الجزائر - A la une

الجزائر تسيّر قطاع الإعلام بمنطق "عراق ما بعد الاحتلال"



الجزائر تسيّر قطاع الإعلام بمنطق
يعيش الإعلام الجزائري واقعا يشبه إلى حد كبير واقع الإعلام في دولة العراق ما بعد الاحتلال الأمريكي، وقد أفرزت السنوات الأخيرة مئات القنوات الفضائية التي تمدّ المشاهد يوميا بأخبار عاصمة الرشيد، ومئات الجرائد التي يصدرها صحفيون عراقيون في جو مشحون بالقنابل والتفجيرات، يقابله تجاهل السلطات العراقية لأبسط حقوقهم من التأمين وعقود العمل بالنسبة لكثير منهم، فضلا عن غياب القوانين التي تنظم حق الإعلامي في الوصول إلى مصدر المعلومة، وهو ما كشف عنه عدد من الإعلاميين العراقيين الذين تقربت "الخبر" منهم على هامش مهرجان "الغدير" الثامن للإعلام بمدينة النجف العراقية، سائلة إياهم عن آليات العمل الإعلامي في العراق.يلتقي واقع الإعلام العراقي ما بعد الاحتلال بالتعثرات في قطاع الإعلام الجزائري الذي يناهز عمر المستقل منه ربع القرن، فالعراق اليوم يبدو متخما بالقنوات الفضائية، بينما تتخبط كل القنوات الفضائية الجزائرية التي تم تأسيسها مؤخرا، باعتبارها “قنوات أجنبية”، بين أوراق البيروقراطية وتجاهل القانون الجزائري لهويتها الأصلية، فللسنة الثالثة يستمر رفض الاعتراف بها كقنوات جزائرية خاصة.ويفسر المشهد الإعلامي العراقي قليلا من حالة التشوه في قوانين الإعلام الجزائري، حيث تعيش حوالي ثلث القنوات العراقية بهوية غير عراقية، وتعتبر “قنوات أجنبية” لها مكاتب في العراق، وهذه “العقوبة” يسلطها النظام العراقي على كل قناة تعارضه أو تتخذ منحى لا يسير على هواه، كما هو حال قناة “البغدادية” العراقية التي تم غلقها، ما اضطر مالكيها إلى فتح مكتب القناة خارج العراق. فالمشهد الإعلامي العراقي، الذي ولد بعد رحيل صحافة “الثورة” و”الجمهورية” و”بابل”، التي أسسها نظام صدام حسين، يسير بسرعة السلحفاة أو أقل باتجاه احترام أخلاقيات المهنة والموضوعية في الطرح والصدق والمصداقية، وأكثر من كل ذلك لا يسير في اتجاه ضمان حقوقه ككيان. غياب التشريع الذي يحمي الصحفي والموضوعيةقال أسامة المولا، مدير تحرير وكالة “خبر” للأنباء العراقية، إن الإعلام العراقي يواجه الكثير من الضغوط، سياسية وأمنية، ويعتبر قطاع الإعلام الخاص في العراق الضحية الأكبر، حيث تميز قوانين الإعلام بين الصحفيين التابعين لمؤسسات الدولة ونظرائهم في المؤسسات الخاصة، حيث يتم التعامل مع العاملين في القطاع الخاص باعتبارهم صنفا آخر من الإعلاميين العراقيين لا يحق له ممارسة عمله بشكل متكامل.ويشبّه الإعلامي العراقي أسامة المولا شجاعة الصحفي العراقي بالصحفي الجزائري الذي كان ينزل إلى الميدان ويتحدى تهديدات الإرهاب بالقتل سنوات التسعينيات، ورغم كل هذه التضحيات التي يقدّمها الإعلامي في العراق إلا أنه يجد نفسه في دوامة البحث عن حقوقه، بعد أن فشلت كل لقاءات مجلس النواب في سن تشريع قانون يحمي الصحفي العراقي الذي يمارس عمله في ظل تنامي أعمال العنف والإرهاب، حيث يعتبر الصحفي المستهدف الأول خلال الأزمة، حتى من زاوية غياب القوانين. ويشير أسامة المولا إلى أن معظم اللقاءات داخل البرلمان التي ناقشت تشريع قانون حماية الصحفيين تحمل العديد من الخروقات والنقائص وحتى التناقضات البعيدة عن مهمة الصحفي ووضعه العام، وأرجع ذلك إلى تسيير القطاع من قبل شخصيات دخيلة على الإعلام العراقي.