الجزائر - Insécurité, délinquance, criminalité, contrebande

الجزائريون يكتشفون حرب العصابات على الطريقة الأمريكية



الجزائريون يكتشفون حرب العصابات على الطريقة الأمريكية
بلغت حالة اللاأمن في الجزائر مستويات لا تطاق، فالمجرمون الفرادى تحولوا إلى عصابات منظمة والسكاكين الصغيرة عوضتها السيوف والخناجر والاعتداءات البسيطة صارت جرائم قتل مروّعة والشجارات العابرة أصبحت معارك ضارية تستمر أياما بلياليها.. إنه الوضع المخيف الذي ينذر في حال تواصل منحناه في التصاعد بمستقبل مخيف.. أمام مشهد مروّع كهذا يكاد الجزائريون يشعرون باليأس من منظومة أمنية تستهلك الغالبية العظمة من إمكاناتها البشرية والمادية في تنظيم حركة المرور، وكأننا نعيش عصر ما قبل اختراع الأضواء الثلاثة، وفي نصب الحواجز وغلق الطرقات، وفي منع المسيرات وتفريق الاعتصامات
. مجهزة بمعدات أمن ومراقبة دورية
الرعب يحوّل 12 ألف فيلا إلى مراكز أمنية
تراقب كاميرات مركبة في أسوار 12 ألف فيلا موزعة عبر المدن الجزائرية، الحركة على مدار الساعة في الشوارع المحيطة التي باتت خصوصية الناس فيها غائبة. وتشير إحصاءات رسمية إلى أن 31 ألف منشأة تابعة للقطاع الخاص، مجهزة بأنظمة أمن إلكترونية ومراقبة بالفيديو، ولم يتوقف بعض الأثرياء عند تركيب كاميرات المراقبة بل جهزوا بيوتهم بأقفال إلكترونية ومعدات إنذار ضد السرقة والكسر والاقتحام.
أحصت وزارة الداخلية والمديرية العامة للأمن الوطني 12 ألف و200 فيلا سكنية، مجهزة بكاميرات مراقبة وأجهزة أمن إلكترونية للإنذار من السرقة والاقتحام والكسر. وشملت عملية الإحصاء التي اعتمدت على محاضر مخالفات سجلتها البلديات والشرطة خلال تركيب كاميرات مراقبة خارج حيز السكنات، وتراخيص إدارية للسماح بتركيب كاميرات مراقبة قبل العام 2009، الفيلات المملوكة للأشخاص دون احتساب السكنات والإقامات الرسمية التي جهز أغلبها بكاميرات المراقبة.
وأحصت الهيئتان 31300 محل تجاري وشركة خاصة وهيئة غير حكومية مجهزة بكاميرات المراقبة في المدن، وعلى هذا الأساس بات أكثر من 40 ألف شارع وممر وطريق، مراقبا على مدار الساعة من قبل الخواص. وتشير الإحصاءات إلى أن العاصمة وحدها تضم نصف كاميرات المراقبة المملوكة للخواص، منها 5400 كاميرا منزلية و17 ألف مركبة في منشآت ومحلات مملوكة للخواص.
وتتزايد، حسب أصحاب شركات تركيب كاميرات المراقبة، الطلبات من قبل الخواص لتأمين بيوتهم ومحلاتهم ومقرات الشركات. وحسب السيد مروان. م، حرفي تقني في الإلكترونيك وكهرباء السكنات، عمل في شركة خاصة مقرها بالعاصمة، فإن الطلب تزايد في السنوات الثلاثة الأخيرة على تركيب الأقفال الإلكترونية وأجهزة إنذار ضد السرقة، تعمل بأشعة الليزر والأشعة تحت الحمراء. ويضيف مروان ''من أغرب الزبائن الذين شاهدتهم في حياتي صاحب محل تجاري لا يتعامل مع أية أغراض غالية، وهو محل عادي في أحد أحياء العاصمة، إلا أن صاحبه جهزه بمعدات أمن كلفته أكثر من 40 مليون سنتيم''.
