الجزائر

الجزائر: بعد نصف قرن “إعلام مقيد في بلد مستقل”



مر الإعلام الجزائري بثلاث محطات رئيسية ،بداية من فترة قبل الاستعمار مرورا بالثورة التحريرية ووصولا إلى ما بعد الاستقلال ،و يعود أول ظهور للصحافة المكتوبة في الجزائر إلى مرحلة الغزو الفرنسي للجزائر سنة1830 إذ أن أول ما قام به الغزاة و قادة الحملة الفرنسية هو إصدارهم لأول جريدة ظهرت في الجزائر بعنوان لي” ستافت” التي أعدت داخل البواخر الاستعمارية و ذلك لتزويد رجال الحملة بالأخبار، كما قام الفرنسيون كذلك بإدخال نوع آخر من الإعلام إلى الجزائر المتمثل في الإذاعة في سنة 1924 و التلفزيون في 1956 ، من هنا كان للاستعمار دور كبير في ظهور السلطة الرابعة في بلادنا .
* الصحافة المكتوبة من عهد الإعلام الثوري إلى البناء و التشييد
عرفت الجزائر بعد الاستقلال إصلاحات للموروث الفرنسي الذي خلفه الاستعمار لكن ليس على كل المستويات حيث أن الإعلام الجزائري بقي يطبق قانون الإعلام الفرنسي الذي كان سائدا في فترة الاحتلال حتى سنة 1982 . إن الجزائر كدولة بعد الاستقلال كان تدرك بمكانة الصحافة نظرا للدور الذي تستطيع أن تقوم به هذه الوسيلة في تشييد و تنظيم المجتمع و كذلك في التوعية و دفع عجلة التنمية بالتأثير على الجماهير و تجنيدهم لذلك عملت الجزائر المستقلة على رسم الأهداف التي ترمي إلى تحقيقها و تغيير اتجاهه من إعلام حربي إلى إعلام في خدمة التنمية)
و انطلاقا من هذه الإستراتجية التي رسمتها الحكومة الجزائرية المستقل عملت على فرض سيطرتها على الصحافة حيث قامت مباشرة بعد الاستقلال بتأميم و مصادرة هذا القطاع انطلاقا من مصادرة الصحف التي كانت موجودة في الجزائر والتي يقوم بتمويلها و إدارتها الأجانب حيث في سنة 1963 اجتمع المكتب السياسي لجبهة التحرير الوطني و قرر تأميم هذه الصحف باستثناء الجمهورية الجزائرية التي كان يسيرها أشخاص يتمتعون بالجنسية الجزائرية ، وقد صدرت اليومية الجزائرية الأولى في 19 سبتمبر 1962, أعطي لهذه الجريدة اسم ” الشعب ” باللغة الفرنسية ثم تلتها بالغة العربية 11 ديسمبر 1962, و بعد ذلك صدرت يوميتان جهويتان بالفرنسية الأولى بوهران, بتاريخ مارس 1963 باسم الجمهورية و الثانية بتاريخ سبتمبر 1963 باسم النصر بقسنطينة و في شهر أفريل 1964 تأسست اليومية المسائية الأولى “مساء الجزائر “كما أصدرت الحكومة أسبوعية جديدة تحمل اسم الثورة الإفريقية في 02 فيفري 1963 ,و مجلة ” الجيش” الشهرية بالفرنسية في جانفي 1963, و بالعربية في مارس 1964, و مجلات متخصصة أخرى مثل الشهاب و المعرفة و غيرها, كما أنه يجب الإشارة إلى صدور العديد من الصحف التابعة للملكية الخاصة, مثل جريدة ” الجماهير”التي أصدرها الكاتب – الطاهر وطار- و الجريدة الناطقة باسم الحزب الشيوعي” الجزائر الشعبية “, في سبتمبر 1963 اجتمع المكتب السياسي لجبهة التحرير الوطني مع أول دستور للبلاد في 8 سبتمبر, قرر تأميم هده الصحف ، فتوقفت عن الصدور و عوضت بصحف أخرى, تمثل أسماء جديدة