الجزائر - Revue de Presse

الأخصائي النفساني، الطبيب والإمام ‏ثلاثية محاربة الآفات الاجتماعية




تحولت أنظار العائلات العنابية منذ حلول فصل الربيع، إلى تخصيص جلسات حميمية مع الأهل، الأقارب والجيران، وسط المساحات الخضراء والمروج التي تمتد لتعانق الجداول الصغيرة ذات المياه الرقراقة والمتدفقة من أعال جبال الإيدوغ، لتصنع روعة المكان مقصدا حقيقيا لزوار بونة، وحتى السياح الأجانب الذين استحسنوا جمال المنطقة، وخاصة غابات سرايدي العذراء.
تستغل العائلات العنابية فرصة قضاء عطلة الربيع بعيدا عن ضوضاء المدينة وحركية الحياة بمختلف طقوسها وتقاليدها، حيث تجد النسوة هذا الفصل فرصة للتنفيس عن الذات وتكسير الرتابة السنوية. بعض العائلات تستعد باكرا للتنقل إلى أعالي جبال شطايبي وسرايدي، أين تهتم النسوة بإعداد الطعام، القهوة والشاي على الجمر، يبدأ ذلك -حسب بعض أهالي عنابة- مع شروق شمس الصباح، حين تبرمج العائلات خلال الأسبوع الأول من العطلة الربيعية أجندة النشاطات المختلفة، منها تخصيص ساعات للمرح، إلى جانب تناول الغذاء مع الجيران والرفاق، هذا ما أكدته لنا الحاجة الزهرة التي قالت أنها تشرف على إعداد الطعام لعائلتها والأهل القادمين معها إلى النزهة، بين أحضان الغابات، حيث تسند مهمة جمع حطب أشجار السنديان إلى الأطفال، حتى الآباء يجلبون المياه الصافية من الينابيع، وذلك لغسل الأواني وتحضير وجبة الفطور المكونة عادة من الشواء، الخبز وحتى بعض اللواحق الأخرى، وبعد فترة الغذاء، يتوجه الأطفال للعب بين أحضان المروج الخضراء، حيث يبدعون في لعبة الغميضة، إلى جانب الركض والمرح في الهواء الطلق، في حين تقضي  النساء وقتها في تبادل أطراف الحديث وتذكر محطات الحياة مع الأهل، وتشرف على هذه القعدة نساء مسنات، يقمن بحكاية الألغاز والأحجيات، والتي تصل منهن إلى فك اللغز، تتحصل على جائزة، كما تتمتع النسوة بنكهة البوقالات خاصة منهن العازبات، حيث يأملن في سماع الفال الخير لجلب الحظ لهن، في الوقت الذي يتكفل فيه أحد الرجال بإعداد إبريق الشاي المعبق بعشبتي النعناع، الحبق وبعض الحشائش البرية التي تضيف لمسة سحرية للشاي الذي يقدم في صينية من النحاس المتبوعة بالكعك والحلويات ذات الأشكال المختلفة.
وتمر الساعات بسرعة، حسب بعض العائلات التي تقضي يوما كاملا في التنزه والتمتع بالطبيعة والجبال المغطاة بالثلوج البيضاء، كل هذه الفسيفساء تخلق شاعرية لأقلام المبدعين وحتى الرسامين والفنانين الذين يستغلون الطبيعة لإطلاق العنان للقريحة، فما أجمل الربيع في وطني.
 
