الجزائر

الباحثة والناشطة الحقوقية التونسية ليلى العبيدي: نقلت احداثا مصورة وموثقة لعذابات الفلسطينيين الى امريكا فصار الناس يبكون




الباحثة والناشطة الحقوقية التونسية ليلى العبيدي: نقلت احداثا مصورة وموثقة لعذابات الفلسطينيين الى امريكا فصار الناس يبكون
التقتها فاطمة عطفة: باحثة تونسية شابة حاز كتابها 'الفكَه في الإسلام' على جائزة زايد للكتاب في دورتها الأخيرة، وهي تمتاز بمواصلة البحث بصبر وتعمق في التراث الإسلامي والمقارنة بين الأديان من خلال الرجوع إلى الأمهات والأصول، وليس من خلال آراء الفقهاء الذين ارتبطوا بحكامهم وأخلصوا لهم أكثر من إخلاصهم للحقيقة العلمية والتاريخية. ليلى العبيدي من مواليد مدينة الزهراء وقد درست في معهد ابن رشيق بمدينة الزهراء ذاتها وتابعت دراستها العليا في كلية الآداب في ملوبة، وتعكف على إعداد أطروحة الدكتوراه حول 'إسلام القصاص والوعاظ والمذكرين'، وهي من الأعضاء النشطاء في الجمعية العالمية التي يرأسها نلسون مانديلا للدفاع عن حقوق الإنسان. وكان لنا معها هذا اللقاء في أبوظبي بعد نيلها الجائزة. وتمتاز الباحثة بذاكرة ثقافية مشرقة وطلاقة محببة.
* نبدأ من كتابك والجائزة التي نلتها، عنوان الكتاب 'الفكه في الإسلام' ربما سبب هذا العنوان بعض الالتباس أو الغموض لدى غير الأكاديميين، كيف اخترت عنوان كتابك ولماذا لم تكن الفكاهة؟
* 'الفكَه في الإسلام، هذا العنوان فيه إشكال، فمثلا حول كلمة الفكه هناك من سيقرؤها الفكر وهناك من يقرؤها الفكة أو فكهوا. كلمة 'الفكه' في الإسلام تعني الفكاهة، ولكني ابتعدت عن لفظ كلمة الفكاهة لأنها غدت مبتذلة ومستهلكة فيما يكتب في الصحافة والمجلات. وكذلك في الأمور التي ليس لها علاقة بالحقل المقدس، وأنا أعمل على حقل مقدس، كلمة الفكه أخذتها من القرآن (وإذا انقلبوا إلى أهلهم انقلبوا فكهين)،(ونعمة كانوا فيها فاكهين). وبما أني أعمل على حقل مقدس فارتأيت أن أستعين بالقرآن على هذا اللفظ، وهو موجود في 'لسان العرب' وفي 'القاموس المحيط' وفي قواميس اللغة العربية، ولكنها متروكة مثل الفكه في الإسلام. هذه اللفظة لا يجهلها فقط القارئ العادي، لكن حتى الأكاديمي تحدث لديه نوعا من الالتباس والحرج حين قرأتها، إذا الفكه في الإسلام لم يستخدم أحد هذا اللفظ من قبل'. وأعتقد أن آلاف الألفاظ تقبع في المعاجم والقواميس ولم تستخدم بعد.
* من أين جاءك هذا الاهتمام والرغبة بالغوص عن مثل هذه الكلمات المتروكة؟ وما فائدتها في الكتابة والتعبير؟
* 'أنا لدي عادة عند كل صباح مع شرب القهوة وسماع السيدة فيروز، أفتح لسان العرب وأقرأ لفظة فقط وأغلقه، مهما كان عاديا هذا اللفظ. ومن هنا يأتي الثراء اللغوي والخزانة اللغوية عند الإنسان. إذن، لفظة 'الفكه' لا تعني فقط اللعب والمزاح والهزل والتنعم، بل تعني طيبة النفس والمقام الهزلي والتبسط في العيش. فالفكه لإتراف الأهل وإدخال التنعم والتعجب عليهم. إذن، هو مقام كامل تشترك كل هذه المصطلحات في بلورته وصياغته، على عكس النكتة مثلا باعتبارها إجراء لفظيا إراديا يراد منه الضحك، ويستهدف العقل مباشرة. الفكه عكس ذلك، فهو المقام وطيبة النفس ويستهدف القلب مباشرة ويبتعد عن السخرية، لأن في السخرية كما يقول أرسطو إيلاما ومسا بعيوب الناس. إذن، الفكه يبتعد عن المس بعيوب الناس، وهو فكه خالص في طيبة النفس والمقام ولذلك استعمله الرسول (ص) كمنهج في التعامل مع الناس عندما كان الناس في بداية دخولهم الإسلام، وكان يستخدمه في الدربة في تعليم الأطفال والنساء وغير ذلك. إذن، لم يكن هناك مشكلة في تلقي الإسلام للنكتة.
