الجزائر - A la une

04 ‬دروس من انتخابات تونس؟



04 ‬دروس من انتخابات تونس؟
أي‮ ‬دروس‮ ‬ينبغي‮ ‬أن نستخلصها من نتائج الانتخابات التونسية،‮ ‬وأي‮ ‬إشارات حاملة للمستقبل‮ ‬ينبغي‮ ‬أن نلتقطها منها بنظرة استشرافية بعيدة المدى انطلاقا من معطيات الواقع الذي‮ ‬نعيش والحقائق السياسية والاقتصادية والجيواستراتيجية التي‮ ‬يعرفها بلدنا؟ وهل الرهانات في‮ ‬تونس هي‮ ‬ذاتها في‮ ‬الجزائر؟‮ ‬هي‮ ‬ذي‮ ‬الأسئلة التي‮ ‬تبادرت إلى ذهني‮ ‬وأنا أتابع بإمعان سير ونتائج الانتخابات في‮ ‬تونس،‮ ‬وأردت بدل أن أجيب على السؤال التقليدي‮ ‬الذي‮ ‬يتبادر إلى الذهن‮: ‬هل خسرت النهضة أم ربحت؟ وهل تسير تونس في‮ ‬طريق الأمان أم أنها ستعرف هي‮ ‬الأخرى مرحلة تقلبات وعدم استقرار بسبب طبيعة النتائج التي‮ ‬تحققت في‮ ‬التشريعيات الحالية؟ فضلت أن أترك هذه الأسئلة للتونسيين‮ ‬يجيبون عنها بأنفسهم لأنها تعنيهم أكثر،‮ ‬أما ما‮ ‬يعنيني‮ ‬وما‮ ‬يعني‮ ‬كافة الجزائريين هو تلك الأسئلة الأخرى التي‮ ‬لها علاقة بمستقبل بلدنا؟ وكيف‮ ‬يمكن أن‮ ‬يقرأ التجربة التونسية وأن‮ ‬يتفاعل معها‮... ‬* ‬لقد ألغَت التجربة التونسية من قاموس خطابها السياسي‮ ‬مصطلح التزوير،‮ ‬وملء صناديق الاقتراع أو تضخيم القوائم الانتخابية أو‮ ‬غيرها من أساليب الغش والخداع المفضوحة‮.‬‬1 وأول ‬ما بدت لي‮ ‬أهمية تسجيله بالنسبة لنا هو أن المتابع لنتائج الانتخابات ومواقف الأحزاب السياسية والقوى المختلفة،‮ ‬والتعاليق التي‮ ‬صدرت عنها،‮ ‬لا‮ ‬يمكنه أن‮ ‬يُسجل عبارة واحدة تتعلق بالتخوين أو التزوير من قبل هذا أو ذاك‮. ‬الجميع متفق على أنها كانت انتخابات شفّافة ونزيهة ومطابقة للقانون الساري‮ ‬المفعول‮. ‬الجميع‮ ‬يعتبر أن تجربة الهيئة العليا المستقلة للانتخابات هي‮ ‬تجربة ناجحة سواء من حيث الطريقة التي‮ ‬تم تشكيلها بها،‮ ‬أو من حيث توزيع المهام بين أعضائها،‮ ‬أو من حيث العمل الكبير الذي‮ ‬قامت به قبل الانتخابات والذي‮ ‬تقوم به الآن وستقوم به بعد الانتخابات‮. ‬لقد ألغَت التجربة التونسية من قاموس خطابها السياسي‮ ‬مصطلح التزوير،‮ ‬وملء صناديق الاقتراع أو تضخيم القوائم الانتخابية أو‮ ‬غيرها من أساليب الغش والخداع المفضوحة‮... ‬لم نعد نسمع في‮ ‬الخطاب التونسي‮ ‬مثل هذه المصطلحات،‮ ‬وإن بَقي‮ ‬الحديث عن شراء الذمم ودور المال الفاسد والأجنبي‮ ‬في‮ ‬العملية الانتخابية وغيرها من الأساليب التي‮ ‬تحتاج إلى وقت أكبر لتصبح منافية للتقاليد الانتخابية في‮ ‬هذه البلد‮. ‬هي‮ ‬ذي‮ ‬نتيجة أولى‮ ‬ينبغي‮ ‬أن نضع تحتها خط للاستفادة والإفادة‮.