الجزائر - Autres sites et lieux historiques et touristiques


اصل تسمية مدينة المغير
أي مدينة أو قرية في الجزائر تخضع لعدة عوامل تتداخل فيما بينها لتنتج تسمية تمثل في الغالب إسقاطا لها ، فنجد مدنا اتخذت تسميتها من طبيعتها أو تضاريسها أو جغرافيتها و هناك ما أخذ اسم ملاكها أو سكانها لتسهيل معرفتها و تحديد مكانها مثلما نقول أرض فلان أو زاوية فلان أو كدية فلان ، و هناك مناطق سميت تيمنا بأشخاص مرو بها و تركو أثرهم عليها كما نجد مدن أو قرى أخذو أسماء بناءا على مقاييس أو أهواء سياسية لأنها تابعة لشخص واحدا (قائد قبيلة أو حاكم ) أو هيئة تملكه لها سلطة إتخاذ ذلك الإسم (حكومة أو دولة ) مثل تسمية الأحياء أو الشوارع أو التجمعات السكنية الحديثة التي تقرها الدولة دون اللجوء لإستشارة سكانه كإجراء إداري ، و هناك مدن توارث أهلها إسمها عبر العصور حتى غاب عنهم تعريفها أو سبب تسميتها أو من أطلق عليها ذلك الاسم و في كل الحالات إذا تفحصنا الأسماء القديمة للمدن الجزائرية ، فإننا نجد أن معظمها ذو أصل محلي يرتبط معناها في الغالب بالبيئة الطبيعية التي وجدت بها
أي شيء يخضع لمقياسين في التسمية الأول هو المعنى اللغوي و الثاني المعنى الإصطلاحي ، أي الرويات المحلية و القصص التي يتناقلها السكان حول سبب التسمية و هذا ما سنحاول تطبيقه على تسمية مدينة المغير
هناك عدة روايات منها ما هو منقول شفهيا و منها ما هو مكتوب لكن اجتمعت في شيء واحد و هو عدم صحة الرواية بحيث أن كل القصص غير واضحة المصدر و متضاربة فيما بينها مما يجعلها هشة و لا يمكننا القياس عليها نأخذ مثلا هذه الرواية لأحد الكهول الذين ورثو هذه القصة من جده فيقول أنه في قديم الزمان مر بالمنطقة رجل صالح فاستضافه أحد السكان في منزله و أكرم ضيافته من طعام و شراب و عندما حل الليل وضع صاحب البيت فراش الضيف خارج المنزل بحكم أن منزله ضيق و ليس فيه متسع و كان الجو حينها حارا فلم ينزعج الضيف من ذلك بل قدر الموقف و شكر صاحب البيت على كرمه و ما فعله معه رغم قلته و بساطته ، اتكأ الضيف على الحصيرة و وضع شاشه و عمامته و كل متاعه عند رأسه و نام ، عند الفجر استيقظ الضيف فلم يجد شاشه المرصع ، بحث عنه هنا و هناك فلم يجده دق الباب على مستضيفه فلم يلقى ردا و لم يفتح له الباب فجمع متاعه و هم بالرحيل و قبل مغادرته قام بالدعاء على المنطقة و أهلها بأنها لن تتغير و ستنزع عنهم و عن أملاكهم البركة و أن يسلط الله عليهم طبائعهم فلما سمع أهل البلدة بذلك بحثوا عن الرجل الصالح للاعتذار منه و إقناعه بأن ما حدث لم يكن مقصودا فلم يجدوه و ضلوا على وضعهم و بقيت على حد قول الراوي هذه اللعنة لن تزول إلا بإيجاد ذلك الرجل و طلب المغفرة منه و تعويضه على ما حدث، لكن هناك بعض القصص و الأقوال التي لابد من ذكرها ، أول ملاحظة نلاحظها قبل سرد تلك الروايات هو أن هذا الإسم منتشر في بلاد الشام و هذه هي المناطق التي تحمل نفس الإسم :
- المغير (جنين) : مستوطنة في فلسطين
- المغير (إربد): بلدة أردنية تتبع إدارياً محافظة إربد.
- المغير (المفرق): بلدة أردنية تتبع إدارياً محافظة المفرق.
- المغير (نابلس): بلدة فلسطينية تتبع إدارياً محافظة نابلس.
- المغير (رام الله): بلدة فلسطينية تقع قريباً من مدينة رام الله.
- المغير (سوريا): بلدة سورية تتبع إدارياً محافظة السويداء.
- المغير طبلستان: بلدة سورية محتلة تتبع إدارياً محافظة القنيطرة.
- المغير (حماة) قرية سورية في محافظة حماة.
حاولنا التواصل مع بعض الإخوة في تلك المناطق و سألناهم عن أصل التسمية أو سببها و جدنا أغلبهم يتخبطون في نفس المشكلة ، من الإخوة في فلسطين من حدثنا أنه بسبب كثرة المغارات لديهم رغم أن هذه الرواية غير موثقة لديهم بل تناقلتها الألسن و لا يعرف مصدرها لكنها تبقى احتمال وارد .
