الجزائر - A la une

العصابة تفقد "أبواقها" الحزبية



لا يزال الشارع الجزائري "يتحرك" من أجل حماية مكاسب لم تستكمل بعد بالشكل المطلوب، رغم تماطل مقصود من طرف، وتحفظ مقبول من طرف آخر. ما الذي يحدث منذ 22 فبراير الماضي؟ هل كان الجزائريون يتوقعون أن تتهاوى "أصناما" ازدحمت بهم الساحة الوطنية على مدى العشرين عاما الأخيرة؟لعل من أهم المكاسب التي لم يكن أحد يتخيلها، هو أن يتحول سجن الحراش "الرهيب" إلى مأوى لقادة الموالاة التي خدمت الرئيس المستقيل عبد العزيز بوتفليقة وشقيقه الأصغر السعيد على مدى سنوات، لتكون النهاية مشتركة وواحدة، هي السجن.
فقد كانت البداية مع الأمين العام للتجمع الوطني الديمقراطي "الأرندي"، أحمد أويحيى، الذي تلاه عمارة بن يونس (رئيس الحركة الشعبية)، ثم جمال ولد عباس، الأمين العام السابق لحزب جبهة التحرير الوطني "الأفالان"، والبوق الإعلامي للعهدة الخامسة منذ 22 أكتوبر 2016، وأخيرا عمار غول، رئيس حزب تجمع أمل الجزائر "تاج"، الذي ظل وفيا لخطه المؤيد لبوتفليقة إلى النهاية.
تهم هؤلاء تختصر في عنوان عريض واحد، وهو تبديد المال العام ومنح امتيازات من دون وجه حق للغير، والثراء غير المشروع الذي ينظر إليه الرأي العام الوطني على أنه حق الشعب المسلوب باسم الوظيفة التي تبوءوها على مدى السنوات العشرين السابقة.
وتزيح هذه التطورات "المقززة والمخزية"، الستار عن مستوى "الانهيار الأخلاقي" داخل نظام الحكم، بعد تحوّل من كان ينادي بحياة الرئيس بوتفليقة ونظامه، من بوق للدعاية المأجورة وعصا لكسر الخصوم والمخالفين في الرأي، إلى متهمين ينامون خلف القضبان ينتظرون رحمة من الله تنزل عليهم، ويتعلقون بخيط أمل رفيع يمسك به "كمشة" من المحامين الذين "يحتكرون" ملفات قضاياهم (باسم نقابة تنتظر أن يطالها الحراك هي أيضا)، دون ترك المجال لغيرهم من الجيل الجديد، لأسباب غير معلومة قد تكشفها الأيام القادمة، أسوة بما حصل في جهاز القضاء حيث يسير نحو التحرر لاستعادة كرامته واحترام الشعب.
وإن كان أويحيى، الذي ثبت على وفائه ل "خدمة الدولة والنظام الذي أعطاه كل شيء"، أول من دفع ثمن الولاء للنظام نفسه الذي شارك في بنائه، وهو يتفكك تدريجيا منذ 22 فبراير تحت وقع الحراك، فإن جمال ولد عباس لم يكن يتصور وهو في منتصف الثمانين من العمر، أن ينزع الطقم الرسمي ويرتدي لباس المساجين بتهمة "نهب المال العام"، في بلد يقول إنه قدم شبابه لأجله وضحى من أجل طرد الاستعمار منه.
ولطالما تساءل الجزائريون: من أين كان يستمد ولد عباس كل هذه "الشجاعة" ليتحدى بها الملايين من المواطنين، مصرا على مدح مبالغ فيه للرئيس المستقيل؟! كما يتساءلون عن "المسوغات" التي دفعت رئيس الحركة الشعبية الجزائرية عمارة بن يونس للتهجم على الشعب ومعارضي استمرار بوتفليقة في الحكم، برغم فقده للأهلية الدستورية، بل والإنسانية.
أما عندما نتكلم عن عمار غول، الذي يتلقى منذ تنازله عن حصانته البرلمانية طواعية، سيلا من الانتقاد والتشفي من طرف منتسبين إلى الإعلام والصحافة خاصة، كانوا إلى غاية 22 فبراير، يحجون إليه ويجالسونه، فإن المصيبة أكبر وأضرارها على سمعة الدولة وخيمة ومدعاة للقلق.
لقد حطمت إحالة أويحيى وبن يونس وولد عباس وغول سجن الحراش، بتهم مهينة للدولة والمؤسسات التي استضافتهم باسم شرف المنصب والمسؤولية من أجل خدمة الوطن والمواطن، جدار "الاحترام"، وجعلت الوظيفة لدى الحكومة أو "خدمة" الوطن، وصمة عار بسبب خبايا المطلوب من هؤلاء القابعين في سجن الحراش البوح بها خلال جلسات المحاكمة، طلبا للصفح من الشعب أولا وأخيرا، ولعل أبرزها كيف رضيتم بالنزول إلى هذا المستوى من الدناءة والانحطاط الأخلاقي لتكونوا معاول هدم بدل البناء، وكيف صرتم أدوات للنهب والسرقة باسم أشخاص لا يملكون لأنفسهم اليوم، بفضل الوعي والإصرار الشعبي على تطهير البلاد منهم، حولا ولا قوة.
ورغم كل ما تحقق من مكاسب، فإن تحييد كل رموز النظام الظاهرة لا يكفي، وحري بالذين التزموا بحماية مطالب الشعب المشروعة واعترفوا ب "استباحة" الدولة ومؤسساتها لخدمة شخص أو مجموعة أو جهة، البحث الدقيق عن رموز العصابة المخفيين، الذين ينتظرون الوقت المناسبة للعودة مجددا للمشهد السياسي والمؤسساتي بداعي رحيل النظام السابق و"أقزامه"، ويقوموا بحراكهم المضاد.
وهؤلاء لا يزالون "يعيشون" في جهاز القضاء، وفي الجماعات المحلية، ودواليب الإدارات والمرافق العمومية ذات الصلة بالأملاك العقارية الوطنية والبنوك والضرائب والجمارك، وواجب على أصحاب النوايا الحسنة تعريتهم وتقديمهم للمحاسبة، مثلهم مثل آمريهم وأربابهم في السجون، ولا سبيل لتحييدهم إلا بإطلاق يد القضاء بعيدا عن الانتقائية ومحاولات التوظيف من أجل تصفية حسابات، وقبل طمس آثار الجرائم، وخاصة في مجال نهب العقار بتواطؤ المسؤولين الجهويين لمديريات مسح الأراضي والمحافظات العقارية.
لقد فضح حبس رموز الدولة وأقزامها من رجال أعمال وسياسيين "مفبركين"، مستوى التفسخ والتفكك الذي ضرب الدولة منذ أكثر من عشرية، وتحديدا منذ تعديل الدستور في 2008، وتحوّل الجزائر إلى ملكية ل"تحالف مناطقي فاسد وحاقد" على الشعب وحقه في الحياة الكريمة، قوامها عدالة مستقيمة، وتعليم وطني وسيادي، وخدمات صحية ذات كفاءة وفعالية.
سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)