الجزائر - A la une

أمراض غريبة، تشوهات خلقية وسرطانات تنهش السكان


أمراض غريبة، تشوهات خلقية وسرطانات تنهش السكان
أجساد تقاوم عزلة 56 سنة في المجهول الوهم الاستعماري كقوة إقليمية دفع ثمنه الأبرياءتحيي الجزائر اليوم، الذكرى ال56 للتفجيرات النووية بصحراء رڤان (150 كلم جنوب مدينة أدرار)، ففي مثل هذا التاريخ 13 فيفري من سنة 1960، فجّرت فرنسا أول قنبلة نووية لها في الصحراء الجزائرية برقان بمنطقة حمودية، على بعد 60 كلم جنوب رقان بولاية أدرار في أقصى الجنوب الغربي الجزائري .وتعتبر القنبلة النووية الفرنسية برڤان 03 أضعاف القنبلة النووية بنكازاكي وهيروشيما باليابان، واشتغل بها 6500 فرنسي وأزيد من 42 ألف نسمة من سكان منطقة رڤان، عمال بسطاء وفئران تجارب في مسرح الجريمة.اختيار رڤان كمسرح للجريمة المرتكبة في حق الإنسانية بمنطقة حمودية، يعود لعدة أسباب سياسية واستراتيجية وعسكرية واقتصادية، حسب الدكتور محمد حوتية أستاذ جامعي بقسم التاريخ بجامعة أدرار، حيث أن الزائر لرڤان والملاحظ لموقعها على الخريطة الجغرافية يكتشف كل هذه الأسباب، إذ من المطار العسكري إلى منطقة حمودية توجد حوالي 30 كلم أرض منبسطة هذا من جهة، ولكي يتمكنوا من الاتصال المباشر مع باريس، بدأت الاستعدادات لهذه الجريمة، من سنة 1957 حيث حضرت كل اللوازم اللوجيستية لمدة 03 سنوات لتقوم بجريمتها الشنعاء.وبالنسبة لاختيار منطقة حمودية، أوضح ختير الصافي، أستاذ بجامعة أدرار، أنه وحسب شهادات المصادر الشفوية، فإن أول ما بدأت به فرنسا آنذاك هو إنجاز المطار سنة 1957، وبعدها صرح الجنرال ديغول قائلا بعد الوصول إلى الاختراعات الناجحة في المجال النووي الذري «...مرحبا بفرنسا» رددها ثلاث مرات في وسائل الإعلام، وذلك يعني أن فرنسا سيكون لها بعد مدة امتلاك قنبلة نووية مثل ما هو عليه الحال بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية، وبريطانيا والاتحاد السوفياتي، وبالتالي أصبحت بهذا العمل المنطقة صناعية عسكرية مثل منطقة «تنفوشاي»، «حما قير»، ومنطقة «واد الناموس» بحيث أن معظم أجزاء الصحراء أصبحت مناطق عسكرية، وكل هذا لتظهر فرنسا أمام الرأي العام على أنها قوة عسكرية عالمية رادعة للثورة الجزائرية.أضرار صحية وبيئية لا تزال آثارها إلى اليوم قال سيد عمر هامل رئيس جمعية 13 فبراير 1960، أن القنبلة النووية بصحراء رڤان خلفت أضرارا صحية وبيئية وفلاحية، على اعتبار أن المستدمر الفرنسي يعد من أخبث المستعمرين في العالم، لأنه وضع سكان المنطقة محل تجربة نووية إشعاعية لا تزال آثارها تتكشف إلى حد الآن، وكانت لهذه التجربة مضاعفات صحية، حيث أصبحنا نرى أمراضا غريبة، فضلا عن وجود سرطانات مختلفة، فالأطباء يكتشفون يوميا الأمراض، وبعضها لا يشخص، وأوضح المتحدث أن المؤسسة الاستشفائية برڤان تدعمت بجهاز سكانير لتشخيص الأمراض منذ شهر ماي الماضي، حيث قام هذا الأخير بتشخيص 48 حالة سرطان حقيقية، وهو مؤشر مرتفع مقارنة بالسنوات الماضية، حيث كانت تسجل من 20 إلى 30 حالة سرطان سنويا كأقصى تقدير، كما اعتبر هامل سيد عمر أن هذه الأرقام ليست دقيقة باعتبار أن بعض الحالات المرضية تشخص في الولايات الشمالية على اعتبار أنها أمراض مستعصية.وقال سيد عمر هامل أن من بين المطالب الرئيسية للجمعية، ضرورة إزالة هذه النفايات النووية، لأن بقائها بالمنطقة يؤدي إلى استمرار هذه الأمراض الخبيثة، بالإضافة إلى بناء مرافق صحية فرنسية بالمنطقة لتكفير فرنسا عن جريمتها النكراء التي اقترفتها بالمنطقة، ومساعدة فرنسا للجزائر في مجال الطاقات المتجددة بمختلف التقنيات، فضلا عن الاعتراف الصريح لفرنسا بجرائمها الاستعمارية التي ارتكبتها في الجزائر.