الداخلية منعت تركيب كاميرات في الشوارع
يقول عمر بابا عمي، وهو صاحب شركة تعمل في مجال الأمن والمراقبة، إن كل الشركات المعتمدة والتي تعمل في مجال تركيب أنظمة الأمن، تحترم القانون وقبله خصوصية الأشخاص ''فقد كنا نرفض تركيب كاميرات المراقبة قرب مقرات الشركات والفيلات خارج المدخل الرئيسي وبزاوية لا تسمح لصاحبها بتصوير ما يحدث في الشارع، ثم صدر قرار من وزارة الداخلية منعت بموجبه تركيب كاميرات المراقبة في الشوارع، ابتداء من العام 2009، إلا أن بعض الخواص يركبون إلى اليوم الكاميرات قرب بيوتهم بطرق سرية''..
وظهرت في الجزائر في السنوات الأخيرة، عشرات الشركات المتخصصة في تركيب معدات الأمن والمراقبة والإنذار والأقفال الإلكترونية، وفي البداية كان مجال نشاط هذه الشركات هو تجهيز البنوك ومقرات الهيئات الحكومية بمعدات الأمن والمراقبة والإنذار، ثم توسع نطاق عمل هذه الشركات فصار لها زبائن من أصحاب شركات القطاع الخاص. وحاليا تعمل أكثر من 300 شركة، حسب مصدر على صلة بالملف، في مجال تركيب معدات الأمن والإنذار، وتبقى المؤسسات العمومية والمرافق الإدارية أهم زبائن هذه الشركات. ويضيف السيد بابا عمي عمر، مسير شركة ''آتيكوم'' المتخصصة، أن سعر تجهيز فيلا سكنية بمعدات المراقبة وأجهزة الإنذار، يتراوح بين 20 و200 مليون سنتيم، وقد يزيد حسب طلبات صاحب الفيلا. وفي العادة، يضيف، ''نحن نعمل مع أصحاب قصور فخمة لا يهمهم السعر، ويصل ثمن تجهيز بعض الشركات إلى عدة مليارات''. ويكشف عمر ''يتزايد إقبال بعض الأثرياء الزبائن في العاصمة على أقفال إلكترونية تعتمد على البطاقة الذكية وأخرى تفتح بكلمة السر ويعتمد نظام الأقفال الإلكترونية على جهاز كمبيوتر داخلي وتجهيزات معقدة، تصل تكلفتها إلى 200 مليون سنتيم''.
ومن بين أجهزة الإنذار ضد السرقة المتاحة حاليا في السوق، جهاز صغير يشبه الهاتف النقال في الحجم، وهو يتيح لصاحبه سماع الأصوات في بيته أو محله وهو بعيد عنه بمئات الكيلومترات باستخدام شريحة هاتف نقال وجهاز ثانٍ يتصل بصاحبه فور وقوع طارئ، ويعتمد على شريحة هاتف ويعتمد أغلى الأجهزة على المراقبة بالأشعة تحت الحمراء.
القانون غير واضح
وحسب السيد محمد. م، إطار متقاعد من الأمن الوطني، فإن القانون غير واضح في مجال تنظيم عمل هذه الشركات وفي عمليات استيراد التجهيزات التي يصلح بعضها لممارسة التجسس على الآخرين، كما أنه لم ينصّ على جهة معينة تمنح الترخيص الإداري للأشخاص لتركيب تجهيزات لمراقبة الإنذار في بيوتهم. ولا يمكن للسلطات العمومية اكتشاف تركيب الكاميرات إلا بمحض الصدفة أو بعد إيداع شكوى من الجيران، كما أن مصالح الجمارك تعاني الكثير من الحرج أثناء مراقبة استيراد الأجهزة الإلكترونية التي تستعملها هذه الشركات، حيث لا وجود لنص قانوني يمنع استيراد هذه الأجهزة.

