الجزائر - A la une

21 محطة فنية من مسيرة تجاوزت 46 سنة


21 محطة فنية من مسيرة تجاوزت 46 سنة
قرر الفنان التشكيلي المخضرم، محي الدين سعيداني التوقف عن الرسم ولو لهنيهات، وتأمل مساره الفني الذي يعود إلى ذاك اليوم من سنة 1969، ولم يجد الفنان أحسن وسيلة لتجسيد هذه الرغبة سوى عرض مجموعة من لوحاته التي تعبر عن محطاته الفنية العاكسة لرؤيته للجمال ولكل ما يرتبط بالتقاليد الجزائرية، في معرض يقيمه حاليا برواق "عائشة حداد" وتستمر فعالياته إلى غاية 22 من الشهر الجاري.اكتشف الفنان محي الدين سعيداني، حسب تصريحه ل«المساء"، أن أسلوبه الفني لم يتغير منذ أن شرع في الرسم بعد تخرجه من الدفعة الأولى لمدرسة الفنون الجميلة بالجزائر العاصمة، مثلما لم تتبدل التقنيات التي يستعملها في هذا الفن الجميل، إلا أنه لاحظ بأن الألوان التي يعتمد عليها في تجسيد أعماله تغيرت وعكست تأثره بالمحيط الذي يعيش فيه وبكل ما تغذى منه خلال مسيرته الفنية.وقدم الفنان مثالا عن ذلك من خلال لوحة رسمها في سنوات صعاب عن عملية بيع حصان بتيارت، فقال إنه غلبت عليها الألوان القاتمة رغم أنه رسمها في عز النهار بسبب الظرف الصعب الذي أنجز فيه هذا العمل ، بينما رسم لوحة "ضريح سيدي إبراهيم"، في بداية الألفية، حيث عرفت تلك الفترة بزوغ بوادر السلم بعد أن عاشت الجزائر خلال سنوات الجحيم، فجاءت هذه اللوحة بألوان منفجرة ومعبرة عن الاستقرار وسكينة الروح والجسد معا.وفي هذا السياق، اعتبر محي الدين أن أعماله الفنية الحالية تغلب عليها الألوان الفاتحة والباهية وأنه كلما مرت السنون ازدادت صفاء، مما يشير إلى أن وضعية البلد، خاصة الثقافة، في تحسن مستمر، ليطالب الفنانين الشباب بالمزيد من العمل والتزود بالثقافة، فمن غير المعقول أن لا يستطيع فنان شاب الحديث عن عمله الفني.سعيداني، فنان العادات والتقاليد:في المقابل، أكد محي الدين عن حبه للتقاليد والعادات الجزائرية جمعاء، ومن هذا المنطلق، اختار 20 لوحة تمثل تقاليد أكثر من منطقة في الجزائر وعرضها في معرضه، إضافة إلى لوحة يعرضها في كل معارضه، ظفر بها على الجائزة الثانية لمسابقة الفنون التشكيلية المنظمة بمناسبة المهرجان الإفريقي الأول الذي احتضنته الجزائر سنة 1969.وعن هذه الذكرى، يقول محي الدين: "لجأ وزير الثقافة الأسبق صديق بن يحيى، إلى مدير مدرسة الفنون الجميلة في تلك الفترة بن يلس، وطلب منه أن يعير له طلبته المتخرجين من الدفعة الأولى، لكي يقوموا بتزيين الجزائر العاصمة بمناسبة احتضانها للمهرجان الإفريقي الأول، وبعدها تحدث معنا الوزير وقال لنا بأن الجزائر مستقلة حديثا وليس لديها الكثير من المال، وستستضيف جميع الدول الإفريقية، وعلينا أن نزيّن العاصمة، فكان ذلك، كما كنت أذكر، أن الوزير رحمه الله كان يقص معنا الورق ويتناول معنا الطعام رحمه الله كم كان متواضعا ومثقفا".