الجزائر - A la une

التسول بشوارع سعيدة وسيلة للكسب السريع



التسول بشوارع سعيدة وسيلة للكسب السريع
تعرف ظاهرة التسول انتشارا كبيرا في السنوات الأخيرة بولاية سعيدة، إذ لا يكاد يخلو شارع أو ركن من أركان المدينة من متسول، بحيث يشكل الشيوخ والعجزة النسبة الأكبر بين هذه الفئة، وهذا لا ينفي وجود صغار السن سواء تعلق الأمر بالشباب أو الأطفال الذين لهم نصيب في هذه الظاهرة التي أضحت سلوكا يوميا وسط الشوارع الكبرى بولاية سعيدة التي كانت يوما من الأيام بعيدة عن هذه الظاهرة، وكان المتسولون فيها يعدون على الأصابع، بينما أصبحنا نراهم اليوم يتزاحمون فيما بينهم للظفر بالأمكنة الحساسة التي تعد مصدر رزقهم ومكسبهم، ضاربين عرض الحائط كل التعليقات والقيم التي تدين هذه الظاهرة وبات همهم المكسب لا غير، وأضحى المواطن لا يفرق بين المحتاج وطالب الحاجة والمحتال فيها ومستعملها كوسيلة سهلة لجمع المال.ورغم ما يكنه الجزائريون للشيوخ من خصوصية ورحمة، إلا أن كثيرا من الذين اضطروا لمد اليد باتوا يتهمون بالتحايل وادعاء الحاجة، وبين هذا وذاك ‘'يروح المحرم في المجرم".تجولت "المساء" في بعض أهم شوارع سعيدة، بحثا عن متسولين من كبار السن الذين قد تكون الحاجة دفعتهم إلى مد اليد وسلك هذا الطريق لسد الرمق، على الرغم من قساوتها التي تطمس ماء الوجه في أرذل العمر. ونحن متوجهون من شارع النخيل، بالقرب من البنك الخارجي، أين يقابلنا الشارع الرئيسي لنهج الثورة الذي يعد أكبر شوارع مدينة سعيدة ويعرف بانتشاره الواسع للمقاهي والمحلات التجارية، تفاجئنا عن العدد الهائل من المتسولين الذين يحتلون عددا من النقاط، كحال العجوز التي وجدناها مفترشة الأرض أمام مدخل البنك الخارجي ويقابلها شاب يحمل نظارات يقارب عمره 45 سنة، ويحاول كل واحد منهما استمالة زبائن البنك بعبارات لا نكاد نسمعها في الجهة المقابلة، تشيد بالخير والإحسان والدعاء لهم، اقتربنا منها وقبل أن نسألها، بادرت هي بالدعاء لنا، ولما دردشنا معها قليلا قصد كسب ودها، صرحت بأنها كبيرة في السن وطردت من طرف أولادها وتبيت عند قريبتها التي وفرت لها المبيت فقط، وحاجتها لكسب القوة دفعتها لمد يدها. أما الشاب الذي كان بقربها، فيقول بأن لديه إعاقة منعته من العمل، وأنه ضعيف البصر نتيجة حادث تعرض له وهو دائما بحاجة إلى تحاليل طبية وأدوية لا تستطيع عائلته وإخوته توفيرها له، وهو يحدثنا وجدناه يحمل في يده وصفة طبية.هذا المشهد يثير شفقة المارة على المكان للمرة الأولى وتستعطفهم أكثر عبارة يرددها هؤلاء، ممزوجة بنوع من الآهات والأنين الذي ربما قد يكون إحدى السبل والتقنيات التي يعتمد عليها هؤلاء وكل حسب تفكيره، على حد تعبير أحد أصحاب المحلات التجارية وهو شاب جامعي، قال لنا بأن عمله جعله يكتشف بعضا من عالم المتسولين الذين يرتادونه يوميا، لاسيما الفترات الصباحية، قصد مجاملته وكسب بعض النقود منه.كما ذكر لنا أن بعضهم يتكلم بلهجة عاصمية وشرقية، الأمر الذي جعله يحدث أحدهم، وأخبره أنه من مدينة خنشلة، جاء طالبا للعمل فضاقت به السبل ولم يجد سوى هذا المكسب. ونساء رفقة أطفالهن يتوافدون عليه مرتين أو ثلاث في الأسبوع، يقول بأنهن من ولاية غليزان، حيث صرح بأنهم يتنقلون خلال هذه المرات نحو ولاية سعيدة لممارسة التسول ولا تبدو عليهم آثار الحاجة، وما يراه يوميا لا يكاد يعد ولا يحصى من هؤلاء الأشخاص.