جماعات الأشرار تسيطر على معظم شوارع وأحياء المدينة
''الروسي'' و''دونغا'' و''الجربوع'' و''الروجي'' يرعبون عنابة
تحولت مدينة عنابة من جوهرة وعروس الشرق، إلى مدينة جماعة أشرار، بعدما أحكم أفراد هذه الأخيرة سيطرتهم على معظم شوارع وأحياء المدينة، باستخدام شتى وسائل الاعتداء لترهيب الضحايا وسلب حاجياتهم، ووصلت أساليب الاعتداء إلى حد إشهار السيوف والخناجر في وجه الضحايا حتى في أبسط عمليات السرقة، كما هو الأمر بالنسبة للهواتف النقالة.
كشف مصدر محلي من ولاية عنابة، أن مصالح الأمن أصبحت تستخدم طرقا جديدة في التعرف على هوية أفراد عصابات الأشرار، قادتها بالاعتماد على قائمة اسمية لمجموعة كبيرة من المجرمين تخلوا عن أسمائهم الأصلية، واستبدلوها بألقاب مستعارة مستوحاة من أسماء مجرمين عالميين ورياضيين نجوم وأسماء حيوانات، عبر الأحياء والشوارع لخلق التميز، وتحديد مجالات ومناطق النشاط الإجرامي لكل عصابة لتفادي الوقوع في صدامات بينها.
ويبقى العنصر الخطير الملقب بـ''الجيجلي''، الذي صدر في حقه حوالي 15 أمرا بالقبض والضبط والإحضار، يشغل بال مختلف أجهزة الأمن، جراء إفلاته في كل مرة من الكمائن الني تنصب له دوريا على مستوى مقر سكنه بحي واد النيل أو المناطق التي يتردد عليها، وكان آخرها تمكنه بمساعدة سكان حيه من الفرار من عناصر الدرك الوطني، الذين حاصروا مقر سكنه، قبل أن يخرج العشرات من السكان حاملين السيوف والخناجر لمواجهة قوات الدرك وتسهيل فرار هذا المجرم المبحوث عنه منذ سنوات.
ويواجه ''الجيجلي''، البالغ من العمر حوالي 25 عاما، عدة تهم خطيرة، متعلقة بالسرقة والاعتداء رفقة أفراد عصابته على مستعملي الطريق الوطني رقم ,44 حيث يقيمون حواجز مزيفة ليلا ونهارا من أجل سلب الضحايا حاجياتهم من مصوغات وأموال وتجهيزات إلكترونية. وأرجعت مصادر ''الخبر''، سبب عدم تمكن مصالح الأمن من القبض على هذا المجرم الخطير، الذي يحتمل أن يكون قد غادر التراب الوطني نحو إيطاليا على متن قارب للهجرة غير الشرعية، هو المساعدة التي يتلقاها من طرف سكان الحي، كونه يقوم بتوزيع ''غنائم'' السرقة عليهم صغيرا وكبيرا، إضافة إلى تبرعه دوريا بجزء كبير من عائدات السرقة لمسجد الحي.
قصص مدينة عنابة مع المجرمين الذين خلقوا الرعب فيها، لم تتوقف عند اسم ''الجيجلي''، بل تعدته إلى أسماء أخرى، على غرار زعيم عصابة الأثرياء المدعو ''دونغا''، 26 سنة، كناية عن اسم القائد السابق لمنتخب البرازيل لكرة القدم، والذي ألقي عليه القبض منذ أسابيع بعد رحلة بحث طويلة من طرف مصالح الأمن، إثر كمين نصب له رفقة 5 أفراد من عصابته بأحد المنازل الواقعة بالمدينة القديمة. وقد سبق لهذه العصابة أن قامت بعدة عمليات سطو وسرقة استهدفت منازل الأثرياء بأحياء الماجستيك ووادى القبة، كان آخرها سرقة مجوهرات ومبالغ مالية بقيمة 660 مليون سنتيم من منزل بحي ''فيدرو''.
