
في بيان صحفي صدر يوم 26 أغسطس 2025 من سفارة فرنسا في الجزائر، تم توجيه الإصبع إلى تدهور العلاقات الثنائية بين باريس والجزائر كسبب رئيسي لتقليص كبير في الأعداد الدبلوماسية والقنصلية الفرنسية على الأراضي الجزائرية. هذا البيان، المؤرخ من الجزائر تحت عنوان "بيان صحفي: الوضعية المتعلقة بالتأشيرات"، يعلن عن تغييرات عملية كبرى تُطبق اعتبارًا من اليوم، 1 سبتمبر 2025. هذا القرار، الذي يقلص الأعداد في السفارة والقنصليات الثلاث (الجزائر العاصمة، وهران، وأنابة) بنسبة الثلث، سيكون له تأثيرات مباشرة على معالجة طلبات التأشيرات إلى فرنسا، مما يفاقم أزمة دبلوماسية كانت قائمة منذ فترة.
يبدأ البيان بتأكيد واضح: "تدهور العلاقة بين فرنسا والجزائر سيؤدي إلى تقليص كبير في أعداد هذه السفارة والقنصليات الثلاث اعتبارًا من 1 سبتمبر المقبل." يوضح أن هذه الفترة تتزامن تقليديًا مع تعيين الوكلاء الفرنسيين المنتدبين، الذين يضمنون استمرارية الخدمات بعد مغادرة من سبقوهم إلى مناصب أخرى. ومع ذلك، بسبب التوترات المستمرة، لن يتمكن هؤلاء الوكلاء من الشروع في وظائفهم كما هو مخطط له في الخدمات بمدن الجزائر، وهران، وأنابة.
نقطة مركزية في النص تتمثل في اتهام الوزارة الجزائرية للشؤون الخارجية بعدم الاستجابة للطلبات الأساسية لتأشيرات الاعتماد للعاملين الفرنسيين. "هذه السنة، لم تعطِ الوزارة الجزائرية للشؤون الخارجية أي متابعة لأغلب طلبات تأشيرات الاعتماد المقدمة لهؤلاء العاملين"، يشير البيان. هذا يؤدي إلى تقليص قسري في الأعداد، يُقدر بنسبة الثلث، ويؤثر بشكل خاص على القنصليات في الجزائر العاصمة، وهران، وأنابة. هذه الإجراءات ليست عقوبة أحادية الجانب من جانب فرنسا، بل ناتجة لا مفر منه عن تعثر إداري من الجانب الجزائري.
يسلط البيان الضوء أيضًا على الآثار العملية على المتقدمين لطلبات التأشيرات. "ستؤدي هذه الوضعية إلى تقليص في القدرة على معالجة طلبات التأشيرات إلى فرنسا"، كما يُذكر. لتخفيف المدة الزمنية، سيتم تقليص عدد المواعيد المتاحة عبر مقدم الخدمة كاباغو – المسؤول عن استقبال طلبات التأشيرات – بهدف الحفاظ على مدد معالجة معقولة. هذا يعني أن الجزائريين الراغبين في السفر إلى فرنسا لأغراض سياحية أو مهنية أو عائلية سيشعرون بانخفاض ملحوظ في الفرص خلال هذه الأزمة.
في النهاية، يبرز البيان إعادة تنظيم الأولويات القنصلية في "سياق جديد". ستركز القنصليات في الجزائر العاصمة، وهران، وأنابة على الخدمات المقدمة للفرنسيين المقيمين في الجزائر، وتجديد التأشيرات، وطلبات تأشيرات الدراسة إلى فرنسا. تهدف هذه التراتبية إلى الحفاظ على الوظائف الأساسية مع تقليل التأثير على المجتمعات المستهدفة، لكنها تُشير ضمنيًا إلى تخصيص لفائدة فئات أخرى من المتقدمين.
هذا الإعلان ليس منعزلاً؛ إذ يندرج ضمن سلسلة من التوترات الدبلوماسية المتكررة. تشير المصادر إلى أن فرنسا قد قلصت التأشيرات للجزائريين بالفعل كرد على رفضات اعتماد مماثلة، مع تقليص كبير أُعلن عنه لسبتمبر 2025.
لفهم عمق هذه الأزمة، يجب العودة إلى التاريخ الحديث للعلاقات بين البلدين. تعود التوترات إلى عدة سنوات، وتميزت باختلافات حول الهجرة، الترحيل، والاتفاقيات الثنائية. في عام 2021، قلصت فرنسا عدد التأشيرات الممنوحة للجزائريين بنسبة 50% بسبب رفض الجزائر التعاون في إعادة المهاجرين غير الشرعيين. على الرغم من تحسن مؤقت في العلاقات نتيجة زيارات دبلوماسية، مثل زيارة الرئيس إيمانويل ماكرون في 2022، عادت الاحتكاكات في 2025.