مثل النصر بدلا من لاديباش Constantine ) و المجاهد بدلا عن لي كو دو وهران و صدرت اليوميات الثلاثة: الشعب, النصر, الجمهورية, و في 18 سبتمبر1963 و بعناوين ضخمة في الصفحة الأولى تخبر بتأميم اليوميات الاستعمارية, و يقول القرار أن هذه الصحافة تذكر بالعهد الاستعماري, و أن وجودها لا يتلازم مع السيادة الوطنية, برغم موقفها الحالي المعتدل رغم وجود صحافة وطنية ناشئة لا تقوى على المنافسة. أما الجزائر الشعبية التي استأنفت نشاطها في اليوم الأول من الاستقلال, و رغم أنها أصبحت تؤيد أعمال الحكومة, و الحزب و برامجها نحو الاستقلال التام, و نحو الثورة الزراعية, و التقدم الاجتماعي و تحديد الثقافة الوطنية, و لكنها بهذه الصفة بقيت حرة لا تقوى عليها الصحافة الحكومية، كان هذا الوضع يقلق كثيرا الدولة الجزائرية, ويعرقل سياستها اتجاه وسائل الإعلام ,فطرح الشكل أمام مؤتمر جبهة التحرير الوطني الذي أنعقد سنة 1964, حيت قرر إجراء مفاوضات مع مسئولي هذه اليومية حتى يتم إدماجها في الصحف الحكومية ,لكن هذا لم يحصل إلا بعد 19 جوان 1965 ,أين توقفت الجريدة بإرادة من مسيريها, و بزوال هذه الجريدة,تمت بصفة نهائية هيمنة الحكومة, و الحزب على الصحافة المكتوبة, و زالت معها الملكية الخاصة في الميدان الإعلامي. وعرفت أواخر الثمانينيات، نوعا من الضغط الاقتصادي و السياسي، و الذي تمخضت عنه أحدات 08 أكتوبر 1988 الأليمة، التي تعتبر منعطفا حاسما في تاريخ الجزائر السياسي، و في جميع الميادين بما فيها الإعلام المكتوب، و من أثر هذه الحوادث دستور فبراير 1989، الذي سمح بتأسيس الجمعيات السياسية و حرية الصحافة و تنويعها. – المادة 39 من الدستور – فنشأت الصحف الخاصة و الحزبية المتخصصة، بل و الساخرة أيضا، لكن هذا الانفجار الحر الذي لم يسبق له مثيل في العالم العربي الإسلامي لم يعمر طويلا، حيت ظهرت بوادر كبح مع بداية الأزمة السياسية الخطيرة، التي طفت على السطح خلال صائفة 1991، وتخدرت في بداية العام الموالي، و مند ذلك الحين, و الشعب الجزائري بما فيه قطاع الإعلام المكتوب، يعاني من الآثار المدمرة لهذه الأزمة. بالإضافة إلى هذه العوامل السياسية،فقد لعب الجانب الاقتصادي دورا كبيرا في التأثير على قطاع الإعلام، فالإصلاحات المتمثلة في استقلالية المؤسسات، و خوصصة القطاع العام و ألغت الاحتكار، و مست قطاع الصحافة المكتوبة، فالمادة 40 من قانون الإعلام الجديد بتاريخ 03افريل 1990، تضع حدا لهيمنة السلطة على الصحافة المكتوبة، و المادة 02 من هذا القانون عكس المادة 02 من القانون القديم، التي تنص بان السلطة و التي تضمن إعلاما كاملا و موضوعيا، كذلك على الحق في المشاركة في الإعلام بتطبيق حرية الأفكار، و الآراء و التطبيق و مع . دخول الجزائر عهد حرية الصحافة بانتهائها، و دخول و نشأت الصحف الخاصة الخبر، السلام، النور، الحياة، الجزائر اليوم، بريد الشرق، الشروق العربي النهار وفي الآونة الخيرة بدا الإعلام المكتوب يشهد ظهرا كثيرا للجرائد الخاصة .