ستجدون في خدمتكم أذانا صاغية، وفريق عمل من أطباء، أخصائيين نفسانيين ومربين، للاستماع إلى مشاكلكم ومساعدتكم على تجاوزها ...، هي العبارة التي أصبحت تتكرر على مسامعنا في كل مرة نقوم فيها بتغطية نشاط ما يدور حول مكافحة الآفات الاجتماعية، حيث نجد القائمين على النشاط يعملون وفقا لهذه الثلاثية وهي؛ الطبيب، الأخصائي النفساني والإمام، لتخليص المدمن من الآفة الاجتماعية التي يعاني منها، وفقا لواحدة من هذه الطرق.
أرجع المشرفون على تنظيم اليوم التحسيسي لمكافحة الآفات الاجتماعية، الذي انعقد بالحديقة العمومية لبلدية براقي مؤخرا، تفشي مختلف الآفات الاجتماعية وسط الشباب إلى المشاكل التي تعانيها الأسر، ولمواجهة الظاهرة، تم التكثيف من الخرجات الميدانية لخلايا الإصغاء والنشاط الوقائي التابعة لمختلف الدوائر الإدارية، التي سخرت كل إمكانياتها المادية والبشرية للحد من الظاهرة، من خلال تفعيل عمل الأخصائي النفساني، الطبيب وحتى الإمام، على اعتبار أن بعض المناطق التي لا تزال تعيش نوعا من العصبية القبلية، تجعل عملية التواصل صعبة ومعقدة.
وحول أهمية دور الطبيب في إنجاح العمل التحسيسي لمحاربة الآفات الاجتماعية، تحدثت ''المساء'' إلى لطفي قويسم، طبيب عام بالمديرية العامة للأمن الوطني تابع لأمن دائرة زرالدة، حيث قال: ''لا يمكن الاستغناء مطلقا عن دور الطبيب في مثل هذه الحملات التحسيسية، على اعتبار أن هذا الأخير هو أدرى الناس بالإنعكاسات السلبية الناجمة عن تناول أو تعاطي المخدرات أو شرب الكحول، وما إلى ذلك من المواد السامة التي شاع تناولها في أوساط الشباب.
وأضاف قائلا: ''نحاول من خلال احتكاكنا بالشباب الذين يقصدوننا عند القيام بالخرجات الميدانية، أن نقدم لهم ما أمكن من التوجيهات والنصائح اللازمة، عن طريق الكشف عن الأمراض المستعصية التي يلتقطونها جراء تناولهم لهذه المواد السامة، ونحرص في ذات الوقت على متابعتهم ومرافقتهم بتوجيههم إلى المراكز الضرورية للعلاج، على غرار مركز الأنيس بباب الوادي الذي شُفيت عن طريقه الكثيرمن الحالات، وعملت معنا فيما بعد كمحفز للشباب الذي يطلب العون.
وحول أهمية العمل الميداني، جاء على لسان محدثنا أنه ليس هناك أحسن من هذه الخرجات الميدانية التي قربتنا من المجتمع الجزائري أكثر وجعلتنا نعيش همومه، نتقاسم مشاكله ونساهم في توعيته وتوجيهه، بالاعتماد على أسلوب لين يقوده إلى الاقتناع بضرورة العلاج، لاسيما وأننا لمسنا إرادة ورغبة كبيرة لدى الشباب في الخروج مما يعانوه من مشاكل تجر بهم نحو التدخين وتعاطي المخدرات، غير أن ما ينبغي أن يؤمن به الشاب المدمن، أن إمكانية الشفاء ممكنة، يكفي فقط أن يتحلى المدمن بالإرادة.
الأخصائي النفساني ضروري بالمؤسسات التربوية.
محاربة الآفة الاجتماعية تبدأ من معالجة المشاكل النفسية، من أجل هذا  أصبح دور الأخصائي النفساني ضروري في جميع الحملات التحسيسية، حيث قالت السيدة بن يحي، أخصائية نفسانية  بالمديرية العامة للأمن الوطني، إن المجتمع الجزائري اليوم يعيش نوعا من الوعي بأهمية المرافق لتساعده على حل بعض مشاكله، حتى لا تؤدي به للوقوع ضحية لبعض الآفات الاجتماعية التي تأكد لنا من خلال خرجاتنا الميدانية، أن مصدرها المشاكل العائلية''.
وأضافت: ''احتكاكنا بمختلف الشرائح العمرية التي تعاني من الآفات، عند القيام بالحملات التحسيسية، جعلنا نقف عند نقطة مفادها أن من يطلب منا النصيحة والتوجيه، ليس فقط من الفئات المدمنة، وإنما الأولياء أيضا الذين يغتنمون الفرصة لطرح المشاكل التي يعانوها في تربية أبنائهم، علاوة على المشاكل الخاصة بالخلافات الزوجية، وصعوبة التعامل مع الأطفال في مرحلة المراهقة، ومن خلال بحثنا كأخصائيين نفسانيين، تبين لنا أن الآفات الاجتماعية التي يعاني منها الشباب اليوم، مرجعها الاضطرابات النفسية التي عانوا منها خلال مرحلة المراهقة، ولعل أحسن مثال على ذلك، تضيف، ''الشاب الذي قصدنا مؤخرا وكان مدمنا على المخدرات، حيث أخضعناه للعلاج النفسي، وتبين لنا أنه رغب في أن يلفت انتباه أوليائه إليه بتعاطي المخدرات في مرحلة المراهقة، حين كان في أمس الحاجة إلى من يفهمه، من أجل هذا، أناشد كأخصائية نفسانية، أن يتم إدراج الأخصائيين النفسانيين العياديين بالمؤسسات التربوية، خاصة في المتوسطات، لحمايتهم من الوقوع ضحية لبعض الآفات الاجتماعية، وتحديدا الإدمان على المخدرات.
وعن طريقة عمل الأخصائي النفساني، أوضحت محدثتنا، أن دور الأخصائي النفساني يتمحور في محاولة إنقاذ ما أمكن أنقاذه في شخصية وسلوك الفرد، بالاعتماد على عدة أساليب منها؛ تغير التصورات السلبية التي تتكون لدى الشباب في مرحلة المراهقة، والتي كثيرا ما تكون السبب وراء اقترافهم لبعض الأفعال، إلى جانب العمل على تغيير التصورات نحو المجتمع، ونحو المحيط الذي يعيشون فيه، إذ نستعين بالمراكز التي تلعب دورا كبيرا في إعادة تقويم سلوك الأفراد، فمثلا نوجه الأفراد المدمنين إلى مركز الأنيس، حيث يتلقون العناية اللازمة، بينما نوجه من يعانون من مشاكل عائلية عويصة إلى خلايا الإصغاء المتواجدة بدوائرهم الأمنية.
ولتكتمل الثلاثية المطلوبة في محاربة الآفات الاجتماعية، تحدث لـ''المساء'' فاروق بوقاقة، رئيس خلية الإصغاء والنشاط الوقائي لأمن المقاطعة الإدارية لبلدية براقي، عن دور الإمام الضروري خاصة في بعض الأحياء الشعبية التي لا تزال العصبية القبلية تحكمها، حيث قال: ''وقفنا على بعض الصعوبات في عملية التواصل ببعض الأحياء الشعبية، عند الحديث على بعض المشاكل التي لا تزال تمثل طابوهات بالنسبة لبعض الأسر، وللحد من التوتر الذي قد ينشأ، نستعين بالإمام الذي يعتمد على الوعظ والإرشاد الديني ليمتص الغضب ويسهل علينا العمل، وبالتالي، بتنا لا نستغني عن الأئمة في خرجاتنا التحسيسية، خاصة وأن الشعب الجزائري عندما يتعلق بالدين، يستجيب سريعا.

سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)