وفي السياق ذاته، قال محدثنا إن النقابات الصحفية في العراق اخترقها “الفساد”، مضيفا أن العراق بعد حكم الاحتلال الأمريكي لم يتوصل إلى ضبط قوانين تعيد مجد وتاريخ العراق الذي يشهد بأنها رائدة الإعلام والأدب والقوانين عبر العصور. راتب الصحفي العراقي لا يعكس خطوة الواجبقال الصحفي أمير القريشي، مدير العلاقات في قناة “العهد” الفضائية العراقية، التي تأسست سنة 2006 من رحم المقاومة العراقية التي حاربت الأمريكان، إن سقوط نظام صدام العراق وما تبعه جلب معه موجة من القنوات الخاصة التي حاولت نقل الصورة الإيجابية للعراق وتحدي أخبار الحرب والإرهاب. وأشار إلى أن ظروف العمل الصحفي في العراق صعبة بالنظر إلى غياب سلطة القانون المنظمة للقطاع، في ظل مشهد إعلامي متخم بالقنوات الخاصة، حيث تعرف الساحة الإعلامية العراقية تمييزا بين الصحفيين العاملين في مؤسسات الدولة ونظرائهم في القطاع الخاص. وشدد مدير العلاقات في قناة “العهد” على الدور الكبير الذي يلعبه صحفيو القطاع الخاص في نقل الحقيقة، رغم معاناتهم مع الراتب الذي يتقاضونه، والذي يتراوح بين 400 دولار و600 دولار أمريكي كحد أقصى. “القنوات الخاصة وليدة ردة فعل للحرمان الإعلامي الطويل”قال مدير قناة “كربلاء” العراقية الفضائية، ذات التوجيه الشيعي، إن هناك حملة إعلامية عالمية تستخدم كل الإمكانيات المتاحة في سبيل تشويه صورة العراق، مشيرا، خلال اللقاء الذي جمعنا به في مقر “كربلاء” بجنوب العراق، إلى أن التخبط الذي تعيشه القنوات العراقية راجع إلى نقص نضج التجربة الإعلامية التي نشأت غير متكاملة في العراق بعد الاحتلال، حيث أتت– حسبه- كردّة فعل على الحرمان الذي كان يعيشه الإعلاميون في فترة النظام السابق، وهو ما فجّر موجة من العنف في المواقف والتعبير والنقد.“كربلاء” في مهمة “الحشد” لمحاربة “داعش”وانتقل الإعلام العراقي من أحادية الطرح والفكر والتوجه إلى التعددية بعد أن انتشرت طاقة كبيرة لدى الإعلاميين شعارها البحث عن التنوع، ولكن هذه الطاقة ظلت تنقصها الخبرة التي بدأت تكسبها القنوات العراقية تدريجيا بعد مرور حوالي عشر سنوات من انطلاق تجربة التعددية الإعلامية. ويعتقد مدير القناة أن التنوع في القنوات الفضائية خدم المجتمع العراقي بشكل غير مباشر، رغم أن “الكثير منها هي وسائل إعلام مضادة تتحدث عن الوطن رغم أجندتها التخريبية”.وبالنسبة لقناة “كربلاء”، التي تركز على الجانب الديني دون تهميش الجوانب الثقافية وباقي المجالات، فهي تهدف، حسب محدثنا، إلى تصحيح مفهوم الدين من خلال التركيز على البعد الاجتماعي له، ويعتبر تناول القضايا الأمنية المرتبطة بتنظيم “داعش” داخل قناة “كربلاء”، ذات التوجه الشيعي، معركة كبرى بعد أن أصبح التنظيم يعرف كيفية استغلال وسائل إعلام بديلة لصناعة الأحداث وتحقيق الانتصارات على الأرض، فالمعركة– حسب مدير “كربلاء”، ليست معركة سلاح وإنما معركة الحشد النفسي لرفع معنويات المقاتلين الذين يحاربون “داعش”.التخمة في عدد القنوات لإعلام تحرسه قوانين غامضةقال المخرج العراقي عزام صالح إن الإعلام العراقي يشهد اليوم حالة من التشتت، حيث تقدّم الأحزاب والتيارات التي تسيطر على الإعلام خطابا ترويجيا أكثر منه إعلاميا، وهو الأمر الذي يجعل المشاهد يشعر وكأن الإعلام لا يزال يعيش في زمن النظام السابق بسبب لغة البروباغندا العالية.