* من خلال سفرك لبلدان متعددة ومنها مالي، كيف تجدين علاقة الشعوب الأخرى بالتراث الإسلامي وأثر التقاليد الاجتماعية وما هي السمات المميزة من خلال هذا العامل الديني المشترك بين الشعوب؟
* أول شيء لاحظته من خلال سفرياتي المتعددة، إن كان لدول عربية أو أجنبية هو أن الإسلام واحد ومتعدد، فالإسلام في مالي ليس هو ذات الإسلام في تونس. عندما كنت حاضرة في المنتدى الاجتماعي العالمي ضد العولمة والفقر في باماكو العاصمة، انتبهت أنه وقت الأذان يفترش الناس، رجالا ونساء وأطفالا، على الأرض بعضا من جلود الماعز والغنم على حافة نهر النيجر ويصلون، ولا يهمهم إن كان مكانهم ليس نظيفا أو كان الدجاج أو البقر يرعى إلى جانبهم أو كان متسخا، ولا يهمهم صياح الناس إلى جانبهم بل يصلون فقط وكأن علاقتهم بالله ليس لها علاقة بالعالم الأرضي البتة، بقدر ما هي علاقة متعالية عن الواقع البشري، لأنهم عندما يشرعون بالصلاة لا يهتمون بما يحيط بهم ولا يبحثون عن مكان نظيف يصلون به وتبقى هذه الجلود موجودة دوما وكأنه مسجد دائم متنقل ولا يحتكر أحد هذه الأشياء أو تلك ولا يحتكر أحد الفضاء المقدس، وهذا الفضاء المقدس هو فضاء للعبادة مفتوح للناس جميعا، تقام فيه الصلاة وتقال به الأحاديث والحكايات، وكل يدلي بدلوه في ذلك المكان، عكس واقع الإسلام في تونس والذي هو مؤسساتي، فمؤسسة الصلاة هي فضاء للصلاة والعبادة فقط ويفتح الباب بوقت ويغلق بوقت، وليس لديك الحق بأن تدخلي المسجد مثلا أنت كامرأة خارج أوقات الصلاة. وقد بينت ذلك في كتابي وتعمدت ذلك. إن فضاء الصلاة في عهد الرسول (ص) هو فضاء مفتوح على العبادة والقصص والخرافات والفكه وعلى السودان الذين كانوا يدخلون المسجد فيتحدثون ويعزفون ويطبلون إلى غير ذلك، وخاصة في الأعياد، والأحاديث عن ذلك كثيرة تصوغها السيدة عائشة ومسلم والبخاري وابن حنبل. إذن، المسجد كان فضاء مفتوحا ليس لممارسة العبادة فقط، بل لممارسة بقية العادات والتقاليد.
* أنت ناشطة في حقوق الإنسان منذ ما يزيد عن عشر سنين، ومن خلال عملك ومشاركتك بهذا الجهد الإنساني العالمي في دول متخلفة، هل ترين أن هناك اهتماما حقيقيا من قبل جمعيات حقوق الإنسان في تلك البلدان أم أنها تابعة لسياسات وأغراض دولية معينة؟
* 'سؤالك فيه جانب عاطفي إلى جانب الطرح السياسي فيه، هذا الجانب العاطفي ذكرني بمداخلة في أميركا قمت بها حول ما حصل في صبرا وشاتيلا، وكنت قد حملت معي شهادات لبعض النساء عانين في أحداث صبرا وشاتيلا من اغتصاب وإعاقات، فواحدة منهن أصيبت بأربعة عشرة طلقة في جسدها وآثار اغتصاب من قبل أربعة جنود وقتل والداها أمام عينيها، هذه الحكايات وغيرها نقلتها لأميركا في عقر دارهم وموثقة بالصور وكانت تبث في القاعة، ولاحظت شيئا عجيبا أن أغلبية الحضور كانوا يبكون بعد هذه الشهادات وأنا نفسي فوجئت، الجانب التوعوي يكاد أن يكون مفقودا، وهذا ما يعانيه العرب بصفة حيثية مباشرة تكاد تأخذ جانبا بوهيميا، أصبحنا اليوم نفتح الجرائد والأخبار ونسمع اليوم سقط شهيدان في غزة، واليوم كذا أصبحت المسألة أوتوماتيكية، وكأنه فيلم يعاد ترتيبه كل يوم، وكأننا أصبحنا نعد الموتى وكأن هذا لم يعد يؤثر فينا بشكل كبير.
