أدرار - SOUFISME

الأمهات المقررة في المدرسة التواتية



الحمد لله الذي رفع بالعلم أقواما فجعلهم مصابيح يهتدى بهم في دياجر الظلام، و مفاتح لما استعصى فهمه و إدراكه عن الكثير من الأنام. و جعل لسان صدق في الآخرين ينوه بمآثرهم و مزاياهم ما تعقب الليل و النهار.
و الصلاة و السلام الأتمان الأكملان على سيد البشر الذي رفع الله ذكره، و أبان للخلق فضله في أنصع بيان فقال تعالى: و أنزل الله عليك الكتاب و الحكمة و علمك ما لم تكن تعلم و كان فضل الله عليك عظيما. (النساء 113).
و بعد: أيها الإخوة الكرام، ها نحن اليوم و إياكم محتفين و محتفلين بذكرى وفاة العلامة الجليل سيدي أحمد ديدي رحمه الله الذي يعتبر من أولئك الأفذاذ الذين شمله قول الرسول صلى الله عليه و سلم: ( يحمل هذا العلم من كل خلف عدو له، ينفون عنه تحريف الغالين و انتحال المبطلين و تأويل الجاهلين).
و بهذه المناسبة السعيدة فإن موضوع كلمتي هذه (الأمهات المقررة في المدرسة التواتية).
أولا أن القطر التواتي منذ أن عرف الإسلام و استقر عليه، اختار من المذاهب الإسلامية المعتبرة المذهب المالكي، لأنه الإمتداد الطبيعي و الحقيقي لمدارس المدينة المنورة الفقهية إذ المدينة المنورة هي مهبط الوحي و مستقر الرسول صلى الله عليه و سلم، و مثواه الأخير.
و لما تميز به المذهب المالكي من إحتلال المرتبة العليا و المقام الأسمى بين المذاهب الفقهية المتبعة، فهو من أصحها أصولا و أكثرها فروعا و أشملها قواعد و أوسعها مقاصد، و أكثرها مرونة و واقعية، و أقربها لحياة الناس و أكثرها ملائمة لفطرهم و طبائعهم. و هذا ما نشهد به المنصفون من مختلف المذاهب.
يقول الشيخ أحمد بن تيمية- رحمه الله- و من تدبر أصول الإسلام و قواعد الشريعة وجد أصول مالك و أهل المدينة أصح الأصول و القواعد.
و يقول الإمام الذهبي:
و بكل حال فإلى فقه مالك المنتهى، فعامة أرائه مسددة، و لو لم يكن له إلى حسم مادة الحيلة و مراعاة المقاصد لكفاه.
و يقول الإمام ابن عبد البر:
فمن اقتصر على علم إمام واحد و حفظ ما كان عنده من سنن و وقف على غرضه و مقصده في الفتوى حصل على نصيب من العلم و حظ منه حسن صالح...
و الإختيار له أن يجعل إمامه في ذلك إمام أهل المدينة دار الهجرة و معدن السنة.
و يقول الشيخ محمد أبو زهرة:
إنا لنقر غير مجازفين أنه (المذهب المالكي) مذهب الحياة و الإحياء قد اختبره العلماء في عصور مختلفة فاتسع لمشاكلهم، و اختبره علماء القانون في عصرنا الحاضر فكان مسعفا لهم في كل ما يحتاجون إليه من علاج، و إنا نسند ذلك إلى مجتهديه و كثرة أصوله و نوع الأصول التي أكثر منها و سيطرت على التخريج فيه.
و يقول في موضع آخر: و إن نوع الأصول التي يزيد بها المذهب المالكي على غيره و مسلكه في الأصول التي اتفق فيها مع غيره يجعلانه أثر مرونة و أقرب حيوية و أدنى إلى مصالح الناس و ما يحسون و ما يشعرون، و بعبارة جامعة أقرب إلى الفطرة الإنسانية التي يشترك فيها الناس و لا يختلفون إلا قليلا بحكم الأقاليم و المنزع و العادات الموروثة.
أكتفي بهذه الشهادات المبرزة لخصائص و مميزات المذهب المالكي و أعود للكلام على المدرسة التواتية.
إن الشيخ العالم سيد أحمد ديدي يعتبر بحق أنه المبرز للمدرسة التواتية حسب رأي و به ذاع صيتها في أصقاع الوطن شرقا و غربا و شمالا و جنوبا و ذلك بما أخرجه لهذه الربوع من علماء أجلاء و فقهاء جهابذة و لو لم يكن إلا الشيخ العالم سيدي محمد بلكبير الذي بلغ صدى ذكره داخل الوطن الجزائري و خارجه، فهو مفخرة لتوات في عصره، بل و حتى يومنا هذا لكان كافيا في إرجاع الفضل إلى الشيخ سيد أحمد ديدي في اعتباره الرائد الأول في إشعال مصباح منارة المدرسة التواتية ثانية و إخراجها من دائرة النسيان في عصرنا الحاضر بعد ما أصابها من أفول و ركود في خوالي الأيام و هي سنة كونية قضى الله بها على بني الإنسان حتى لا يخرجه استمرار النعم إلى حيز الطغيان، قال تعالى: (و تلك الأيام نداولها بين الناس).