ويواجه المجرمان الخطيران ''الجربوع'' و''جاجة''، قائمة طويلة من القضايا التي تمت إحالتها على العدالة للفصل فيها، لارتكاب هذين المنحرفين البالغين من العمر 25 و27 عاما سلسلة من جرائم الاعتداء والسرقة بالسلاح الأبيض المحظور، ولاسيما أن قوات الأمن وجدت صعوبة كبيرة في توقيف ''الجربوع''، بعدما تمت مواجهتها بالحجارة والسيوف من طرف أفراد العصابة، الذين حاولوا تحريره من قبضة الأمن، إثر مباغتته رفقة مجرمين آخرين كانوا رفقته داخل سيارة أجرة، كانت ستستخدم كوسيلة للاعتداء على الضحايا.



''الخبر'' تخترق عالم باعة الأسلحة بباب الوادي
سيف ''الساموراي'' بـ15 ألف دينار والخنجر اليمني بـ4 آلاف

من الصعوبة اكتشاف أماكن بيع السلاح الأبيض، واضطررنا لتحقيق غرضنا للاستعانة بوسطاء. والبداية كانت من السكوار بالعاصمة، وبالضبط من أحد محلات بيع الآثار والهدايا الذي لم نجد فيه سوى أسلحة الزينة قبل أن يوجهنا صاحبه إلى باب الوادي، الأمر الذي أوحى لنا بسهولة اقتناء قطعة سلاح محظورة. استغربنا للوهلة الأولى من جدوى وصف هذه الأسلحة بـ''المحظورة''، في وقت تحظى بتسويق جيد ويقبل عليها الشباب دون تردد.
خترنا دخول مغامرة ادعاء اقتناء السلاح، وخوض مخاطرها، حيث سارعنا إلى باب الوادي لتنفيذ الخطة، غير أننا لم نجد سيف الساموراي لنفاد الكمية التي أحضرها البائع الذي وُجهنا إليه، وطلب منا العودة بعد شهر، لأنه في الوقت الراهن لا يتوفر إلا على خناجر يمنية فقط ويصل سعرها إلى 4 آلاف دينار، مشيرا إلى أن قطعة السلاح التي نبحث عنها باهظة الثمن وسعرها يتجاوز 4 ملايين سنتيم. وبعد حديث مطول مع البائع عن نوعية الأسلحة التي يبيعها، استطعنا أن نكتشف أماكن أخرى تباع فيها السيوف والخناجر فتوجهنا إلى ''الدلالة'' بباب الوادي، لنجده كالعادة مزدحما بالباعة الفوضويين.
سؤالنا عن سيف الساموراي أضحك البائع قبل أن يجيبنا: ''هل تريدون قتل أحد؟''، سارعنا إلى النفي وادعاء حاجتنا إليه للزينة وتمكنا من إقناعه، ففكر قليلا ثم طلب منا الانتظار وذهب إلى الزقاق الخلفي للسوق وعاد ليوجهنا إلى سوق الفلاح بحي البازيطة بباب الوادي، وقبل أن نغادر طلب منا اختيار الأشخاص الذين نتحدث إليهم عن السيف وأن الأمر ليس سهلا كما نعتقد.