* أين الأمم المتحدة ودورها الإنساني الفعال من كل ذلك؟
* الآن الرأي العام الدولي مختلف هنالك بعض المبادرات من اليونيسيف واليونيسكو ومن منظمات عالمية أخرى لكنها تبقى محدودة دوما، ونحن لا نطالب بأن تمس كل العالم العربي وحتى لو طلبنا فهم لا يستطيعون ذلك. الرأي العام الدولي الآن تهمه الأحداث الكبيرة لم يعد يهتم بالشؤون الصغيرة، ولا أدل على ذلك مما يحدث اليوم في سوريا والناس تقتل كل يوم، إذا كان من الممكن أن تنهى هذه المهزلة الفظيعة، أو أن أسلط الضوء الآن على ثورة اللؤلؤة في البحرين فهناك تعتيم كلي عما يحدث، وهذا شيء مذهل وأنا ومن مصادر مطلعة صدمت من الفظاعة التي عومل البحرينيون بها في ثورتهم ومن القمع الذي تعرضوا له. لا يمكن أن نقول أن الرأي العالمي منحاز إلى جهة معينة، هنالك بصراحة مثل لعبة الشطرنج، وهناك ملك وملكة يحركون الأمر والشعوب العربية في نهاية الأمر شعوب مسكينة تناضل من أجل الحرية ليكون الله في عونهم وعوننا.
* أنت من تونس وكانت البداية منها وسموه بالربيع العربي، رغم العواصف المحيطة به من كل جانب، هل العاصفة في تونس وبعد سنوات ستكون مبنية على التطرف الذي أخذ في البداية شكلا ديمقراطيا؟ وإلى أين يتجه الشعب التونسي برأيك؟
* 'الشعب التونسي معروف بتاريخه لم يكن يوما منقسما إلى مذاهب، والحمد لله. نحن لم نعانِ يوما من مشكلة المذاهب، ولم يكن يوما هناك انقسامات جوهرية كبيرة تمس العمق السياسي وتحدث إيديولوجيات خطيرة تصب في المجتمع. كنا في تونس نعيش، وآمل أن نواصل العيش بسلم، وأن يحترم العلماني المتدين ويحترم المتدين العلماني ونصل إلى هذا الاتفاق الديمقراطي في نهاية المطاف. صحيح أن الربيع العربي (بين قوسين) لم نر فيه بعد الأزهار تزهر ولم نر بعد أزهارا ملونة مازلنا في اللون الواحد، نريد أن نرى اللون الأخضر يشع، مازلنا نريد أن نرى الأوراق ومازلنا نريد أن نستنشق رائحة الربيع العربي التي لم تصل بعد، فأزهار من دون رائحة لا تفيد وثورة من دون ياسمين لا تفيد في تونس. أظن أن الشعب في المرصاد لكل محاولة لتحويل هذه الثورة ومكتسباتها. صحيح أن هناك حراكا وصراعا، وصحيح أن هناك مدا سلفيا لم نشهده من قبل. إنه جديد علينا وصحيح أن هناك بعض الدعاة يحاولون أن يغيروا وجهة الشعب التونسي نحو وجهات أخرى لم يعهدها الشعب التونسي. لكن الشعب التونسي متيقظ، فالثورة ليست فقط من أجل الكرامة والحرية بل الثورة أيضا من أجل الوجود ومن أجل الجيل القادم، فهي ثورة بناء مستقبل وثورة بناء جديدة. والمشكل في كل ثورات البلدان العربية هي المؤسسات والإدارة، فإن بحثنا في التاريخ عن سبب سقوط إمبراطوريات عظيمة جدا سنجد أنه الفساد الإداري. إن كانت الإدارة جيدة يكون مستوى الشعب جيد، ليس لدينا أحزاب معارضة كثيرة في تونس بقدر أنه لدينا إدارة معارضة. نأمل أن ثورة الربيع العربي تتواصل وأن الثورة التونسية تؤتي أكلها حتى لو غلب الرأي على رأي آخر لأننا نريد أن نعيش بشكل نحترم معه تلك الوسطية وأن يحترم أحدنا الآخر. وهذا المد السلفي هو دخيل علينا، وأنا أملي كبير وحتى في كتابي أن تكون الدعوة إلى الوسطية والاعتدال ويكون التفتح على الإسلام الأصلي وليس على الإسلامويين، لأنهم لا يمتون إلى الإسلام بصلة وهناك فرق بين الإسلام وبين التفكير الإسلامي
سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)