‬2 ‬ثاني ‬ما بدا لي‮ ‬مهما تسجيله هو أن الانتخابات التونسية لأول مرة في‮ ‬التاريخ العربي‮ ‬المعاصر تنقل حزبا وصل إلى السلطة من خلال الصندوق،‮ ‬إلى المعارضة ومن خلال الصندوق أيضا‮... ‬لم‮ ‬يسبق في‮ ‬التاريخ العربي‮ ‬المعاصر أن تمكن حزب معارض من الحصول على أغلبية في‮ ‬البرلمان بواسطة الصندوق ثم تمت الإطاحة به ونُزعت منه الأغلبية بواسطة الصندوق‮.. ‬والتجربة المصرية مازالت ماثلة أمامنا حيث تمت الإطاحة بأغلبية برلمانية منتخبة بواسطة الدبابة والقمع والسجن والتعذيب على شاكلة أساليب دكتاتوريات القرون الغابرة‮. ‬كما أننا مازلنا نذكر التجربة التي‮ ‬مر بها بلدنا حيث تمت الإطاحة بأغلبية بات وشيكا فقط أن تصل إلى البرلمان بواسطة الصندوق أي‮ ‬لم تصل حتى‮... ‬ناهيك عن تجارب بلدان عربية أخرى حيث مجرد تفكير المعارضة في‮ ‬الحكم‮ ‬يستدعي‮ ‬القتل والسجن والنفي‮ ‬واستخدام كافة الأساليب الوحشية التي‮ ‬لم تعرفها الإنسانية من قبل كما حدث مع المعارضة المغربية والمعارضة التونسية سابقا والليبية والسعودية والعراقية ناهيك عن السورية التي‮ ‬تتحدث الأخبار عن أهوالها التي‮ ‬لا تذكر‮. ‬كل هذا تم تجاوزه في‮ ‬تونس‮: ‬وصلت المعارضة إلى الحكم بواسطة الصندوق وتمت الإطاحة بها بواسطة الصندوق بغض النظر عن خلفيات الصعود أو الإطاحة،‮ ‬وبغض النظر عن دور اللعبة الدولية والظرف الدولي‮ ‬في‮ ‬ذلك‮. ‬ما‮ ‬يهمنا نحن من خلال هذه التجربة أنها سجلت ما‮ ‬ينبغي‮ ‬أن نُسمّيه باسمه الحقيقي ‬التداول السلمي‮ ‬على السلطة ‬من دون إراقة دماء ولا قتل ولا سجون أو تعذيب أو حكم قهري‮ ‬بوليسي‮ ‬وما إلى ذلك‮. ‬وهي‮ ‬النتيجة الثانية التي‮ ‬ينبغي‮ ‬أن نضع تحتها خطا لنستفيد ونفيد‮.‬3 ثالث ‬ما‮ ‬ينبغي‮ ‬أن نسجله أن الشعب التونسي‮ ‬رغم إدراكه لطبيعة مختلف القوى السياسية،‮ ‬لم‮ ‬يوزع أصواته على الجميع،‮ ‬بل عكس حقيقة مجتمعية هي‮ ‬واقع تعيشه جميع البلدان العربية والإسلامية مافتئت الكثير من التحاليل تثيره دون أن‮ ‬ينبته إليها أحد،‮ ‬وهذه اليوم إشارة حاملة لخطورة مستقبلية‮ ‬ينبغي‮ ‬تسجيلها ووضع خط أحمر تحتها لأنها ستكون سبب صراعات كبرى في‮ ‬المستقبل إذا لم‮ ‬يتم التكيف معها بالسرعة الكافية من الآن‮.‬‬ماذا تقول هذه الإشارة؟‮ ‬إنها تقول بوضوح تام أن هناك مجتمعين في‮ ‬البلاد العربية والإسلامية وهناك منهجين متصارعين لا أكثر،‮ ‬وأنه لا‮ ‬يمكن التوفيق بينهما إلا من خلال عمل كبير وبعيد المدى تتكفل به مؤسسات الدولة،‮ ‬ومن خلال مشروع مستقبلي‮ ‬متكامل لبلداننا وإلا فإنه سيؤدي‮ ‬إلى الانفجار والانقسام الأكيد في‮ ‬يوم من الأيام‮. ‬هذان المنهجان هما المنهج الإسلامي‮ ‬بجميع تفرعاته وتجلياته بما في‮ ‬ذلك الوطنية والمنهج الغربي‮ ‬بجميع تفرعاته وتجلياته بما في‮ ‬ذلك الأجنبية‮. ‬ولذا فإنه لا‮ ‬يمكننا أن نعيش تعددية حقيقية ما لم‮ ‬يتم حل هذا الإشكال بين هذين المنهجين‮. ‬وإذا ما كان من أمر خطير قد حدث في‮ ‬تونس هو أن نزاهة الانتخابات أفرزت هذه الحقيقة‮. ‬لقد انقسم المجتمع إلى مجموعة تساند المنهجي‮ ‬الغربي‮ ‬الذي‮ ‬أعطى لنفسه رمز نداء تونس ولَفَّ‮ ‬نفسه برداء الديمقراطية واللائكية وما إلى ذلك،‮ ‬ومجموعة أخرى تساند المنهج الإسلامي‮ ‬الذي‮ ‬جسدته حركة النهضة وإن حاولت أن تبدو في‮ ‬ثوب الديمقراطي‮ ‬المنفتح على الغرب القابل للتنازل إلى أقصى الحدود‮. ‬وتجلت بهذا الانقسام حقيقة الثنائية الفكرية والحضارية السائدة في‮ ‬مجتمعاتنا،‮ ‬وبات واضحا وهم إمكانية وجود تعددية حقيقية في‮ ‬نطاق وحدة الفكر والمنهج و الحضارة كما في‮ ‬الغرب‮. ‬وتأكد لنا من خلال التجربة التونسية صعوبة صناعة تعددية حقيقية في‮ ‬بلداننا على الطريقة الغربية،‮ ‬باعتبار الخلاف الجوهري‮ ‬بيننا والغرب،‮ ‬حيث الاختلاف هناك ضمن الإطار الحضاري‮ ‬الواحد أما الاختلاف عندنا فيعود بنا إلى خلفية صراع بين حضارتين هما الغرب والإسلام‮.‬* ‬لم‮ ‬يسبق في‮ ‬التاريخ العربي‮ ‬المعاصر أن تمكن حزب معارض من الحصول على أغلبية في‮ ‬البرلمان بواسطة الصندوق ثم تمت الإطاحة به ونُزعت منه الأغلبية بواسطة الصندوق‮.‬هذه هي‮ ‬المشكلة العويصة التي‮ ‬لاحت في‮ ‬الأفق اليوم أمامنا ونحن نتابع ما‮ ‬يجري‮ ‬من انتخابات في‮ ‬تونس،‮ ‬أي‮ ‬أنها انتخابات،‮ ‬إذْ‮ ‬مكنتنا من اكتشاف أهمية الحرية والشفافية والتداول على السلطة،‮ ‬كشفت لنا حقيقة صعبة‮ ‬ينبغي‮ ‬ألا تبقى خفية على أعيننا،‮ ‬متمثلة في‮ ‬أننا مازلنا مجتمعات لا نعرف وحدة المنهج ولا نتحرك ضمن إطار حضاري‮ ‬مستقل،‮ ‬كما المجتمعات الغربية،‮ ‬وفي‮ ‬ذات الوقت نريد من الديمقراطية أن تحل لنا هذا الإشكال‮. ‬ينبغي‮ ‬أن ندرك أنها لن تستطيع ما لم تواكَب بصياغة عميقة للتكوين في‮ ‬مختلف أطواره ومراحله لتشكيل عقول تلغي‮ ‬من شعورها ومن لا شعورها أن هناك مجتمعين‮ ‬يعيشان في‮ ‬مجتمع واحد وأحيانا في‮ ‬رأس واحدة،‮ ‬في‮ ‬بلادنا‮. ‬‬4 أما الدرس الرابع والأخير وهو محل أمل هذه المرة أن التجربة التونسية الأخيرة قدَّمت للعالم الديمقراطي‮ ‬الحر مثالا حيًّا على السلوك الحضاري‮ ‬للتيار الإسلامي‮ ‬في‮ ‬بلد عربي،‮ ‬وأن هذا الإسلام لا‮ ‬يمكن أن‮ ‬يكون باستمرار رافضا للآخر،‮ ‬معترفا فقط بالعنف للوصول إلى السلطة أو البقاء فيها‮ (‬رغم أنه لم‮ ‬يصل‮). ‬لقد قالت النهضة للعالم‮: ‬ها نحن نصل إلى السلطة ونخرج منها من‮ ‬غير عنف‮. ‬خطوة كبيرة باتجاه التأثير في‮ ‬رأي‮ ‬عام عالمي‮ ‬يحتكر صناعة الرأي‮ ‬العام فيه صناع داعش والقاعدة وفرق ضالة لا أول لها ولا آخر‮... ‬لكنها تبقى خطوة‮ ‬غير كافية إذا لم تعزز بخطوات أخرى في‮ ‬بلدان تعرف ديناميكية تحول هي‮ ‬الأخرى مثل الجزائر أو مصر أو المملكة العربية السعودية حيث مازال العام‮ ‬ينظر لها كدول تمثل ركائز في‮ ‬العالم العربي‮ ‬والإسلامي‮.‬هل تستفيد هذه الدول من هذه الدروس الأربعة؟ ننتظر مؤشرات قادمة لنحكم‮....‬


سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)