في بداية العام، علّقت فرنسا الإعفاء من التأشيرات للدبلوماسيين الجزائريين، مستندة إلى مخاوف تتعلق بالترحيلات والأمن. ردًا على ذلك، ألغت الجزائر اتفاقًا من 2013 كان يسمح لأصحاب جوازات السفر الدبلوماسية الفرنسية بالدخول بدون تأشيرة، مستندة إلى مبدأ المعاملة بالمثل. تكلل هذا التصعيد في مايو 2025 بترحيل متبادل للعاملين الدبلوماسيين، حيث أمرت باريس بمغادرة أربعة وكلاء جزائريين بدون تأشيرات صالحة.
أحدث تقارير تشير إلى انقسام داخل الحكومة الفرنسية حول إدارة ملف الجزائر في يوليو 2025، مع ضغوط لتشديد الإجراءات على التأشيرات. يندرج بيان 26 أغسطس في هذه السياق، لكن يُنظر إليه من الجزائر كمحاولة "ابتزاز" بالتأشيرات. يلاحظ المراقبون أن هذه الاستراتيجية الفرنسية تهدف إلى فرض التعاون في قضايا الهجرة، وهو رافع تقليدي في المفاوضات الثنائية.
لم تتأخر ردود الجزائر. في 27 أغسطس 2025، استدعت الوزارة الجزائرية للشؤون الخارجية الملحق الفرنسي للاحتجاج على البيان، واصفة إياه بـ"غير مقبول" من حيث الشكل والمضمون. تنفي الجزائر أي مسؤولية حصرية، مؤكدة أن الوضعية ناتجة عن رفض فرنسي مستمر لتأشيرات اعتماد الدبلوماسيين والوكلاء القنصليين الجزائريين منذ أكثر من سنتين. "ثلاثة قناصل عامين وستة قناصل جزائريين لم يحصلوا على اعتماداتهم المطلوبة منذ أكثر من ستة أشهر"، كما أوضحت الوزارة، مضيفة أن 46 وكيلاً جزائريًا محجوبين.
تتهم الحكومة الجزائرية باريس باستخدام التأشيرات كـ"رافعة مركزية في نزاع"، وهي شكل من أشكال "الابتزاز" الذي يؤثر على المسؤولين والمواطنين العاديين على حد سواء. تُكرر هذه المواقف في بيانات رسمية، حيث تؤكد الجزائر على احترام مبدأ المعاملة بالمثل الدبلوماسية. تشير مصادر دبلوماسية جزائرية إلى أن كل المبادرات لحل الأزمة تم استنفادها، وأن تقليص الاعتمادات الفرنسية مجرد إجراء مرآة.
ستكون لهذه التقليصات في الأعداد تداعيات ملموسة. بالنسبة للجزائريين، سيصبح الوصول إلى تأشيرات شنغن إلى فرنسا – التي كانت معقدة أصلًا – أكثر صعوبة، مع تأخير في مواعيد كاباغو. الأولويات الممنوحة للطلاب وتجديد التأشيرات قد تخفف التأثير على بعض القطاعات، لكن الرحلات السياحية والمهنية ستتضرر، مما قد يؤثر على التبادلات الاقتصادية والثقافية.
على المستوى الدبلوماسي، يمكن أن يزيد هذا التصعيد من الفجوة بين البلدين، اللذين يتميزان بتاريخ استعماري حساس ونزاعات حول الذاكرة التاريخية. يقدر المحللون أن بدون حوار، قد تمتد هذه الأزمة إلى مجالات أخرى مثل التجارة أو التعاون الأمني. ومع ذلك، تُظهر التجارب السابقة أن مثل هذه التوترات يمكن حلها من خلال المفاوضات الثنائية أو عبر الاتحاد الأوروبي.
في الختام، يمثل هذا البيان منعطفًا في العلاقات الفرنسية-الجزائرية، مبرزًا كيف يمكن أن تتحول العراقيل الإدارية إلى أداة ضغط دبلوماسي. بينما تتبادل الطرفان الاتهامات، يدفع المواطنون العاديون – من كلا جانبي المتوسط – الثمن، مما يبرز الضرورة الملحة لتهدئة الوضع للحفاظ على روابط تاريخية عميقة.
مضاف من طرف : webmaster
صاحب المقال : Rédaction