الجزائر - A la une


الخلط الذي أزعج القضاة
انتفض القضاة، وتخلوا عن التحفظ المعروفين به ليشتكوا من حملات، وأحكام وتعاليق، وكتابات تتهمهم بعدم الحيادية في الأحكام التي يصدرونها بخصوص قضايا بعينها في المدة الأخيرة، وتضرب مصداقيتهم.هل وصل فعلا التشكيك في قرارات العدالة إلى الحد الذي دفع نقابة القضاة إلى التنديد بالحملة الشرسة التي تستهدف القضاة، وتهدد باستعمال كل الوسائل والطرق الشرعية لمواجهتها؟.في الحقيقة فإن بعض ما سمعناه و قرأناه في المدة الأخيرة يخلط كثيرا بين السياسة والإعلام، وبين القضاء كسلطة قائمة بذاتها مهمتها تطبيق القانون وفقط، ويمكننا القول دون حرج أن السياسة في بلادنا طغت على كل شيء و قفلت الكثير من الزوايا، وذلك واضح تمام الوضوح، ليبقى فقط البحث عن مسببات هذا التوجه. و يبدو أن طغيان السياسة هذا حجب الرؤية حتى عن النخب التي توصف عادة بالمثقفين، الذين صاروا لا يفرقون بين ما هو من مجال الفكر، والسياسة، والإعلام والرأي والايديولوجيا، وبين ما هو من اختصاص القانون إداريا وجنائيا وجزائيا، وقد لوحظ هذا في التعاطي مع قضايا عديدة عالجها القضاء في السنة الأخيرة.فالاختلاف الإيديولوجي والسياسي المطروح على مستوى الأحزاب السياسية والصالونات والمجالس، وعلى صفحات الجرائد و القنوات التلفزيونية حول قضايا وطنية مهمة وحساسة نقل إلى المحاكم بشكل خام ليعقد الأمور أكثر ويبعد الحقيقة عن طالبيها، فالموقف السياسي يبنى على رؤى ذات خلفيات إيديولوجية وفلسفية، و مصلحية معينة، أما تحرك جهاز العدالة في قضية ما فيكون مبنيا على دلائل وقرائن مادية ملموسة، وهذا هو الفرق.ولما يصل الأمر بوزير العدل حافظ الأختام إلى الدعوة عدة مرات بضرورة ترك السلطة القضائية تعمل، وعدم التشكيك في حيادها واستقلاليتها، فذلك دليل على أن السيل بلغ الزبى ، وهو نفس الدافع الذي جعل نقابة القضاة تتحرك وتعبر عن استنكارها وتنديدها بمن وصفتهم بعض الأقلام التي طعنت في مصداقية السلطة القضائية وشككت فيها في الأشهر الأخيرة. و اللافت في هذا أن الأحكام التي شككت فيها الاطراف المذكورة تخص قضايا سياسية وقضايا الرأي فقط، ولم يظهر أي تشكيك في قرارات العدالة لما يتعلق الأمر بقضايا أخرى تخص المجتمع في عديد المجالات، وتعالج يوميا بالعشرات على مستوى محاكم الجمهورية، وتصدر بشأنها يوميا أيضا أحكام متفاوتة، ما يدل دون شك على أن بعض الناس إنما يريدون من العدالة أن تسير حسب هواهم و حسب أمزجتهم، وقد يصلون إلى حد مخالفة القانون لما يتعلق الأمر بمصالحهم، وبقضايا و أراء تجاري مواقفهم السياسية والايديولوجية.ثم إن استقلالية العدالة إن أريد أن تفتح كموضوع للنقاش، فهو واسع ومتشعب ولا يمكن أبدا أن يطرح بشكل ظرفي ومحصور فقط كما يحلو للبعض، وفتح نقاش حول مسألة استقلالية العدالة يعني في المقام الأول المشتغلين بهذا القطاع، فهم الذين يمكنهم الحديث عن الموضوع سواء بالسلب أو بالإيجاب، إذ لابد من السماع قبل كل شيء لرأيهم قبل الشروع في بناء المواقف. و الذين يتحدثون عن استغلال القضاء في الصراعات السياسية هم في الحقيقة يريدون لهذا القضاء أن يكون إلى جانبهم و أن يدعم مواقفهم السياسية كذلك، ولا يدعون إلى أن يكون مستقلا بعيدا عما يطمحون إليه، وهو في النهاية استغلال أيضا من طرفهم للقضاء، ولا يمكن محاسبة أي قرار تصدره العدالة إلا من وجهة نظر قانونية بحتة، يكون مرتكزها الأساسي الدستور أولا ثم القانون و أحكامه، من هذه القاعدة فقط يمكن معرفة ما إذا كان أي حكم بعيدا عن القانون، أم مترجما لروحه.
سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)