كما طالب المتحدث من السلطات العمومية حماية سكان المنطقة من مختلف الأخطار التي تهددهم، كالإشعاعات والنفايات النووية المبعثرة هنا وهناك في بلدية رڤان.وأكد سيد عمر هامل، أن قصر تاعرابت برڤان هو واحد من بين القصور المتضررة، حيث سجل القصر عديد التشوهات الخلقية والعاهات أو زيادة حالات الأمراض المزمنة والمستعصية وحالات السرطان ومختلف الأمراض سنة بعد سنة، والمشكل الذي تواجهه المنطقة هو غياب الأطباء الأخصائيين.وبخصوص البرنامج المسطر من قبل الجمعية لإحياء المناسبة، أوضح رئيس جمعية 13 فبراير أنه تم تنظيم ندوات تحسيسية وتوعوية خاصة لمرضى السرطان، وأيام دراسية من تأطير أطباء ومختصين من الجزائر العاصمة.وبالنسبة للحاج عبد القادر الذهبي، الذي كان أحد العمال الذين استعملوا كفئران تجارب وتعاملت معهم فرنسا باضطهاد وتعسف، حيث اعتبرتهم كأرقام إلى جانب أنواع شتى من الحيوانات والآلات، حيث وزعت عليهم سلاسل وأرغموا على البقاء بمنطقة التفجيرات، وقال المتحدث «... أخرجونا من منازلنا ووزعوا علينا سلاسل مثل ما يسمى محليا ب»الحجاب»، مصنوع من البلاستيك، يحتوي على رقمك، واسمك، واسم منطقتك التي تنتمي إليها، وقاموا بنقلنا إلى مسرح الجريمة، حيث التف حولنا العسكر في شكل دائري، ووزعونا في شكل ثلاثيات، وقالوا لنا ممنوع الالتفات مهما كانت الظروف، ومن رأى منكم رأس زميله يحلق في السماء أو ساقط أمامه أو خلفه، يجب عليه أن لا يلتفت إليه... حيث شددنا في بعضنا البعض واصطفينا، ولما انفجرت القنبلة بعدها بقينا نرقص، نقول الحمد لله على سلامتنا من هذه القنبلة... وبدأ العسكر الذين كانوا يحيطون بنا، يضحكون لأنهم ظنوا أنهم سيموتون مثلنا...».الاشعاعات النووية خطرلا ينتهي مع الزمنكما شهد الحاج حمو، تنقل الخبراء إلى المنطقة وقياس درجة الاشعاعات أيام عديدة بعد انفجار القنبلة النووية الأولى في 13 فيفري 1960 بمنطقة حمودية برڤان، وأوضح المتحدث أن الموقع أقيمت عليه حراسة مشددة لكي يمنع السكان من الاقتراب إليه، حيث كان هناك أناس مختصين يترددون على هذا المكان بعد انفجار القنبلة النووية، وكانوا يرتدون لباسا ابيضا ونظارات وأقنعة، وكانوا يأتون لهذه المنطقة لقياس درجة الاشعاعات النووية في هذه المنطقة.الإشعاعات النووية برڤان لم تؤثر على السكان فحسب، بل شملت الحيوان والفلاحة، حيث تراجع الإنتاج الفلاحي والزراعي بالإقليم، الذي اشتهر قبل ذلك بإنتاج فلاحي وافر، حيث كان معمل الطماطم برڤان ينتج 85 طنا في اليوم، ومن هنا يلاحظ تراجعا كبيرا في الإنتاج الفلاحي في هذه السنوات الأخيرة، فضلا عن إصابة بعض الأشجار والمحاصيل الفلاحية في السنوات الأخيرة بأمراض لم تكن تعرفها المنطقة من قبل.وفي سياق التقليل من أمراض السرطان، استفادت بلدية رڤان من مشاريع جديدة لتسييج مناطق الاشعاعات النووية، علما أن منطقة حمودية تشهد حركية للبدو الرحل، ناهيك عن قلة الوعي وجمع المواطنين أحيانا لأدوات وأواني ووسائل مشعة من هذه المنطقة. وأوضح رئيس بلدية رڤان، أن هذه الأخيرة استفادت من أول عملية من مديرية البيئة قدر طولها 12 كلم، وذلك بتسييج اليربوع الأزرق واليربوع الأخضر، فضلا عن تسجيل عملية تسييج النقطة الكيلومترية 04 على الطول، كما اقترحنا تسجيل عملية تسييج لليربوع الأبيض واليربوع الأحمر وغيرها من المشاريع التي لها صلة بهذا الموضوع.