ويعتقد المخرج عزام صالح أن التنوع الذي تشهده الساحة الإعلامية العراقية ساعد في انتشار تنظيم “داعش”، الذي استفاد من غياب سياسة إعلامية حقيقية تحارب الطائفية وتوحّد الجهود باتجاه الدفاع عن الوطن لا غير، ودعا إلى ضرورة غلق القنوات التي تصر على مواصلة سياسية التفرقة أمام موجة التطرف التي استفحلت في العراق وكانت وراء تدهور فظيع للوضع الأمني، مشيرا إلى قناة “التغيير” العراقية التي ورغم تبنيها سياسة تنظيم “داعش”، حسبه، لا أحد يعترض طريقها في ظل غياب سلطة القانون. عصا الطائفية أشدّ من عصا نظام صداميتميز الإعلام العراقي اليوم، حسب الممثل العراقي ستار خضير، بالتعددية بعد أن كان منحصرا في قناتين في عهد نظام صدام، مشيرا إلى أن القنوات الفضائية اليوم تقوم بالتعبير عن الخبر نفسه بعدة أوجه وفق إيديولوجية خاصة وعلى حساب وحدة العراق. وقال الممثل العراقي ستار خضير عن علاقة الإعلام بالساحة الفنية إن التنوع الإعلامي لم يخدم الفنان العراقي في شيء، فالفنان العراقي كان يخشى في السابق عصا النظام فقط، أما اليوم فأصبح مهددا من عدة أطراف، ما يجعل حرية التعبير في العراق أمرا وواقعا صعبا. وأوضح الممثل العراقي، الذي اشتهر بأدواره في عدة أعمال درامية عراقية، أن الإنتاج الدرامي اليوم يركز على المواضيع ذات الطابع الاجتماعي وعاطفي ويتجنب القضايا السياسية خوفا من الانتقام. إرادة الصحفي في مواجهة الإرهاب لا يقدّسها القانونيعتقد الصحفي الشاب مرتضى حميد قاسم، من إذاعة “الرأي العام” الإخبارية، أن الصراع الأمني في ظل غياب القوانين التي تنظم العمل الإعلامي هي أبرز تحديات العمل الإعلامي في بلاد الرافدين، وهو ما يجعل ممارسة حرية الإعلام أمرا صعبا، مقارنة بحجم التهديدات التي تحاصر الإعلامي العراقي، حيث يعتمد العراق اليوم بشكل كبير على الإعلام الحربي لنقل الواقع في قلب المعارك ضد “داعش” مثلا.وللمرأة الإعلامية العراقية تحدياتوعن واقع العمل الإعلامي بالنسبة للمرأة الإعلامية في العراق، قالت الإعلامية خماء الخليفة، مراسلة قناة “الغدير” من بغداد، إن قناعة المرأة الإعلامية العراقية النابعة من إيمانها برسالتها يجعلها تتحدى الظروف الأمنية، وأيضا العادات والتقاليد التي يضعها المجتمع العراقي ذو الطابع القبلي. وأشارت محدثتنا إلى أن المرأة العراقية قدّمت العديد من التضحيات، وتحدثت عن الصحفية أطوار بهجت، التي قتلت في سمرّاء على يد تنظيم “القاعدة في بلاد الرافدين”.ويبدو، حسب آراء الإعلاميين العراقيين، وحجم التضحيات الجسيمة التي يقدّمها الإعلامي العراقي في سبيل نقل الحقيقة وكشف جرائم الإرهابيين، أن هناك تشابها كبيرا بين الممارسة الإعلامية في الجزائر خلال سنوات التسعينيات والعراق اليوم، فهذه التضحيات الكبيرة لم تهزم عزيمة الإعلامي العراقي، ولم تثنه عن مواصلة أدائه للعمل رغم غياب الحقوق وضعف آليات القوانين التي تحمي الإعلامي العراقي. وما يزيد الأمر تعقيدا هو العمل في وطن مشحون بتناقضات التيارات السياسية والثقافية وحتى العقائدية، إلا أن الإجماع على إدانة إرهاب “داعش” أمر لا يختلف فيه اثنان من الإعلاميين في بلاد الرافدين.


سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)