الجزائر - A la une

الخيار العسكري العربي ... ما حطمته الثورات العربية أحيته المقاومة في غزة




الخيار العسكري العربي ... ما حطمته الثورات العربية أحيته المقاومة في غزة
قرأت في ما مضى كتابا رائعا للفقيد الفريق "سعد الدين الشاذلي" (1922 - 2011) يلخص فيه نظرته حول حرب خاطفة للجيوش العربية هدفها هزم إسرائيل و استرداد الأراضي المحتلة، أي وضع حد لتبجح هذا المخلوق الصهيوني. بعد أكثر من 30 سنة من صدور الكتاب و في ظل العدوان الإسرائيلي على أهلنا في غزة كان لابد من طرح السؤال "ماذا بقي للعرب من خيار؟".اشتهر الفريق "سعد الدين الشاذلي" الرجل بأنه كان قائد القوات المصرية في حرب 1973 و مهندس لأحد أهم نجاحات العرب في نضالهم ضد الصهيونية، المجسدة في دولة إسرائيل، المتمثل في معركة العبور شرق القناة و الهجوم المصري الناجح على خط الدفاع الإسرائيلي بارليف . في نظر الجنرال الخيار العسكري العربي يبنى على تحالف عسكري للجيوش العربية لاسيما دول المواجهة، تلتزم فيه كل الدول العربية بتقديم كل ما لديها من طاقات لخدمة القضية الأم للأمة العربية التي هي تحرير فلسطين. فتحالف لجيوش كل من مصر، سوريا، العراق و الأردن تسانده دول العمق الاستراتيجي كالجزائر، السودان، المغرب و السعودية يمكنه قلب التوازن العسكري نحو العرب على كل الأصعدة سواء برا، بحرا أو جوا. بل حتى في حالة تدخل حليف إسرائيل الأبدي، الولايات المتحدة الأمريكية، فان المأزق الذي تكون فيه لن يكون له مخرج أو على الأقل مخرج عسكري.شرح رئيس أركان حرب القوات المسلحة المصرية أيضا توازن القوى بالأسلحة غير التقليدية مذكرا بامتلاك إسرائيل لمجموعة من أسلحة الدمار الشامل يقابلها (كان الكاتب جازما و صدقه التاريخ فيما بعد) امتلاك سوريا، العراق و مصر لأسلحة كيميائية و بيولوجية إضافة لقدراتها بالصواريخ الباليستيكية التي تمكنها من ضرب عمق إسرائيل. هذا التوازن حسبه سيمنع إسرائيل من أي قرار غبي باعتبار أن الرد العربي سيكون مدمرا و قاتلا لكيان عدد سكانه 4 ملايين في مساحة محدودة. نبه أيضا الفريق لقدرات العرب في استعمال أسلحة أخرى كسلاح البترول الذي اثبت التاريخ انه سلاح فعال أثناء لهيب المعركة (حرب اكتوبر 1973). إضافة إلى أن خيارا عسكريا تسانده دولا إسلامية كإيران و باكستان سيجعل إسرائيل على مرمى حجر من الاندثار.بعد أكثر من ربع قرن من الزمن مليء بالعواصف الهوجاء التي حلت بالأمة، و كان العرب كالعادة الطرف الخاسر في ملخص الأحداث، أبرزها حروب الخليج والربيع العربي (ربيع ملؤه الشوك و ليس الأزهار)، أصبح واقع الدول العربية عسكريا في مواجهة الكيان الإسرائيلي يكاد يكون معدوما. فقد حطمت حروب الخليج بتواطؤ عربي أقوى جيش عربي حينذاك، حيث جعلت العراق يغرق في ثمالة الطائفية و العرقية، وتم على إثر غزو الولايات المتحدة الأمريكية للبلاد حل الجيش العراقي. مباشرة بعد معاهدة "كامب ديفيد" أصبحت مصر ضلا للسياسة الأمريكية وطغت مشاكلها الداخلية على قدراتها في ريادة الدول العربية لتحقيق أي انجاز سواء أكان عسكريا أو سياسيا. حطمت الثورات العربية الجيش السوري فأصبح مجموعة حرس