أسبوع من الانتظار للحصول على قطعة السلاح
بعد جولة بسوق الفلاح بباب الوادي دخلنا إلى محل لبيع الهدايا وسألنا صاحبه عن السيف، في بداية الأمر أنكر علاقته ببيع السيوف والخناجر وقال إن الشخص الذي أخبرنا بالأمر أراد فقط أن ينصب علينا، لكننا وبمجرد إقناعه أعطانا رقما هاتفيا لأحد باعة السلاح الأبيض فشلنا في الاتصال به وعدنا أدراجنا إلى ''الدلالة'' مرة أخرى، وأعلمنا الوسيط بأننا لم نجد غايتنا بـ''البازيطة''، فابتسم وأخبرنا بأنه أراد اختبارنا، وبعد أن كسبنا ثقته أخذ هاتفه النقال وابتعد عنا بأمتار وبقي يتحدث إلى شخص لدقائق ثم عاد ليطلب منا الذهاب رفقته إلى حي ''الكاريار''، الأمر الذي لم يكن سهلا بالنسبة إلينا لكن فضولنا الصحفي جعلنا نخوض المغامرة، وساعدنا قصر المسافة بين الساعات الثلاث والكاريار على تخفيف حدة الخوف الذي تملكنا. وبعد 15 دقيقة من السير على الأقدام وصلنا وانتظرنا بعض الوقت مع الشاب الذي كان يجري جملة من الاتصالات، ليخبرنا أن الشخص الذي جئناه موجود بمناخ فرنسا وطلب منا الانتقال إليه هناك لأنه لا يستطيع المجيء إلى الكاريار، قبل أن يطمئننا: ''كليما دوفرونس ماشي بعيدة من هنا راهي في طريقنا ما تخافوش معايا، الريح مايقيسكومش، الناس كامل يعرفوني''.
سيوف مقلدة بألفي دينار والحرة يجلبها الصينيون من بلدهم
كانت الساعة تشير إلى الثانية زوالا عندما اعترضنا شاب يحمل أداة حادة، علق عليه مرافقنا قائلا ''إنه يحمل سيفا مصنوعا: ''الجميع هنا مسلح فمن لا يستطيع شراء سيف ساموراي أو خنجر بوسعادي، يقوم بتقليده وصناعته عند الحداد فذلك لا يكلفه سوى ألفين أو3 آلاف دينار فقط''. وبمجرد وصولنا إلى مناخ فرنسا وجدنا رجلا بانتظارنا، أخبرنا أن ثمن السيف 15 ألف دينار وهو أصلي وليس مقلدا، مشيرا إلى وجود سلعة مقلدة بالسوق سعرها لا يتجاوز 5 آلاف دينار، وبعد أسبوع نعود لنأخذه من نفس المكان. فسألناه أن نمنحه عربونا فأخبرنا بأنه لا يأخذ أي عربون حتى وإن لم نشتره فيوجد أشخاص يريدونه فـ''السلعة مبيوعة''، حسب تعبيره ''ولا يوجد من هذا النوع سوى كمية قليلة''. سألناه مجددا إن كان هو من أدخل تلك السلعة وهل وجد صعوبة في الأمر، فضحك وأجاب ''بالطبع لست أنا بل اشتريتها من الصينيين الذين يدخلون قطعتين أو ثلاثا مع السلع التي يصدرونها للجزائر الأمر، ليس كما تظن فنحن نبيع ونشتري في الخفاء''.
غادرنا المكان بعد أن أخذنا موعدا لاستلام القطعة والأعين تترصدنا، ليخبرنا الوسيط الذي اصطحبنا مجددا لباب الوادي بأن المكان خطير ويصعب التجول به بمفردنا، حيث قال إن ''الدولة تديرلوا ألف حساب''.

50 اعتداء في اليوم
أكثر من 40 جريمة قتل في 7 أشهر بوهران

تعدّت الجريمة في ولاية وهران الخطوط الحمراء بدليل الإحصاءات الرهيبة في عدد جرائم القتل التي تجاوزت 40 قتيلا منذ بداية السنة الجارية، فضلا عن مئات الاعتداءات التي انتهت بعاهات مستديمة لبعض الضحايا وظاهرة الشجارات الجماعية بين عصابات الأحياء التي تستعمل فيها السواطير والسيوف والخناجر.