مضيفا أن لديه صديق صيدلي أخبره أن الكثير منهم يزورونه يوميا في الصيدلية، حاملين معهم أكياسا من العملة النقدية المعدنية من فئة 20 و50 وحتى 100 دينار بهدف تحويلها إلى أوراق، علما أن أحدهم قصده يوميا لنفس الغرض ويسلمه تقريبا مبالغ تتراوح بين 1000 و2000 دينار، الأمر الذي اندهشنا منه ودفع بنا لكشف سر الإقبال على هذه الظاهرة ذات الربح السريع والسهل دون عناء ولا كد.ليس بعيدا عن هذا التاجر، صادفنا شابا لا تبدو عليه علامات التسول من خلال مظهره وأناقته، يحدث فقط من يمر عليه بطلب 20 دج لاحتساء فنجان من القهوة 'قد يكاد الأمر يكون عاديا جدا لكن قمنا بإعطاء هذا الشاب مطلبه وابتعدنا عنه قليلا لكي لا يرانا، وإذا به لا يغادر مكانه ويوجه لكل من يقترب منه نفس المطلب، لنكتشف في الأخير أن هذا الشاب يستعمل هذه الطريقة ليبقى بعيدا عن الأنظار، وفي نفس الوقت يكسب مالا قد تثقله تلك الدنانير التي قد تبدو لنا بالهينة والقليلة.وغير بعيد عن هذا الشارع الرئيسي، مر بالقرب منا طفل لا يتجاوز عمره العشر سنوات، تبدو من خلال لبسه وشكله أنه يعيش مرارة الحياة، وهو يمسك بيد والده الضرير الذي يقارب سنه السبعين عاما ويتجول به من مكان إلى آخر، خاصة المقاهي طلبا للمساعدة وكسب القوت، ومن خلال تجوالنا، اكتشفنا أن التسول ظاهرة أصبحت تعتمد على سبل وطرق لابد من تطبيقها لجلب شفقة وقلب المواطن.هناك أماكن لا تكاد تخلو يوما من هؤلاء كالمساجد والمقاهي وحتى مراكز البريد التي زرنا مكتبها الرئيسي، بالقرب من حي "لامارين" واندهشنا للعدد الهائل من المتسولين الذين يدخلون ويخرجون، كل حسب اختصاصه في طريقة طلب الحاجة، وكأنهم أناس عاديون يمارسون مهاما قانونية وشرعية أمام أعين عمال البريد وعامة الناس، لاسيما أعوان الأمن الذين يتمركزون وسط مركز البريد بداعي المراقبة والأمن، هذه الظاهرة والسلوك هو الأخر بحاجة إلى مراقبة ودق ناقوس الخطر بسبب تداعياته السلبية على الفرد والمجتمع.بين صدق الحاجة وادعائها... للشارع رأيهيجزم الكثيرون من عامة الناس ممن سألناهم حول هذه الظاهرة التي تفشت واستفحلت على كذب المتسولين، بمن فيهم الشيوخ، ولكل قصة يرويها مع متسول تبين زيف حاجته، ويؤكد أكثرهم أنهم يعرفون عددا من هؤلاء من ميسوري الحال، وما سعيهم وراء التسول إلا لزيادة الكسب وجمع الثروة التي كشفت عنها الكثير من التحقيقات خلال سنوات مضت، ومنهم من يتحول إلى ولاية أخرى للتستر على هويته ومعارفه، ومنهم من يدعي المرض، وآخرون يدعون الظروف الاجتماعية وقساوة العيش، وكل له مبرراته في غياب الجهات المختصة التي وقفت في مكان المتفرج، فتحت الباب لمثل هؤلاء لتوسيع نشاطهم وتحايلهم على الناس الذين سقطوا ضحيا في مصيدة هؤلاء المحترفين من المتسولين الذين يعتمدون على مؤثرات خارجية، مثل التظاهر بعاهة بدنية مستديمة أو حمل رضيع نائم أو حمل وصفة طبية... ولعلم الاجتماع رأيفي تحليله لظاهرة التسول، خلص أستاذ علم الاجتماع رابح بودبابة، إلى نتيجة وهي أن تفشي هذا النوع من التسول في المجتمع الجزائري، يعود إلى جملة من الأسباب المتنوعة التي تساهم في لجوء المسنين إلى التسول لضمان لقمة عيشهم، إذ أن معظمهم لا يملك نظاما معاشيا (المعاش) لأنهم لم يعملوا قط لدى الوظيف العمومي أو المؤسسات التي تصرح بهم لدى الضمان الاجتماعي، فيما تضطر فئة أخرى من المتسولين العجزة إلى طلب يد المساعدة لمواجهة غلاء المعيشة، لأن جلهم لا تكفيهم معاشاتهم لسد حاجياتهم في المجتمع.وفي جانب آخر من الموضوع، يمكننا أيضا إدراج عامل انعدام الرعاية من طرف أبنائهم، كما كان الحال في السابق، لأن الأمور تطورت والسلوكات تغيرت، بعد أن تفككت الأسرة الممتدة وتلاشت وحلت محلها الأسرة النووية..
سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)