وأضاف محي الدين أنه شارك في مسابقة للفنون التشكيلية بمناسبة هذه التظاهرة، بلوحة قد تبدو من الفن التجريدي نظرا لاحتوائها على خليط من الأشكال والألوان، لكنه ليس بفنان تجريدي وإنما رسم بهذه الطريقة نظرا للسيل العارم من البشر الذين شاركوا في المسيرة الشعبية لهذه التظاهرة بتنوعاتهم وألوان ألبستهم المختلفة. وبالعودة إلى موضوع العادات والتقاليد الذي يعد الوعاء الذي ينهل منه الفنان لتقديم أعماله بغية الكشف عن خبايا الكنوز الجزائرية والتعريف بها داخليا وخارجيا، يقول سعيداني في هذا الشأن، إنه معروف بأنه فنان ضد الجهوية، وبهذا يرسم عن تقاليد كل مناطق الجزائر، بما أنه زار كل شبر من هذه الأرض الطيبة.وأشار الفنان إلى أهمية زيارته لمختلف بقاع الوطن والتغلغل في أعماقه، معتبرا أنه من الضروري التعريف بتقاليد مجهولة عند الأغلبية، مقدما مثالا عن حوش رمضان الذي يقع على بعد خمسين كيلومترا من قسنطينة ويقوم سكانه بالنحت على خشب الزيتون.لكن كيف يتم التواصل بين الفنان محي الدين وسكان المناطق، خاصة المعزولة منها؟ هل يحدث ذلك بكل سهولة أم أن الريبة التي انتعشت خلال فترة العشرية السوداء، تحول دون تواصل صريح بين جميع الأطراف؟ ويجيب محي الدين بأنه حينما يقصد منطقة ما، يتجه مباشرة إلى شيوخها ويسأل عن كنوزها المعرفية، وحينما يتم توجيهه إلى أناس معينين، يقوم برسومات أولية صغيرة ويتشبع بكل تفاصيل ما رآه وحتى الأحاسيس التي شعر بها، ومنه يعود إلى ورشته وينجز أعماله الفنية".ويؤكد الفنان على أهمية أن يكون في الفضاء نفسه الذي يريد رسمه ويتذكر زيارته لعائلة من منطقة جليدة (عين الدفلى)، في فترة الإرهاب ليعاين عن قرب، عيش عائلة في جو من الخوف، وقال بأن تلك العائلة لم تستطع أن تصدق بأنه فنان فقط جاء لرسمها، رغم أنه أقام عندها بوساطة صديق، وأضاف أنه سأل الجدة عما تنتظره، فأجابته؛ انتظر ما ينتظره الجميع، فسألها عن الجديد وما ينتظره الجميع، أجابته: الهناء، فكانت لوحة "الانتظار".أهل الصحراء، أهل كرم والكوريدا من الغرب الجزائري:رسم الفنان عدة لوحات عن أهل الصحراء الكرام، مثل لوحة "الشفافية" التي رسم فيها وجهي ترقيين، أما بقية جسديهما فكأنهما يضمحلان، وكان تفسير محي الدين أنه لشدة صفاء أهل الصحراء واندماجهم مع طبيعتهم، انصهروا فيها، أما لوحة "السيّد"، فرسم فيها ترقي راكب على حصانه وقال عنها الفنان بأن الترقي بحريته وحبه للطبيعة التي لا تحدها حدود، سيّد حقا.أما عن لوحات "الكوريدا"، أي مصارعة الثيران، فهي أيضا تدخل ضمن تقاليد المجتمع الجزائري وبالضبط منطقة الغرب، ويقول محي الدين بأن إسبانيا مكثت في الغرب الجزائري أكثر من مائتين سنة وشيدت أجمل حلبة مصارعة بوهران، حيث لا يوجد مثيلها في العالم، ليؤكد أنه راسم دائم للتراث الجزائري. وفي الأخير، تحدث الفنان عن مشروع يسكن فؤاده، يتمثل في جمعه للفنانين الست المتبقيين على الحياة من ضمن أول دفعة لمدرسة الفنون الجميلة، في ورشته الكائنة بمدخل القليعة(تيبازة)، للحديث عن الفن وتطوراته ومواضيع أخرى.




سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)