أوضح الدكتور وناس يحي، أستاذ القانون بجامعة أدرار، أن هذا الجانب الذي يحتوي على أضرار تمس الإنسان والحيوان والنبات والمياه والتربة وغيرها، وهي معطيات غير متوفرة، أو تتبعها نوعا من السرية في بعض الأحيان، وهذا غير معقول، لأن هذه الأضرار يجب أن تكشف ويتم إحصاؤها حتى يكون هناك جرد خاص لمختلف جوانبها، وقياس المسؤولية يبنى على أساس مختلف هذه الأضرار، التي يجب أن تكون معرفة ومتداولة، وبناءا على أساسها يكون المطلب واضحا لمسألة السلطات الفرنسية.انتهاك للمواثيق الدولية وسكان رڤان فئران تجاربكما أكد باحماوي عبد الله، أستاذ بقسم القانون بجامعة أدرار، أن فرنسا انتهكت كافة الحقوق التي نصت عليها المواثيق الدولية، وكما هو معلوم القنبلة الذرية محرمة دوليا، وكان التحريم جزئيا فقط مقتصر على جزء من الدول، وبالتالي نستطيع أن نقول أن الفعل الذي ارتكبته فرنسا برڤان، أدى إلى إبادة الأرض كمنتج أول للإنسان وأدى إلى إبادة البشر والحيوان على حد سواء، لأن القضية تتعلق باشعاع نووي، باعتبار أن أثره لا يظهر في نفس اللحظة كما يقول العلماء، وقد يظهر أثرها بعد سنين.وبالتالي فرنسا بهذا الفعل الشنيع ارتكبت جريمة في حق البشرية، وإن كان سببها التفجير النووي، لم تصنف قانونا كجريمة، وإذا أتينا للقوانين المتواجدة حاليا التي تنظم العلاقات والمعاهدات الدولية، نقول أن فرنسا ارتكبت جريمة في حق جميع سكان المنطقة، ومن حق الدولة الجزائرية مطالبة فرنسا بالتعويضات طبقا للقوانين الداخلية أو الدولية، أو معاقبتها».وبالنسبة لمعالجة هذه الجريمة وتصنيفها، أوضح المتحدث أن الباحثين والدارسين والقانونيين وأصحاب الاختصاصات مدعوين لإيجاد طريقة لمطالبة فرنسا للاعتراف بجريمتها، لأن القانون الدولي والدول بصفة عامة والمجتمع الدولي والقوانين التي تحكمه لا تجرم فعل التفجير، لأنه من وجهة نظري يضيف المتحدث سبب عدم تجريم فعل التفجير النووية، «هو طموح كل الدول للحصول على التجربة النووية واللحاق بالنادي النووي، وذلك باعتبارنا نعيش في قانون الغاب، والدولة التي تلتحق بالنادي النووي من شأنها أن ترفع رأسها على باقي الدول الأخرى، ودليل ذلك عدم اعتراف المجتمع الدولي بتجريم التجارب النووية، الذي سببه طموحات كل الدول للحصول على القنبلة النووية، مثلا في سنة 1963 ظهرت ما يسمى بمعاهدة الحظر الجزئي للتجارب النووية وتضمنت هذه الاتفاقية 05 مواد والمادة الثانية في هذه الاتفاقية تحرم التفجيرات النووية في أي مكان برا أو بحرا أو جوا، غير أن هذه المعاهدة لم تتبناها الأمم المتحدة، إلا في 10 سبتمبر 1996 وفتح التوقيع عليها في نيويورك من قبل 71 دولة، من بينها 08 دولا تمتلك القنبلة النووية. وفي سنة 2012 بلغ عدد الموقعين على هذه الاتفاقية 157 دولة، وهناك 25 دولة وقعت على هذه الاتفاقية ولم تصادق عليها».في انتظار اعتراف فرنسا الاستعمارية بجريمتها.. «حقنا لا يموت بالتقادم»وتبين إرادة المجتمع الدولي في عدم تجريم التجارب النووية، فتنفيذ الاتفاقية مربوط بمصادقة الدول عليها، وتجريم الفعل المجتمع الدولي لا زال لم يستعد لتجريم التجارب النووية، وسببه طموحات الدول. هذا لا يعني تبرئة فرنسا، لأن القضية هنا تتعلق بالأثار المترتبة ومعالجة كل مجال على حدى. نشير أنه بعد أزيد من نصف قرن من القنبلة النووية والاشعاعات المنتشرة برڤان، التي بدأت أثارها تنجلي في ظهور عديد أمراض السرطان وأراضي صحراوية قاحلة وبيئة ملوثة بالاشعاعات، يبقى الملف مفتوحا في وجه المنظمات والجمعيات الحقوقية المناهضة للاستعمار والمطالبة بحقوق الإنسان.




سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)