تفيد الإحصاءات المضبوطة لدى مصلحة الطب الشرعي وحفظ الجثث، بتسجيل أكثر من 40 قتيلا خلال السنة الحالية من بينهم 5 قتلى سقطوا في حي الضاية لوحده على فترات متتابعة، فضلا عن تسجيل معدل 50 حالة اعتداء وضرب وجرح يوميا يتم الكشف عليها على مستوى المصلحة وتقدم لهم شهادات عجز، تبدأ من يوم واحد وتنتهي إلى ثلاثة أشهر كاملة، باعتبار أن بعض الإصابات خطيرة وتصل إلى حد عاهات مستديمة لأصحابها، مع تسجيل حالات اعتداء ضد الأصول على غرار ضرب الأب والأم، الأمر الذي لم يكن مسجلا في سنوات قليلة ماضية.
والغريب في الأمر أن الجريمة تنوعت في وهران على شاكلة ما يحدث في الأفلام الأمريكية، حيث تم تسجيل العثور على جثة شاب محروق مرمية في الاتجاه المؤدي إلى بلدية السانيا، فضلا عن جثة شيخ تم العثور عليه بمحاذاة مقبرة بلدية حاسي بونيف، ناهيك عن قضية مقتل الأستاذ كرومي أحمد، أحد أعضاء تنسيقية التغيير بوهران، والذي وجد جثة هامدة داخل مقر حزب ''الأمدياس'' بحي البلاطو أياما بعد انقطاع الأخبار عنه. في حين اختلفت أسباب هذه الجرائم وتعددت ما بين الفعل المخل بالحياء والشجار الذي يندلع في بعض الأحيان بين عصابات الأحياء، لتصل إلى حد التنازع حول كرة القدم، مثلما حصل في أحد الأحياء نتيجة سوء التفاهم بين شخصين وتحيزهما للفريقين اللذين يناصرانهما في غمار منافسة الكلاسيكو التي جمعت، قبل أسابيع مضت، بين الفريق الملكي ريال مدريد ونظيره الكاتالوني برشلونة وانتهت بجريمة قتل.
وأشكال التدهور الأمني وتطور الجريمة في الولاية وصل إلى مستوى الاعتداء على رجال الأمن مثلما حصل في حي الحمري مؤخرا، عندما حاول أحد الأشخاص سرقة مسدس شرطي كان على متن دراجة نارية باستعمال قارورة الغاز المسيل للدموع، قبل أن يتدخل شباب الحي الذين أوقفوا المعتدي وجنّبوا الشرطي سرقة مسدسه، إلى جانب الشرطية التي كانت بالزي المدني والتي تعرضت لضربة بالخنجر على مستوى اليد، عندما حاول أحد اللصوص سرقة حقيبتها أثناء نزولها من حافلة بحي الصباح.
كما تم تسجيل عدة سرقات استعراضية مثلما حصل لأحد الأشخاص الذي سُلب منه مليار سنتيم فور خروجه من أحد البنوك، والتهجم على مجوهراتي في حي الضاية باستعمال الأسلحة النارية، بالإضافة إلى صاحب محل بمنطقة كاسطور وُجد مكبّل اليدين داخل محله بعد أن تم سلب كل محتوياته. والأمر نفسه ينطبق على سرقة السيارات التي عرفت انتشارا كبيرا وبطرق مختلفة كان آخرها الأسبوع الماضي عندما تعرض ثلاثة أشخاص في منطقة عين البيضاء بوهران، إلى سرقة سيارة من نوع رونو ''كليو''، بعد أن تهجّم عليهم حوالي 10 أشخاص بالسيوف والخناجر إثر العطب العارض الذي تعرضت له مركبتهم في حدود الساعة الثانية صباحا، وحادثة الطبيب الذي تعدت عليه عصابة وسرقت منه سيارة من نوع '' كليو'' بمنطقة عيون الترك، لتتم مطاردتهم إلى غاية حي العقيد لطفي، حيث تعرضت السيارة المسروقة لحادث مرور، الأمر الذي جعل فتاة كانت ضمن تشكيلة العصابة تنزل من السيارة بسيف وراحت تحاول الاعتداء على رجال الشرطة الذين أوقفوها في نهاية الأمر.