و هناك في الأردن من يقول أن الاسم مشتق من اسم كبار العشائر و القبائل التي تسكن تلك المنطقة
حاولنا أن نبحث عن إمكانية وجدود علاقة بين مغيرنا الحبيبة و باقي المناطق التي تحمل نفس الاسم لكن لم نجد ما يستحق الذكر ، مع وجود ملاحظة هامة هي تشابه بعض الألقاب الموجودة هنا مع ألقاب مشرقية مثل بدرة ، سعد الله و شطي لكن لا ندري إن كان هذا صدفة أو أن للتاريخ دخل .
كما هو معلوم أنه توجد العديد من المغارات في الجهة الغربية للمدينة و حسب بعض الأهالي أنها كانت تستعمل مخابئ للمجاهدين في الحقبة الاستعمارية ما يجعل احتمالية اشتقاق إسم المنطقة من وجود تلك المغارات وارد .
، هناك بعض الحديث أيضا على أن تلك المغارات تشكلت طبيعيا و هي قديمة جدا و بحكم المكان الإستراتيجي الذي تحتله حيث أنها تقع قريبة من مفترق الطرق الفاصل بين ثلاث مدن كبيرة الزيبان و سوف و وادي ريغ فكان يستعملها قطاع الطرق آن ذاك للإختباء بعد قيامهم بالإغارة على القوافل التي تمر من هنا هذا ما يجعل احتمالية اشتقاق إسم المنطقة من تلك الغارات أمر ممكن أيضا لو فعلا كانت كذلك . (ذكرت رمزا كأطراف سوف الشمالية و أطراف قصور تقرت الشمالية محمد الطاهر بن دومة )
هناك من قال أنه بسبب كثرة تحولها من مكان إلى آخر و كذلك لسبب انها نقطة تغير في الطبيعة و المناخ و اللهجة
الإحتمال الثالث هو تعرض الكلمة للتحريف خاصة اذا علمنا أن هناك العديد من مدن وادي ريغ لم تكن تنطق كما نعرفها الآن و كمثال نأخذ ورقلة كانت تسمى ورجلان فرق كبير بين الكلمتين و هذا ما لاحظناه في الخرائط الأمازيغية القديمة التي نرى فيها بوضوح منطقة المغير مكتوبة باللغة اللاتينية (majyr) و حين نتتبع وثائق المستعمر الأولى نجد أنه يكتبها (m’raier) هذا يضعنا أمام احتمال أن الكلمة أمازيغية ، لم نجد من يفسر لنا الكلمة المكتوبة باللاتينية و حين بحثنا عن مرادفات الكلمة بالأمازيغية وجدنا أنها تعني تقريبا أسوار القلعة و هناك من قال أنها تعني نبتة الجرجير (تحريات شخصية و مقابلات مع بعض الطلبة من جامعة باتنة )
بناءا على ما قلنا في الإحتمال الرابع فقد كثفنا البحث في القاموس الأمازيغي و سألنا بعض المختصين في اللغة الأمازيغية رجح البعض إشتقاق كلمة المغير من كلمة تامغرت و تعني الكبرى و بعضهم من فسر كلمة تامغرت على أنها الأرض التي تم إنشاؤها بجهد بشري لجعلها صالحة للعيش و هناك من قال أنها قد تكون مشتقة من كلمة تامغيلت و تعني أرض المؤمنين حيث أن كلمة تامغيلت أشتق منها كلمة أمغيل و هناك من ينطقها أمغير و معناه المؤمن ، أرض المؤمنين هو الإحتمال الأقرب لو علمنا أن المنطقة كانت مليئة بالزوايا و العلماء و طلبة العلم و لو حاولنا دمج الكلمتين لحصلنا على التعريف التالي : المغير معناه الأرض التي أنشأها مجموعة من الأشخاص المؤمنين لجعلها صالحة للعيش . (تحريات شخصية و مقابلات مع بعض الطلبة من جامعة تيزي وزو و الإستعانة بالمعجم العربي الأمازيغي الأستاذ محمد شفيق من المغرب )
هناك العديد من الروايات الأخرى قد تصنف في خانة الأساطير التي لا يمكن أن يعتد بها لأنها خارجة عن المنطق مثل قصة الصحابي عبد الله بن مرج الذي يقال أنه في ترحاله مع مجموعة من الصحابة وصلو إلى منطقة المغير باتوا فيها و في الصباح وجدو سيوفهم لصق بها الصدأ فقال عقبة سمو هذا الموضع بالمغير ، هذا الإحتمال ضعيف جدا . (تاريخ العدواني ص 299)
ذكر في كتاب سجل أسماء العرب المجلد الثاني الصفحة 906 (هو مجموعة موسوعة السلطان قابوس لأسماء العرب شارك في تأليفه العديد من الكتاب و الباحثين ) حرفيا " أن المُغير من (غو ر) أي من أتى المغور وهو كل منخفض من الأرض ، والذاهب فى الأرض ، أو من اشتد فى العدو وأسرع ، ومن يأتى القوم لينصروه. المُغيّر من (غى ر) المفضل والحريص " . نفهم من هذا أن كلمة المغير هي عبارة عن مصطلح جغرافي يطلق على أي منخفض أرضي و هذا ليس بجديد فكلمة الجزائر مثلا هي أيضا عبارة عن مصطلح جغرافي يطلق على أي عاصمة يقابلها مجموعة جزر صغيرة ، هذا الإحتمال هو الأقرب للصواب لأن له أساس علمي يبعدنا عن أي تكهنات أو تأويلات أخرى . وهذا ما يفسر أيضا وجود هذا الإسم في عدة مناطق في العالم العربي تتشارك في نفس الجغرافيا أي منخفظات أرضية و منه نستخلص أن المغير كلمة عربية صريحة و هي مصطلح علمي جغرافي بمعنى المنخفض الأرضي و الجميع يعلم أن المغير تنخفض عن سطح البحر ب 35 متر في شط ملغيغ و 40 مترا في شط مروان مما يجعل هذا الإسم اسقاط واضح لجغرافيتها .