* الإذاعة الوطنية و تحقيق مبدأ الحق في الإعلام
أدخل الفرنسيون الإذاعة إلى الجزائر عام 1924، وكانت موجهة إلى الأقلية الأوروبية من المعمرين وباندلاع ثورة التحرير الكبرى أصبحت الإذاعة الجزائرية تلعب دورا معتبرا في غرس الروح الوطنية، وغيرت من وجهة نظر الجزائري تجاه الإذاعة نظرا لتغيير مضمون رسائلها.وغداة الاستقلال ورثت الجزائر شبكة للراديو، وذلك في المدن الكبرى والمتوسطة مثل الجزائر العاصمة قسنطينة و وهران، وقد ظلت هذه الشبكة كما هي إلى غاية 1966 . ووصل عدد أجهزة الراديو سنة 1976 ثلاثة ملايين جهاز، ليرتفع سنة 1982 إلى 5 ملايين جهاز.وإلى غاية عام 1986 بقيت مناطق البلاد وخاصة الجنوبية منها لا يصلها البث الإذاعي
وفي تاريخ 1 جويلية 1986 وبمقتضى المرسوم رقم 86/150 تم وضع اللبنة الأولى للمؤسسة الوطنية للإذاعة الصوتية وتنقسم هذه الأخيرة من حيث اللغة الناطقة بها إلى ثلاث قنوات رئيسية وهي “القناة الأولى” قناة وطنية تهتم بالقضايا الوطنية والقومية والدولية، وتبث البرامج الثقافية والفكرية والتربوية باللغة العربية.و “القناة الثانية”و هي قناة ناطقة باللغة الأمازيغية بمختلف لهجاتها، وتعنى بإحياء التراث الشعبي وتقديمه إلى الجماهير في شكل فنون شعبية، و روايات وقصص من شأنها أن تدعم التضامن الوطني و “القناة الثالثة” ناطقة باللغة الأجنبية وتقدم برامج متنوعة بعدة لغات أجنبية.
أما البث الإذاعي المحلي في الجزائر فهو حديث العهد و اقترن بحداثة التجربة الديمقراطية ذاتها، وتمثلت هذه البداية في المشروع الوطني الذي سعت من خلاله الدولة إلى تطوير قطاع السمعي البصري بتمكينه من مواكبة الواقع بالموازنة مع ما طرأ على هذا الأخير من تغيرات وتحولات،خاصة بعد أحداث أكتوبر 1988 التي فرضت على السلطة ضرورة التخلي على منطق الوحدة في التفكير، والتوجه في ظل الحزب الواحد في النظر بمنطق تعدد الرؤى والأفكار من خلال التعددية السياسية والفكرية، وسعيا وراء تجسيد هذا التوجه الجديد في مجال الإعلام، شرعت المؤسسة الوطنية للإذاعة في منتصف سنة 1991 بإقامة عدة محطات إذاعية محلية في كافة المجالات، وقد سبق إنشاء هذه المحطات تأسيس مديرية لتنمية الإذاعات المحلية،التي حددت مهمتها في تسيير هذه المحطات وتنسيق مهامها وتوجيه برامجها وذلك في سبتمبر 1993،هذه المديرية قامت بتقديم برنامج حقيقي لرئاسة الحكومة يقضي بإنشاء المحطات المحلية، وكانت موزعة حسب المناطق الجغرافية والكثافة السكانية والخصوصية المحلية، والإمكانات المادية التقنية للإذاعة الوطنية ،وكانت أولى هذه الإذاعات المحلية عام 1990، تمثلت في إذاعة متيجة بالعاصمة وآخرها إذاعة البرج 2008،وبذلك تكون شبكة الإذاعات المحلية قد بلغت 36 محطة عامة، وثلاث محطات موضوعاتية وهي البهجة الموسيقية وإذاعة القران الكريم الدينية والإذاعة الثقافية. أما أهم الإذاعات الجهوية في الجزائر فهي إذاعة الساورة ببشارفي 1991 ومتيجة العاصمة في 1991والواحات بورقلة 1991 والسهوب بالأغواط 1991والأهقار بتمنراست 1992 والعالية بتلمسان في 1992
والهضاب بسطيف في 1992 والأوراس بباتنة في 1994 والباهية وهران في 1995 وسيرتا بقسنطينة في 1995و اذاعة تبسة في 1995وأدرار في 1995 و الصومام بجاية في 1995 و سيدي بلعباس في 2004 و إذاعات أخرى تشمل كل ولايات الوطن .