تجنيد عدد كبير من أعوانه في مفترقات الطرقات
الأمن حاضر في المسيرات وغائب عن مواجهة المجرمين

لمن يتذكر التعزيزات الأمنية التي أقرتها السلطات يوم 12 فيفري المنصرم، لتأطير مسيرة تنسيقية التغيير، يتساءل لماذا لا يتم توزيع هؤلاء الأعوان بصفة دورية لمواجهة عصابات المنحرفين التي ترعب سكان أحياء شعبية، تعيش خارج مجال التغطية الأمنية التي يتغنى بها المسؤولين.
في ذلك اليوم وفي الأسابيع التي تلته، تلونت العاصمة باللون الأزرق، حيث احتشد عشرات الآلاف من رجال الشرطة في مختلف الأحياء والطرق السريعة المؤدية لساحة أول ماي، وبعدها بساحة الشهداء، حتى علق البعض ''كنا نجهل أننا نملك هذا العدد الهائل من رجال الشرطة''. فلماذا جندت السلطات هؤلاء لتغطية مسيرات لم يشارك فيها إلا بضعة أشخاص، فيما تبقى أحياء بأكملها تحت رحمة عصابات، تبيع وتشتري المخدرات، ولا يتجرأ فيها المواطن المغلوب على حاله على الانتفاض على هذا الوضع؟ وحاول مصدر أمني التأكيد على أن التغطية الأمنية تعرف ارتفاعا مستمرا، ليس فقط في المدن الكبرى، بل أيضا في الولايات التي لا تعرف كثافة سكانية كبيرة. ودعا المواطنين الذين يواجهون في أحيائهم بعض الظواهر السلبية، إلى المطالبة بمقابلة مسؤولي الشرطة على مستوى الإقليم الإداري، لطرح انشغالاتهم، ليتم التكفل بها. وفي الأيام العادية إن صح القول، يتركز حضور رجال الشرطة على مفترقات الطرقات، فلا يوجد مفترق طرق دون على الأقل عونين من رجال الأمن ''يضيعون وقتهم في تنظيم حركة المرور، في الوقت الذي يمكن تسخيرهم لمواجهة عصابات المنحرفين'' يقول مصدر أمني، رفض الكشف عن هويته، هذا الأخير أضاف ''مشروع تجهيز مفترق الطرقات بالأضواء الثلاثية، حتى يتفرغ آلاف الأعوان لمهام أخرى غير تنظيم حركة المرور، طال انتظاره في أغلب المدن الكبرى، خاصة العاصمة''.


حقيقة مروّعة يجب استئصالها قبل فوات الأوان
''الكاريار''وبراقي ينافسان ''البرونكس'' و''هارلم''

تشكل في الأشهر والسنوات الماضية ما يشبه عصابات في كل حي، يتحاشى فيها كل منحرف التوغل في فضاء غير فضاء شلته، وإن سوّلت له نفسه ذلك يلقى شديد العقاب ويكون ذلك سببا في اندلاع مواجهات.