خلاصة : المعنى اللغوي للكلمة أصبح واضحا و هو أن الكلمة مصطلح جغرافي تعني منخفض أرضي ، عدم ذكرها عند المؤرخين الأوائل المهتمين بالعمارة و الأنساب هو دليل أنها لم تكن ذات شأن ، المؤرخين المعاصرين لم يذكروها أيضا رغم أنهم ذكروا القرى و القصور القريبة منها و هذا يوحي أنه لم يكن هناك شيء يلفت إنتباههم يستدعي ذكره أو التركيز عليه لأنها منطقة مجهولة تاريخيا و لم تقم عليها دراسات علمية مركزة ، ذكرها المستعمر الفرنسي في بدايات الاحتلال كإختصار يقصد بها المنطقة ككل التي تضم دندوقة و انسيغة و الزاوية و ماريزو و حتى شط ملغيغ لأنه كان يسمي باقي القرى بمسمياتها المعروفة ، ظهر إسم المغير بشكل واسع و كبير في الكتب و الخرائط بعد إنشاء المدينة الجديدة التي بناها المستعمر (الدشرة) و كانت متاخمة للزاوية (الزاوية هي المغير القديمة أغلب السكان المحليون يطلقون عليها إسم الزاوية تكريما و إجلالا للزاوية التي كانت موجودة بها و هي زاوية مبارك الصايم ، أما القادمون إليها فيعرفونها بإسم المغير ) و جعلها مقرات للمباني الحكومية و منازل للمعمرين و بدأت بالتوسع شيئا فشيئا ، الإسم إذا كان موجود و معروف لكن المستعمر وضعه على المدينة الحالية لتكون عاصمة لكل القرى و القصور المحيطة به بداية من سنة 1882 تزامنا مع إنشاء المجمع الفلاحي بلورير قرب انسيغة بحكم أن الزاوية هي أكبر القصور الموجودة و مقر سكن العلماء و الوجهاء . كما بينته الخرائط القديمة التي تضع اسم المغير على المنطقة ككل و أحيانا نجدها تفصل بين المغير و انسيغة فيذكرون معا ، نفهم من هذا أن المغير ضاربة في أعماق التاريخ بجمادها و ليس بعنصرها البشري ، فالعنصر البشري لم يكن له الأثر الملاحظ أي لم يترك مخطوطات أو كتب توثق تلك الحقب التاريخية . هذا ما جعل الحديث عنها محدود لدى المؤرخين .
بعد الإحتلال الكامل للمنطقة و استتباب الوضع نسبيا للمستعمر وضع تركيزه على إعمار المنطقة من خلال بناء مستوطنات يستهدف منها جذب السكان اليها وكذى إنشاء المجمعات الفلاحية بغرس الآلاف من النخيل و استقدام العمالة من القرى و المدن القريبة فجعل من المغير مركزا للعمليات و المراقبة ، بدأت تعمر المغير الحالية خلال تلك الفترة بداية بنزوح العديد من سكان القرى المحيطة إليها و إستقرار البدو و بدأو ببناء المساكن و إنشاء كيانات حضرية توسعت و كبرت في وقت قياسي لتوفر أسباب العيش و المقومات المدنية و النظام الذي وضعه المستعمر من أجل جعل كل شيء أمام عينه ، كما قدم هبات و أراضي و امتيازات لبعض مشائخ القبائل و لكل من وقف معه و ساند مسعاه في احتلال المنطقة كما وضع حصارا ممنهجا لمتابعة تحركات السكان و التضييق على الثورة ، وكل من يعيش خارج هذا المدينة يعتبر مشتبه فيهم فيمارس عليهم سياسة الأرض المحروقة من أجل ترهيبهم و حملهم على ترك أراضيهم و منازلهم و استعمل أيضا سياسة فرق تسد بنشر التفرقة و العنصرية بين السكان و باقي القرى و البدو من أجل تثبيت مركزيته و قوته .

سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)