* التلفزيون و قانون السمعي البصري حتمية أم تسويق خارجي
تعود نشأة التلفزيون في الجزائر إلى الفترة الاستعمارية، وبالضبط في 24 ديسمبر 1956،حيث أنشأت السلطات الفرنسية محطة التلفزيون بالجزائر العاصمة، وذلك دعما لمحطة الراديو التي أنشأتها لتعبئة الشعب الجزائري ضمن الأطر التي يرغبها، وبث البرامج الفرنسية الكفيلة بانتزاع القيم الوطنية والدينية لدى الشعب الجزائري، لذلك لم تكن المحطة إلا مجرد محطة إرسال فرنسية تعتبر صدى لمحطات التلفزة الفرنسية هناك في باريس، دوافعها الاستجابة للحاجيات الثقافية والفنية والترفيهية لحشود المعمرين، في حين يستعمل كعامل للقهر السيكولوجي والاجتماعي للشعب الجزائري ممن يستطيعون مشاهدة جهاز التلفزيون آنذاك وبعد خروج الاستعمار أصبحت السياسة الجزائرية مركزة أكثر في الميدان السمعي البصري، خاصة الراديو والتلفزيون حيث احتلت القوات الجزائرية مبني الإذاعة والتلفزيون وذلك في 28 أكتوبر 1962واسترجعت السيادة عليها، ورغم الظروف الصعبة وقلة الكفاءات وضعف القدرات المالية فقد كان التحدي كبيرا أمام السلطة الجزائرية، التي أدركت بصفة واضحة الدور الاستراتيجي لهذه الوسيلة الإعلامية، وإلى ضرورة تطويرها وتكييفها في الجزائر المستقلة . وبموجب المرسوم 86-147 المؤرخ في 1 جويلية 1986 تأسست المؤسسة العمومية للتلفزيون، وهي مؤسسة ذات طابع صناعي وتجاري لها شخصية معنوية واستقلال مالي تحت وصاية وزارة الاتصال والثقافة، تمارس احتكار البث على البرامج التلفزيونية في كل التراب الوطني، مهمتها إعلام المشاهد والترفيه عنه و قد دخلت الجزائر ميدان البث التلفزيوني الفضائي منذ منتصف الثمانينيات، وذلك من جراء إطلاق فرنسا لقمرها الصناعي الأول تي دي أف 1 الخاص بالبث المباشر في أكتوبر 1985، فقد قدر الملاحظون آنذاك أن مساحة بث هذا القمر تمتد من إسبانيا والبرتغال غربا إلى مجتمعات أوربا الشرقية، ومن الدول الاسكندينافية شمالا إلى مجتمعات المغرب العربي جنوبا . أن الجزائر تأخرت كثيرا في فتح مجال السمعي البصري بعد أن كان الإعلاميون الجزائريون يفكرون بصوت عال لإطلاق قناة فضائية جزائرية عام 1990 لأن المنتج الإخباري والإعلامي آنذاك اتسم بمواصفات فريدة في العالم العربي ولا يوجد وسيلة إعلامية تنافسه.
إذ تشهد حرب الخليج الثانية الريادة للتلفزيون الجزائري لأنه كان هو القناة العربية الوحيدة التي وقف مراسلها على سطح فندق الرشيد في بغداد مع بيتر أرنت مراسل حربي لقناة إل “سي أن أن أما استوديوهاتنا آنذاك فكانت تعج بعشرات المحللين السياسيين والعسكريين يتقدمهم قائد أركان حرب أكتوبر 1973 الفريق سعد الدين الشاذلي، معتبرا أن التلفزيون كان سباقا في استعمال التطبيقات الإعلامية بمواصفات عالمية، وأبناؤه تدربوا في أمريكا وبريطانيا وفرنسا وأخذوا مهارات عالية وطبقوها، لذلك خرجوا معززين بخبرة إلى قنوات عربية. و نظرا للتطور الذي تعرفه البلدان العربية و العالمية في ميدان الإعلام كان فتح السمعي البصري أمرا حتميا ولم يعد خيارا، ولا تزال آراء الصحفيين الجزائريين تتضارب حول مشروع قانون الإعلام الذي يتضمن فتح السمعي البصري، حيث يعتبره كثير منهم مشروع لم يكن نتاجا لمخاض حقيقي واستشارات واسعة من قبل الإعلاميين الجزائريين في الداخل والخارج، إنما هو خطوة إلى الأمام في إطار الإصلاحات الاستباقية التي لجأت إليها السلطة لتفادي رياح التغيير في المنطقة العربية، فأرادت أن ترسم التغيير من زاوية بيروقراطية صرفة.إذ أن المهمة أوكلت لبيروقراطيي وزارة الاتصال لتركيب نص قانوني هو عبارة عن موزاييك من القوانين العالمية أقحم فيه باب تحرير القطاع السمعي البصري للاستجابة بشكل متأخر سبقتنا إليه دول كثيرة
سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)