لم نكن نسمع بمثل هذه الظواهر إلا في الأفلام الأمريكية التي تنقل واقع بعض الأحياء المشهورة، مثل ''هارلام'' و''البرونكس'' وغيرها، التي يتكدس فيها الأمريكيون السود، فتنشأ بينهم مشاحنات ومواجهات إن تجرأ أي واحد على التوغل في حي الثاني، غير أن السنوات الأخيرة سجلت بروز ملامح هذه الظاهرة في العديد من المدن الجزائرية، في مقدمتها المدن الكبرى مثل العاصمة ووهران وعنابة، وتجلت من خلال نشوب شبه معارك، بين أحياء برمتها مثل ما حدث بين شباب ''الكاريار'' وحي ''السوق الكبير'' بالقرب من مناخ فرنسا بباب الوادي، أو في براقي شهر نوفمبر 2010، حين أجهضت مصالح الأمن معركة حقيقية كانت ستقع بين شباب حي 1600 مسكن وحي ''موني''، بعد وقوع شجار بين شابين، حيث حجزت السيوف وزجاجات ''مولوتوف'' كانت ستستعمل في ''المعركة''. وكانت مصادر أمنية حينها، كشفت لـ''الخبر''، أن حرب العصابات صارت حقيقة في الجزائر، ويجب توخي الحذر منها، حيث قامت مصالح الأمن بعمل استخباراتي في الأحياء لترصد تحركات هذه العصابات. وعلى الطريقة الأمريكية، فإن انتماء هذه العصابات يكون للحي، فلا يجوز لـ''صعلوك'' أن يقوم بعملية سرقة سيارة في فضاء غير الفضاء الذي تنشط فيه عصابته، وأحيانا مجرد المرور عبر حي الخصم، يعتبر بمثابة ''الاستفزاز''. فمنذ أسابيع، تعرض شاب في حسين داي، للضرب لأنه تجرأ على الاعتداء على شخص في حي بعيد عن حيه، فتعالت عبارات ''براني قام بالاعتداء في حينا'' وكأنه يجوز لمن يقطن في الحي القيام بذلك.

''شرطة النجدة'' تتدخل بسرعة السلحفاة
دوريات الأمن غائبة في النقاط السوداء
من مهام الشرطة ''الردع'' الذي يكون غالبا بمجرد حضورها في النقاط السوداء، غير أن لا شيء من هذا يحدث، فهناك أحياء برمتها لا تتشرف بحضور سيارة الشرطة إلا عند وقوع الكارثة، لتترك في غالب الأحيان تحت سطوة المنحرفين.
قال أحد الأشخاص الطاعنين في السن، والذي يقطن حي شعبي تكثـر فيه الاعتداءات ويعيش سكانه تحت سلطة منحرفين ''لما أشاهد سيارة شرطة مركونة في الحي، أعلم أن مصيبة وقعت، وما عدا هذا فلا دوريات ولا حضور أمني يكون بمثابة رسالة للمنحرفين''. هذه الحقيقة يتجرعها سكان عشرات الأحياء، المجبرون على تقبل بعض الظواهر وسلوكات المنحرفين. يقول شخص، رفض كشف اسمه، يقطن بحي عين النعجة ''نحن مجبرون على سماع كلام ساقط من منحرفين يحتلون الحي ليلا، بعد أن يتعاطوا المخدرات والمشروبات الكحولية أمام مرأى الجميع، دون أن تحرك مصالح الأمن ساكنا، حيث اشتقنا لدورياتها بحينا حتى نشعر بالأمان''. وواصل قائلا ''في إحدى المرات تجرأ أحد الجيران على الانتفاض ضد هذه السلوكات، فكان مصيره الضرب المبرح''. بعيدا عن الحضور الردعي للدوريات، يشتكي المواطنون من بطء تدخل الأمن، في حال وقوع مشاكل، فسرد لنا أحد سكان حي شبعي بالعاصمة، حادثة قال بشأنها إنها دفعته للتساؤل ''هل نحن حقا محميون؟''، مشيرا ''ذات مرة، قرر منحرفون تنظيم مقابلات كرة قدم كنا نسمع بسببها كلاما بذيئا، فاتصلت برقم الشرطة لتضع حدا لهذا، حيث لم يراع هؤلاء لا ''الحرمة'' ولا إمكانية وجود أشخاص مرضى يريدون النوم في هدوء، غير أن رجال الشرطة لم يحضروا المكان سوى بعد ساعة وربع، رغم أن محافظة الشرطة لا تقع سوى على بعد 300 متر من الحي''. وحتى الكاميرات التي تم نصبها بالعشرات في الأشهر الأخيرة، استثنت العديد من الأحياء في العاصمة مثلا، رغم تصنيفها في خانة النقاط السوداء التي تنشط فيها عصابات تنشط في الإجرام الصغير وحتى المنظم.




سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)