شخصي لرئيسه بعد أن كان احد أقوى الجيوش في المنطقة. أصبح رصيد الدول العربية من أسلحة الدمار الشامل يساوي صفرا بعد ان حرصت الأمم المتحدة على سحل العرب من كل سلاح كلما سنحت الفرصة (قرار مجلس الأمن رقم 687 بالنسبة للعراق - قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2118 بالنسبة لسوريا) . أما معاهدة الدفاع المشترك لجامعة الدول العربية ما هي سوى كذبة أخرى من الكذاب لأنها، أي الجامعة، لم تكن يوما ما هيئة ذات سلطة على الدول العربية. ملخص مسار الأحداث و بمرارة ....هو انهيار الخيار الذي تصوره الفريق سعد الدين الشاذلي بيد لا إسرائيلية و لا أمريكية .... بل عربية.في خضم الأحداث ظهر مفهوم جديد في مواجهة إسرائيل لكنه إنسانيا قديم هو "المقاومة". يظن الكثيرين أن نهاية المعركة تكون بوصول دبابات العدو إلى قلب الأرض و احتلالها للوطن . الحقيقة التي يؤكدها التاريخ هي أن المعركة لازالت حامية الوطيس مادام القلب وفيا للوطن ومادامت الروح تحيى بنبضات الأمة،و خير مثال على ذلك المائة و الاثنان و الثلاثون (132) سنة التي قضتها فرنسا في أرضنا الجزائرية الغالية، والتي انتهت بخروجها حاملة لشر هزيمة.لقد أحيت المقاومة بأرضنا المحاصرة "غزة" الخيار الذي تخافه إسرائيل و يخافه اليهود (المواجهة حتى الموت) بدليل الآية رقم ( 96) من سورة البقرة قال تعالى: " وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُواْ يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ وَمَا هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ الْعَذَابِ أَن يُعَمَّرَ وَاللّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ". ففي مساحة صغيرة من الأرض المحاصرة من كل جهة وإمكانيات محدودة قدمت المقاومة الإسلامية فصلا آخر من البطولة و الشجاعة، ميّزه ضربها عمق إسرائيل بصواريخها وتقنياتها المتطورة و المنجزة في ورشات بسيطة ( الصواريخ م 75، أر 160، جي-80، براق-70 ، طائرة بدون طيار، غواصات). كذلك عملت المقاومة بخيارات عسكرية غاية في الدقة عنوانها السرية و التنسيق الميداني العالي والمشترك بين كل فصائل المقاومة . أتت النتائج باهرة بدليل ما اعترف به العدو في حد ذاته، فلم يتقدم بأمتار إلا و زادت خسائره و ضربت كبريائه في الصميم. و أصبح لأول مرة في تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي طرف مجاهدينا يرفض وقف إطلاق النار و إسرائيل توافق.يعجز اللسان عن شكرنا لهؤلاء الذين فدوا الأرض بالدم و اعادو الأمل للأمة. فهل للتاريخ أن يعيد نفسه لنعيش ما عاشه المسلمون بعد معركة عين جالوت، فقد عانت الأمة الإسلامية عقودا من الانحطاط و الرداءة قبل تلك الواقعة حيث واجه المسلمون ضغطا مزدوجا طرفاه الحملات الصليبية و المد التتاري في ذلك الزمن، لكن الانتصار في رمضان كان من أهم نتائجه توحد مصر و الشام لدحر التتار و الصليبين فيما بعد. فهل يا ترى توحدنا غزة لرد الأرض المسلوبة.رحمة الله عليك أيها الفريق كنت لتتمنى أن تعيش يوم انتصارنا الذي هو آت لا محالة.(*) جامعة الجلفة




سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)