الجزائر - A la une


العرض والطلب
ما تقوم به ”داعش” وأمثالها من التنظيمات الإرهابية الخارجة عن الدين والدنيا، يعطي أمثلة حية عن كل هذه الأسس العلمية والقوانين الاقتصادية والأعراف الأخلاقية التي تتعطل وتفقد أثرها ومصداقيتها حالما تدخل منطقتهم وتعشش في ديارنا. خذوا مثلا قانون العرض والطلب. حتى تلامذة المدارس يعرفونه. عندما يزداد الطلب وينخفض العرض يزداد السعر. وعندما ينخفض الطلب ويزداد العرض ينخفض السعر. ولكن، خذوا الحكومة العراقية ومن نحا نحوها من الحكومات العربية تجدوا أن هذا القانون لا يسري عليهم. ما سر المشاكل التي يواجهها رئيس حكومة عند تشكيل الوزارة؟الجواب واضح؛ وهو أن الجميع يريد منه منصبا وزاريا. فهنا، نجد مثالا لزيادة العرض وقلة الطلب. المفروض، حسب قانون العرض والطلب، أن تنخفض رواتبهم لزيادة العرض. ولكن هذا لم يحدث، بل بالعكس رأينا رواتب الوزراء ترتفع من يوم إلى يوم. فما نحتاجه حقا هو زعيم يخفّض رواتبهم لينصرفوا عن الوظيفة ويفتشوا عن عمل أكثر مربحية. يقول لهم: من يرد وزارة المعارف ندفع له ألف دينار شهريا فقط. والدفع دائما بالدينار. سيجد القوم ينصرفون عن هذه الوزارة ويطالبون بوزارة الدفاع، لأن فيها مقاولات مليونية. وعندئذ، يقول لهم: من يرد وزارة الدفاع، فعليه أن يدفع هو شهريا للدولة 10 آلاف بالدولار الأميركي. وعندئذ سيجد القوم ينفضون من حوله. وما السبب؟ السبب هو وجود قانون آخر يتعارض مع قانون العرض والطلب، ألا وهو قانون العركة على الكعكة، الذي ينص على أنه كلما كبرت الكعكة ازدادت لها شهية الآكلين. كل من اشتغل وناضل في السياسة ينتظر حصته من الكعكة حسب كبرها ورونقها وحلاوتها، وليس حسب مساهماته فيها. وهاكم مثالا آخر على ما أقول. هناك قاعدة تقسيم العمل. عرفناها منذ أيام آدم سميث. تتبعت كل الدول الصناعية الغنية هذه القاعدة في العمل والتصميم والإنتاج. ولكنها لا تنطبق علينا. خذوا مثلا بعض الملالي والمشايخ الذين كانوا يتكلمون باسم الدين ويعظون المسلمين في المساجد. فتّش عنهم تجدهم يلبسون العمائم نفسها، ولكنهم يترأسون عصابات إرهابية. يحثون الناس على عمل الخير واحترام حياة الناس في النهار، ولكنهم يصنعون القنابل والمتفجرات في الليل. وبعيدا عن كل متطلبات قانون تقسيم العمل، تجد كل واحد منهم إماما في الجامع وإرهابيا في السوق وسائق سيارة مفخخة في الطريق ومأذونا لزيجات وطلاقات الجهاد وزعيما سياسيا حزبيا وفيلسوفا في فضائل القتل والنهب والاغتصاب وبانكيرا في البيت ومليارديرا في سويسرا. وكله في وجبة واحدة تقض مضاجع آدم سميث في قبره.


سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)