لم ينسها حتى وفاته والمتعلّقة بوثائق غاية في الأهمية جمعها بالخارج خاصة بتاريخ الجزائر، وضعها في حقيبته لكنّها سرقت منه في إحد المطارات الأوروبية بطريقة مقصودة ومخطط لها، وأكّد السائحي أنّ الراحل شقّ طريقه بنفسه واجتهد في العلم والأدب وكان عدو الجزائر هو عدوه، عمل في هدوء بعيدا عن الأضواء، ومما أنجزه ذكر دوره في اتحاد الكتاب الجزائريين عندما أشرف عليه سنة 1974 من خلال استحداث لجنة برئاسته قصد إعادة المعربين إليه.من مواقف الراحل التي ذكرها المتحدث، وفاؤه لأهله وشيوخه، كمعلمه الذي كان يزوره باستمرار بقمار إلى حين وفاته وبكى عليه تماما كما بكى رفيقه الركيبي ليبقى همه حتى رحيله التأسيس لمدرسة تأريخ جزائرية.من جهته، اعتبر الأستاذ محمد الصالح حرز الله الراحل من عشّاق المغامرة والدروب الوعرة التي لم يسلكها غيره، فكان شغوفا بالريادة، سواء في القصة أو في الشعر أو التأريخ وهكذا، لكنه في المقابل لم يكن مغرورا أو متعجرفا بل رجل تصوّف وأخلاق عالية ابتعد عن الشهرة الزائفة والمناصب المغرية.توالت الشهادات، ومنها شهادة الأستاذ خليفة بن قارة الذي عرفه صحفيا متمكّنا سافر معه واكتشف تواضعه وجرأته أيضا، كما تشرّف أن كتب له سعد الله مقدّمة بعض كتبه منها ”الجزائر الصديق اللدود” و«الإذاعة الجزائرية كما رأيتها وأراها” ناهيك عن الإرشادات التي كان يقدّمها لكلّ مؤلّف يقصده.استحضر بن قارة إحدى تصريحات الراحل التي هزت الرأي العام، أدلى بها في حصة كانت تبثها الإذاعة الوطنية بعنوان ”مع رجال الفكر والأدب”، هاجم فيها الأدب الجزائري المكتوب بالفرنسية، مؤكّدا أنّه يخدم الفرونكوفونية ولا يخدم أدبنا الجزائري في شيء، كما كان الراحل يمقت الثقافة المناسباتية ويحذّر من الاشتراك فيها، وكانت له مواقف سياسية مشرفة منها موقفه من قانون تمجيد الاستعمار الصادر في 23 فيفري 2005، حيث لام الطبقة السياسية والثقافية على صمتها، كما هاجم في فترة من الفترات الأحزاب الجزائرية المؤّسسة على مبادئ عرقية أو جهوية أو قبلية أو دينية لأنّها – حسبه – أدّت إلى فوضى في المجتمع.من جانبه، استحضر الأستاذ محمد الأمين بلغيث ذكرياته مع الرجل، إذ كان طالبا عنده بالجامعة لمدة سنتين، كان يدرّس الطلاب من التاسعة صباحا حتى الواحدة ظهرا دون توقّف وبتمكّن عجيب يتواضع فيه للطالب ويناقشه ليرفعه إلى مستواه، ناهيك عن أخلاقه العالية واحترامه للطلبة كأنّهم هم الأساتذة العلماء، مما جعلهم يبقون أوفياء له وحريصون على بقاء رابطتهم به، فكان ملء السمع والبصر.


سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)