الأمهات المقررة في المدرسة التواتية :
إن كلامي على الأمهات المقرر تدريسها في المدرسة التواتية أقصره على طور المدرسة التواتية في عصر الشيخ سيد أحمد ديدي إلى يومنا هذا. لقد اختار علماء المدرسة التواتية في طورها المذكور بعض أمهات المذهب المالكي لما تميزت به هذه الأمهات من غزارة علمية و وضوح في المعنى مع ما لمؤلفيها من مكانة علمية و صلاح في الدين. و كذلك تطور الزمان و تزاحم مشاغله التي عاقت طلاب العلم عن طول المكث في المدارس لنيل العلم كما كان عليه أهل الزمان. فكانت هاته المختارات من الأمهات بلغة لهم تغني من استغنى بها في حياته و بوابة لمن أراد أن يلج بحار العلم للإستزادة من معينه الذي لا ينضب. قال تعالى: (و قل ربي زدني علما).
الكتب الفقهية:
1 المرشد المعين على الضروري من علوم الدين. للشيخ و العلم النحرير سيدي عبد الواحد بن أحمد بن علي بن عاشر الأنصاري صاحب التآليف العديدة المتبحر في علوم شتى، خاتمة العلماء العاملين في عصره و زمانه المتوفي في (1040 ه – 1630 م).
نظم المرشد المعين للمبتدئين ليحصل لهم به معرفة فرض العين من علوم الدين فجاء نظما بديعا مع فيه بين أصول الدين الثلاثة: الأيمان – الإسلام – الإحسان.
مع مقدمتين اثنين: أولاهم: مقدمة في الأحكام العقلية المتعلقة بقواعد الإيمان من اجب عقلي و مستحيل و جائز.
و ثانيهما: مقدمة أصولية تتناول مباحث الحكم الشرعي و أقسامه.
2 الرسالة: و تسمى الباكورة:
التي ذاع صيتها بين الناس في جميع الأقطار و عكف عليها المالكية شرقا و غربا، لمؤلفها العالم أبي محمد عبد الله ابن أبي زيد القيرواني الفقيه الحجة، إمام المالكية في وقته، الملقب بمالك الصغير لغزارة علمه و كثرة تآليفه و شدة ورعه و زهده. (ت. سنة 386 ه – 996 م).
و لما أتم ابن أبي زيد تأليفها قيل أنه طاف بالبيت الحرام و دعى لمن قراها بسعة العلم و المال و صلاح الدين، و مهما قيل عن الرسالة فلن نوفي حقها فقد جمع فيها صاحبها بين عقيدة أهل السنة خالية من سفسطة الفلاسفة و جدلية المتكلمين، و أحكام فقهية شاملة للعبادات و المعاملات و في الأخير قواعد السلوك و تزكية النفوس.
3 مختصر خليل لضياء الدين أبي المودة خليل ابن إسحاق الملقب بالجندي:
الإمام الهمام أحد شيوخ الإسلام الفقيه الحافظ المجمع على فظله، الجامع بين العلم و العمل (ت. 776 ه – 1374 م). لقد نال مختصر خليل أهمية كبرى عند المالكية فقد كان العمدة في المذهب ولا يزال تدريسا و فتوى و قضاء منذ ظهوره و انتشاره إلى وقتنا هذا، إذ هو يمثل آخر الخطوات في التأليف الفقهي في المذهب المالكي إذ كل ما جاء من بعد فهو عالة عليه.
كتب الحديث:
يعتبر صحيح البخاري لصاحبه الإمام أبي عبد الله محمد بن إسماعيل بن إبراهيم البخاري، الإمام الكبير و الحافظ الحجة الذي عاش ما بين (194 ه -810 م و 256 ه – 870 م) هو العمدة في دراسة الحديث رواية لما اشتمل من صحة في الحديث متنا و سندا و ما تميز به من دلائل فقهية و شوارد علمية.
كتب اللغة:
1 الاجرومية لمحمد اجروم الصنهاجي.
2 الألفية
3 لامية الأفعال
و كلاهما لجمال الدين محمد ابن مالك.
و ضيقا للوقت و خوف الإطالة تركت ترجمة هذين العلمين و كذا لم أذكر شراح هذه الأمهات المذكورة خوف التطويل.
و إلى مناسبة أخرى إن وفق الله، إخواني الكرام إن كنت مصيبا فالشكر لله و إن كنت مصيبة فالحمد لله فإنه لا يحمد على مكروه سواه، و لا حول و لا قوة إلا بالله.
في 10 شوال 1429 ه الموافق ل 10 أكتوبر 2008.



سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)